مشروع قانون المحاماة…….إصلاح أم إفساد؟


<  ناقوس خطــر… ! المحاماة تحتضـر… !          <  داؤها الفرقة………..ودواؤها الوحــدة

قبل البداية :    أحر التهاني للمحامين العشرة  المبشرين بما يحمله لهم مشروع قانون المحاماة الجديد، الذي جاء لأول مرة في تاريخ المهنة العريقة، مستحدثا صنــدوق (المحامون العشرة المؤتمنون على المال…) والذي أطلق عليه تسمية (صندوق أداءات المحامين)، تودع فيه لزوما جميع الودائع العائدة لموكلي مئات بل آلاف المحامين (المادة 55 من المشروع) والذي يصادق على نظامه الداخلي، مجلس الهيئة… !!!

يبدو أن لدى واضعي المشروع ثلاث قناعات :

> القناعة الأولى : أن فئة كبيرة من المحامين منحرفون، يأكلون أموال الناس بالباطل، غيـر جديرين بالإئتمان على ودائع موكليهم… لذا يجب إنقاذها من براثنهم…

> القناعة الثانية : أن النقباء وأعضاء مجالس هيئات المحامين  ومن والاهم،هم وحدهم المحصنون ضد (فيروس حب المال)… وفي حرز من مكائـــــد الشيطان… دون سواهم من مئات بل آلاف المحامين الآخـــرين.

> القناعة الثالثة : إن قوة جهـاز المنـــاعة لـدى النقبــاء وأعضاء المجــالس، تؤهلهــم لاصطفـاء (الأولياء العشرة + من بينهم (إذ ينـــص المشــــــروع  علــى أن المجلــس الإداري  للصندوق يشــكل من أربعــة نقبــــاء +  ثلاثة من  أعضاء المجـلـــــس + ثلاثـــة محامـيـــن معينــيـــن من طرفهم)…

ومن يدري، قد يمتن علينا هؤلاء ؛(العشرة البررة) بان  إشرافهم على  الصندوق وعلى تسييره، هومجرد تضحية من طرفهم، ومن قبيل أعمال البر والإحسان…

هذا الإصلاح، ما هوإلا إحدى عشرات المفاجآت السارة التي يخبئها المشروع الجديد في جعبته لآلاف المحامين والمحاميات، الذين إذا ما استفـاقــوا من سبــاتــهــم العميــق على فراغ خزائنهم الحديديـة وحســابــات ودائعهم، انهــمرت دموع الفــرح من أعينهــم، فعمدوا إلى حكها بالوسطى……..

تمهيد

المحاماة تئن تحت سوط فرق تسد….تشكوالوهن والتشرذم… تنادي بجمع الشمل في ” هيئة المحامين بالمغرب”.أبناؤها الأبرار يهبون من سباتهم: لبيك يا أماه…انك لم تلدي أكباشا ونعاجا….ولا امعات وشماتات…وانما أنجبت أسودا ولبوات بالوعي متحلين ومتصفات….وفي وجوه المستغلين والمبتزيـن أطلقوا الصيحات واللاءات:

لا…لخرق الدستور والقوانين والتعدي على اختصاصات السلطة التشريعية.

لا…لاستصدار نص قانوني يلزم المحامين بتقديم استقالتهم كلما رغبوا في نقـل مكاتبهم ولولمسافة 40 كيلومتر، من القنيطرة إلى الرباط مثلا….

لا…لاستصدار نص قانوني، يضفي صبغة الشرعية على أعمال غيـر مشروعة…ولشرعنة فرض ” الضريبة المباشرة” المسماة واجبات، أورسوم الانخراط…التي ما أنزل الله بها من سلطان…بالملايين علىالخريجين الجدد (4و5 مليون) وبأضعاف تلــك الملايين (10و12 مليون) على كل راغب في قيده بالجدول….. بل حتى على قدماء المحامين الممارسين، إذا ما رغبوا في نقــل قيدهم من جدول لآخــر…..

لا….للتشكيك في أمانة مئات بل آلاف المحامين، وإلزامهم بايداع جميع الودائع العائدة لموكليهم في (صندوق العشرة المبشرين بنعيم المال) أربعة نقباء وثلاثة من أعضاء المجلس وثلاثة محامين معينين من طرفهم….” المقترح احداثه في مشروع القانون الجديد تحت اسم (صندوق أداءات المحامين)….

لا…لاحتكار مراكز القرار…ومنح امتيازات للأقلية(5- 10%) علــى حساب الأغلبية (90- 95 %).

لا…. لحرمان المحامي من حق اثارة البطلان بحكم القانون ” لكل المداولات والقرارات التي تتخذها الجمعية العامة، أومجلس الهيئة، خارج نطاق اختصاصهما أوخلافا للمقتضيات القانونية أوكان من شأنها أن تخل بالنظام العام، وقصر هذاالحق على السيد الوكيل العام للملك، الذي يمكنه أن يطلب من محكمة الاستئناف أن تعاين هذا البطلان…..ذلك لأن البطلان يمس بالنظام العام ولا يمكن السكوت عنه لمخالفته للمشروعية، لذا يجب تعديل المادة 86 من القانون الحالي للمحاماة، في هذا الاتجاه السليم.

لا…للتعامي عن الجرائم والخروقات الخطيرة بسبب تفشي المحسوبية  والولاء الحزبي والحرص على أصوات الناخبين في الانتخابات.

لا…لجعل البت في الشكايات الموجهة ضد النقيب وأعضاء المجلس من اختصاص المشتكى بهم أنفسهم…فهل يعقل أن يكونوا هم الخصم والحكم..؟؟؟

لا…لفرض الاقامة الاجبارية على المحامين داخل دائرة نفوذ كل هيئة…

لا…لحرمانهم من حق نقل مكاتبهم لدائرة أخرى…..

لا…للمساس بحقهم في العمل في مجموع التراب الوطني….

لا….لوضع قيود على حقـــوق الإنسان المتعارف عليها عالميا……والتمادي في السكوت على خرقها.

لا…. لسن تشريعات تضيق من فرص العمل وتعمل على تكريس البطالة.

لا…لارهاق المتقاضين والمحامين بأعباء مالية اضافية ” رسوم الدمغة” لفائدة هيئات المحامين التي تشكل زيادة على الرسوم القضائية بنسبـــة

40% و60%…..

لا…”لعقوبة التجريد من الحقوق المهنية” وتفقير وتجويع المحامين بمنعهم من مزاولة أي عمل من أعمال المهنة تحت غطاء ” التغاضي عن التقييد في الجدول” الذي ليس من العقوبات التأديبية….

لا… للممارسات المنافية لقواعد المنافسة بالسماح بذكر أكثر من صفة محام مقبول لدى المجلس الأعلى، ودكتور في الحقوق، في مطبوعات المحامين وعلى أبواب مكاتبهم.

لا…لسبعة عشر هيئة للمحامين بالمغرب، وقد يزيد العدد مـع تزايد عدد محاكم الاستئناف….

نعم…لهيئة واحدة على الصعيد الوطني ” هيئة المحامين بالمغرب”

واعجبا… !!!نعم لهيئة الأطباء بالمغرب…. نعم لهيئة الصيادلة بالمغرب..نعم لهيئة المهندسين بالمغرب….فلم لا لهيئة المحامين بالمغرب؟

أولا: لمحة تاريخية عن المطالبة بالاصلاح

سبق لي بدءا من فبراير 1971 أن طالبت باصلاح مهنة المحاماة، خلال اجتماعات الجمعية العامة لهيئة المحامين بطنجة. وفي الرابع من محرم الحرام 1398 هـ الموافق 15/12/1977، وبموجب طلب كتابي مسجل لدى الهيئة تحت رقم 232، طرحت خمسة مسائل على بساط المناقشة انصبت على ما يلي:

1) الضمان الاجتماعي للمحامين، 2) الوسائل العملية لوقاية مهنة المحاماة من السمسرة، 3) ضرورة توفير الضمانات الكافية للمتقاضين ولا سيما المعتقلين والمطالبين بالحق المدني في قضايا حوادث السير، في اختيار من ينوب عنهم من المحامين بملء حريتهم،4) ضرورة تسوية وضعية المحامين الذين انهوا فترة تمرينهم داخل أجل معقول،5) اجراء مناقشة قانونية حول هذا السؤال : هل تنشأ نقابة المحامين لدى محكمة الاستئناف أم لدى المحكمة الابتدائية……فإذا كانت تنشأ لدى محكمة الاستئناف، فكيف يسمح بتأسيس نقابة بتطوان الى جانب نقابة طنجة.. واذا كانت تنشأ لدى المحكمة الابتدائية، فلماذا لا تؤسس نقابة جديدة لدى المحكمة الابتدائية بالعرائش..

وفي عام 1982 تقدمت بعشرات الاقتراحات العملية لادخال اصلاحات جذرية على القضاء والمحاماة كانت الأولى من نوعها في المغرب كثمرة عشرين سنة من الكفاح والنضال في هذين الميدانين النبيلين تضمنت المناداة الصريحة بالعدول عن القضاء الفردي والغاء قضاء المقاطعات والجماعات والتخلي عن فكرة تعدد نقابات المحامين  والأخذ بمبدأ وحدة النقابة على الصعيد الوطني.

انتظمت تلك الأفكار والآراء في محاضرة لي بعنوان (مهنة المحاماة بين المثالية والواقع) كان لي شرف القائها يوم 12/11/1982 بقصر العدل بمدينة طنجة بدعوة من اللجنة الثقافية لرابطة القضاة وجمعية المحامين الشباب بعاصمة الشمال.

أعربت يومذاك للسادة نقباء هيئات المحامين عن كامل استعدادي للقيام بجولة في المغرب على حسابي الخاص، قصد مناقشة الدراسة المقارنة للقوانين المنظمة لمهنة المحاماة في العديد من الدول، والتي اشتملت المحاضرة المذكورة على ملخص لبعض المسائل الهامة، كما زودتها بنسخ منها قصد نشرها في المجلات التي تصدرها، ولكن مع كامل الأسف لم يصادف اقتراحي أي قبول، ولم تنشر المحاضرة، حتى في مجلة هيأة المحامين بطنجة، التي منها انطلقت تلك الصيحة المدوية بالاصلاح !!! ياحسرة…  !!!والأدهى من ذلك أن جميع مجالس هيئات المحامين بادرت قبل مجلس هيأة المحامين بطنجة بتبني بعض الاصلاحات المقترحة من طرفي ولا سيما الاقتراح الرامي الى وجوب اشتراط توفر المحامي الأستاذ على أقدمية خمس سنوات على الأقل في الجدول ليصبح له حق القيام بتدريب ” محام متمرن” في مكتبه، مصداقا للمقولة المشهورة ” مغني الحي لا يطرب…. !!!”.

وبرصد لميدان التشريع في المغرب المتعلق بالمؤسسات التمثيلية المهنية، تلقف المشرع بالقبول فكرة وحدة النقابة على الصعيد الوطني لكل من الأطباء والصيادلة  والبياطرة والمهندسين، ولكنه مع كامل الأسف، لم يأخذ بها بالنسبة لمهنة المحاماة، حالة كون الفكرة انطلقت من محام ذي خبرة وتجربة طويلة.

وبعد احدى عشر سنة، جاء قانون المحاماة لسنة 1993، بتعديل تبنى فيه اقتراحي بوجوب اشتراط أقدمية خمس سنوات في المحامي الرسمي لقبول محام متمرن في مكتبه، وذلك بعد سبعين سنة من الفوضى، حيث كان للمحامي الحق بقبول محام متمرن بمكتبه ابتداء من اليوم الأول لحصوله على شهادة انهاء التمرين…. !.

واليوم، وبعد تراكم خبرة وتجربة 45 سنة، أجد نفسي ملزما أدبيا ومدفوعا بالغيرة على المصلحة العامة، وبالأمانة العلمية، وبالحرص على سمعة مهنة المحاماة النبيلة، وبمناسبة دراسة اللجان البرلمانية لمشروع قانون المحاماة الجديد، أن أجدد نصيحة 12 نوفمبر 1982، الهادفة الى الأخذ بمبدأ وحدة النقابة على الصعيد الوطني بالنسبة لمهنة المحاماة.

ثانيا :

الأهداف النبيلة لهيئة المحامين بالمغرب

في نظري، يجب على هيئة المحامين بالمغرب أن تمارس نشاطها ابتغاء تحقيق الأهداف التالية:

1/- الدفاع عن مصالح المهنة وعن الحقوق المشروعة المكتسبة للمحامين  والمحافظة على فعالية المهنة وضمان حرية المحامي في أداء رسالته.

2/- دعم استقلال القضاء وحصانته، ومساعدته في تحقيق العدالة وتركيز دعائم دولة الحق والقانون.

3/- تنظيم جهود أعضاء المهنة لتطوير الفكر القانوني في خدمة الحق والعدل  والتقدم والمساهمة في تطوير التشريع وابتغاء تسيير العدالة بغير موانع مادية أوتعقيدات ادارية.

4/- تنشيط البحوث القانونية وتشجيع القائمين بها ورفع المستوى العلمي لأعضاء الهيئة.

5/- تقديم الخدمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأعضاء، وتنظيم معاش الشيخوخة  والعجز والوفاة وتقديم المساعدة عند الحاجة وتوفير الرعاية الصحية بما يكفل للأعضاء وعائلاتهم حياة كريمة.

6/- تأسيس وتنمية صندوق تقاعد للمحامين، يضمن للمحامي راتبا تقاعديا مريحا، ولا يؤثر على حقه هذا كونه يتقاضى راتبا تقاعديا من صندوق الخزينة العامة أومن أية جهة أخرى.

7/- تأسيس وتنمية صندوق تعاوني للمحامين لتعزيز روح التعاون فيما بينهم  وتوطيد الخدمات التعاونية والمهنية والمادية لهم.

8/- توفير العمل المهني للأعضاء وتنظيم التعاون في ممارسة المهنة وتقديم المعونة لغير القادرين من المواطنين.

9/- الدفاع عن حقوق الانسان التي لا تتعارض مع المبادىء الدينية والقواعد الأخلاقية والأعراف الاجتماعية.

10/- نشر الوعي بالحقوق والواجبات، انطلاقا من مبدأ ” لا يعذر أحد بجهله للقانون “.

11/- السهر على تطبيق مبدأ (المعاملة بالمثل في ميدان ممارسة مهنة المحاماة)

-يتبع-

المحامي الأستاذ رضوان بناني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>