آفــات تـربوية


إن الواقف أمام بوابة أي مؤسسة تعليمية إعدادية كانت أم ثانوية ليُصاب بالغثيان والذهول لحجم ما يراه من إباحية وسلوكات مستهترة، وميوعة لتلاميذ وتلميذات هذه المؤسسات !!

تلميذات في عمر الزهور، في لباس مخجل يتقلبن باستهتار وميوعة شديدة بين أيدي زملائهن من الذكور، وقد يدخل على الخط حتى بعض المتسكعين من خارج هذه المؤسسات.

شباب في عمر الزهور، في أشكال وهيئات مُخلة بالآداب، يمشي بتكسر وتخنث بين المراهقات، حتى لا تكاد تميز الذكر من الأنثى، ويختلط عليك البقر.

في مثل هذه الأجواء المائعة، شعور مسدلة، وأخرى مصبوغة بشتى أنواع الأصباغ، وعلى شكل أعراف الدِّيَكة وأشياء أخرى تعكس مستوى التردي الأخلاقي والسفه السلوكي الذي أصبح وللأسف الشديد يميز العديد من أبنائنا وبناتنا في مؤسسات يفترض أن تكون محاضن  لتلقين الآداب والأخلاق الفاضلة، قبل تلقين المعارف والعلوم، وهذا من ذلك، فلا تلقين سليماً للمعارف والعلوم بدون تهيئة وتربية أخلاقية سليمة.

فمؤسساتنا عرفت منذ القدم وفي جميع بلاد الدنيا بمؤسسات التربية والتعليم، وليس اعتباطا ورود لفظ “التربية” قبل “التعليم”، فلا تعليم سليما ونافعا دون تربية صحيحة على الفضائل والأخلاق، ولله ذر القائل :

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

فإذا قيل هذا عن عامة الناس، فالعويل قد يكون أشد وأَنْكَى إذا تعلق الأمر بمراهقين ومراهقات يفترض فيهم أن يكونوا رجال المستقبل وأطر الأمة وعدتها، والمعول عليهم إنقاذ هذه الأمة من وَهْدَتِها وتخليصها من الأخطار والأطماع المحدقة بها من كل جانب، بغية طمس معالم هويتها وأصالتها.

هذه الأجواء المائعة خارج المؤسسة، هي ذاتها تنتقل إلى داخل الفصول الدراسية، وهكذا تتحول الأجواء العامة داخل الفصول إلى استهتار واستخفاف بالدرس والمدرس والإدارة المدرسيةوالناس أجمعين.

ولذلك يكثر الشغب والفوضى في العديد من الفصول، خصوصا المكتظة منها، فيبقى المدرس وحده بدون حول ولا قوة، أمام جموع من المراهقين والمراهقات، وقد دخلوا فصله في حالة هيجان شهواني وغير شهواني، بسبب أنواع مختلفة من المخدرات والمثيرات التي أصبحت تنتشر بين تلامذتنا بشكل مرعب، إلا من رحم الله!!

قلت؛ يبقى المدرس أمام هذه الفوضى، لا حول له ولا قوة؛ فلا هو قادر على تبليغ ما لديه في ظروف تربوية سليمة، ولا هو قادر على ضبط هذا الهيجان والسُّعار، وقد جُرِّدَ من جميع وسائل الضغط والمقاومة التربوية السليمة.

فلا يحق له أن يخرج المشاغبين من الفصل حتى يريح منهم الأغلبية التي تريد الانضباط والمتابعة، ولا حق له في توبيخهم، وحتى إن كتب تقريرا في حق بعضهم لا  يؤخذ مأخذ الجد في أحيان كثيرة، وقد تتواطؤ الإدارة في بعض الأحيان مع أمثال هؤلاء المشاغبين درءا للمتاعب، وحتى تبقى صورتها أمام الإدارة المركزية سليمة و”يادار ما دخلك شر” وحتى “يْدُوزْ العَامْ زِينْ”، دون مشاكل ولا تقارير ولا مجالس تأديبية ولا هم يحزنون!!.

وفي المقابل، تستفحل مثل هذه الظواهر التربوية وتنتشر انتشار النار في الهشيم، فيتناسل عدد من المشاغبين والمشاغبات مع كل دخول مدرسي جديد.

ويرتفع سقف الاستخفاف والتردي داخل الفصول الدراسية، وتزداد مظاهر الفوضى والتردي، ومعها تظهر سلوكات ومظاهر لا تربوية كثيرة تُساهم فيها أطراف أخرى…

وتقل الجودة والجدية لدى المدرسين، مع تنامي مظاهر الفوضى والتردي والاستخفاف، وانعدام الردع والإجراءات الزجرية، وحماية المدرسين من الاعتداءات المتكررة ضدهم.

وبعد هذا كله يُمطِرونك بترسانة لا أول لها ولا آخر من المذكرات والدوريات التي تتحدث عن ضرورة الرفع من المستوى التربوي وتخليق الحياة المدرسية، وكلام من هذا القبيل.

ولست أدري كيف يكون الرفع من المستوى التربوي وتخليق الحياة المدرسية في ظل فوضى عارمة، واستهتار واستخفاف بالقيم المدرسية، ليس أمام أسوار المؤسسات التعليمية فقط، وإنما حتى داخل فصولها الدراسية.

فما لم تتضافر جميع جهود الفاعلين في الحقل التربوي لوضع حد لهذه الظواهر الخطيرة، إن لم تكن قد أصابت منظومتنا التربوية والأخلاقية والقيمية بما يشبه “السكتة القلبية”، فعلى تربيتنا السلام!!

فإذا أصيب القوم في تعليمهم

فأقم عليهم مأثما وعويلا.

وذلك لأن نتائج هذا التردي، لا تصيب الفاعلين التربويين والتلاميذ فحسب، وإنما تصيب الجميع بدون استثناء، كما ترهن مستقبل الجميع لمزيد من الفوضى والاستخفاف والتخلف والتبعية وأخواتها…

فعلى الجميع أن يقوم بواجبه إزاء هذه المعضلة، ويتقي الله فيما جعله مستخلفا فيه، وألا  يضيع الأمانة فإنها يوم القيامة خزي وندامة، أو فوز وسلامة.

< على الآباء مراقبة أبنائهم وبناتهم وهمذاهبون إلى مدارسهم، في أي لباس وعلى أي هيئة هم خارجون. فهؤلاء الفتيات والفتيان المتكدسون أمام بوابات المدارس في ثياب فاضحة، وفي أشكال وهيئات ماجنة لم يأتونا من المريخ، وإنما خرجوا هكذا أمام أعين آبائهم وذويهم، ولم يجدوا غضاضة في ذلك!!

وهؤلاء الشباب المخنث وقد أرخى سراويله إلى أخمص الخصر، ولوَّن شعره بشتى الألوان والأشكال، فلا شك أن ذويهم يرونهم على هذه الأشكال الممسوخة، ولا يجدون غضاضة في ذلك!!

< على السلطات المحلية ورجال الأمن تنظيم دوريات خاصة لمنع سلوكات تخل بالآداب العامة أمام أبواب مؤسساتنا التعليمية..

< على الوزارة الوصية إعادة النظر في قضية الاختلاط بين الجنسين في المؤسسات التعليمية، وأخذ العبرة من العديد من المؤسسات التعليمية في بلاد الغرب، التي تراجعت بشجاعة عن سياسة الاختلاط في المؤسسات التعليمية، بعدما اكتشف خبراؤها وذوو الرأي فيها ما للاختلاطمن انعكاسات سلبية على مستوى التحصيل والانضباط والسلوك العام داخل المؤسسات التعليمية، وبعدما لاحظوا ظهور وانتشار الحمل المبكر بين الفتيات، ومعه تنامي ظاهرة المخدرات والعنف والفوضى داخل هذه المؤسسات.

< وأخيرا وليس آخرا، على وسائل الإعلام عندنا أن تراعي مدى خطورة ما تنشر أو تقدم على سلوكيات ووجدان مراهقينا وشبابنا، بدل الجري المحموم وراء الإثارة الرخيصة لرفع حجم المبيعات في الأسواق.

فالإعلام أمانة، بل ومن أعظم الأمانات وأخطرها لأنها تساهم وبشكل كبير في صياغة الأفراد فكريا وسلوكيا ووجدانيا.

فليتق أصحاب الإعلام الله فيما يقدمون وما يكتبون، وأن يوظفوا أقلامهم ووسائلهم الإعلامية الأخرى لنشر الفضيلة والفكر الإيجابي، بدل تسخيرها في الهدم الأخلاقي ونشر الرذيلة.

وما تنشره بعض الصحف الرخيصة، أو صحف الرصيف من إثارة جنسية وقصص مائعة مختلفة وأراجيف ومن تهَجَّم  سافر على مقدساتنا الدينية، لدليل على ما أقول، وما أكثر الدلائل بحيث لا يتسع المجال لذكرها، إذ أن الرقعة قد اتسعت على الراقع في هذا المجال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ذ.عبد القادر لوكيلي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>