مع سيرة المصطفىﷺ شروط الاصطفاء (3)


ج- الانخراط في التيارات السياسية  المعادية للدين:

العمل داخل هذه الساحة يُقَسِّي القلوب، ويملؤها حقداً وكراهية للإسلام والمسلمين إذ {كُلُّ حِزْبٍ بمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون}-سورة الروم- ذلك أن التيارات السياسية تملك وسائل القوة والإعلام، ووسائل الإغراء والإرهاب، ووسائل التشويه للحق، والتلميع للباطل، وهذا كله يصبغ الفطرة بصبغة العناد للحق، والانسياق وراء ما امتلأت به النفس من أطاريح سياسية وربما كان من حكمة الله البالغة في بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بمكة أن أهل مكة من القرشيين وغيرهم لم يكونوا يحملون مذهبية -ايديولوجية- معينة تعيقهم عن رؤية الحق وسماعه، فلما اشتد عود الدعوة انتقلت إلى يثرب بين ظَهْرَانَيْ المُتَمَذْهِبين من أهل الكتاب، الذين يشهد الوحْيُ والتاريخ أن القابلين منهم للإسلام كان قليلا جدا، رغم أنهم كلهم كانوا يعرفون -كما يعرفون أبناءهم- أن الإسلام حق، وأن محمداً مبعوث بالحق، بل إلى الآن نجد أن الداخلين للاسلام من غير أهل الكتاب هم الكثرة الكاثرة، وأن أكثر الناس  عداوة للإسلام هم من أهل الكتاب، وما ذلك إلا لفساد الفطرة بالبناء المذهبي الأعوج، وكذلك الأمر بالنسبة لكل متمذهب بمذهبية معادية.

د- النفاق والارتزاق :

إن النفاق والارتزاق صفتان متقاربتان لقوم ليست لهم مبادئ إنسانية في الحياة، بل مبدؤهم الأسمى: الانتهازية واغتنام الفرص لاقتناص المال ولو بَبَيْع الضمائر والأعراض والأخلاق، فكل شيء مما غَلا من القيم وسَمَا من العقائد… هو عندهم في المزاد يُبَاع لمن أعطى أكثر. وهاتان الصفتان تظهران إما عند الطمع، أو عند الجزع، فأما عند الطمع، فقد فضحهم الله تعالى بقوله : {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إذا هُمْ يسْخَطُون}-سورة التوبة- {ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا والآخرة}-سورة الحج- وأما عند الفزع فقد قال الله عز وجل  مبيّنا تهرُّبهم  من التضحية والجهاد {وَإِذَا أنْزِلَتْ سورةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْيَيذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ القاَعِدِينَ رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ}-سورة التوبة : 88-. فهؤلاء في نظر الناس من خيار القوم لأنهم من أصحاب الحول والطول، ولكنهم عند الله تعالى من الذين فسدت فطرتهم وعميت بصائرهم وقلوبهم فأصبحوا لا يفقهون شيئا، فكيف يصلحون للنهوض بالدعوة؟ وكيف يحملون الاسلام وإيمانهم به ضعيف أو منعدم؟!.

إن العوامل المسبِّبة لانحرافات الفطرة كثيرة نكتفي بهذا القدر الذي أشرنا اليه، خصوصا وأنه يمثل أمهات الرذائل المتناسلة منه، والمُصْطفِي الخبير بمعادن الرجال، وتكاليف الدعوة، يَعْرف كيف ينْتَقي الدّعاة من بَحْر الكثرة والغثائيةييلمصبوغة بالارتجال، والغوغائية، والجهل، والغفلة والسذاجة، والمالئة الفراغ بالجدل والتشاحن، والتهافُت على الموائد الفكرية الأجنبية إذ مُهمة المصطفي العثور على الرَّواحل التي أشار إليها رسول الله بقوله >إنما النَّاسُ كالإِبِلِ المِائةِ لا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً<-رواه البخاري عن ابن مسعود- ولا راحلة مع فساد اليطية بالانغماس في الفواحش الكبيرة، أو بالعض بالنواجذ على مغانم الحكم والنفاق والعمالة والسياسة، >فَخِيَارُهُمْ في الجَاهِلِيَّة خِيَارُهُمْ في الإسلام إذا فَقِهُوا< كما قال -رواه الإمام مسلم- والخِيَرَةُ تقاس بجودة الخُلُق بالدرجة الأولى، لأن الإسلام تتميم لمكارم الأخلاق الإنسانية .

أ. الفضل الفلواتي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>