قلب الانسان في آيات القرآن


2- قـلـب المؤمن

لقد خص الله المؤمن بقلب له من الصفات الطيبة ما تجعله يحظى برحمة الله وعفوه وكرمه، ومنها :

-  القلب السليم قال تعالى : {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}(الشعراء : 89) وهي صفة للقلب الذي سلم من الشك والشرك وأخلص لله عز وجل، فهو قلب سليم صحيح، ذلك قلب المؤمن لأن قلب كل من الكافر والمنافق مريض، وهو أيضا كما قال العلماء، القلب الخالي عن البدعة المطمئن إلى السنة، سليم من كل آفة خالص من الأوصاف الذميمة.

والقلب السليم هو الذي يعلم أن الله حق وأن الجنة حق وأن الساعة آتية  لا ريب فيها، وهو أيضا قلب رقيق، يقول النبي  : >يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل الطير<. من شدة رقتها ورهافتها وتأثرها بالقرآن، سليمة من كل عيب خلية من كل ذنب. وهي صفة من صفات القلب الرقيق الذي قال تعالى في حامله : {ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله}(الزمر : 23) فالقلب يلين ويرق ويطمئن ويسكن حين يقترب من الخشوع ويصل إليه. قال رسول الله  : >اغتنموا الدعاء عند الرقة فإنها رحمة<، وقال أيضا : >ما اقشعر جلد عبد من خشية الله إلا حرمه الله على النار<.

- المنيب : وهو القلب المقبل على الطاعة لشدة الإخلاص لله عز وجل، ويدخل إجمالا في صفة القلب السليم، قال سبحانه : {من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب}(ق : 33).

- الوجل : وصفه قائلا : {والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون}(المؤمنون : 60)،و {الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم}(الحج : 35) وهي صفة القلوب المخلصة لله تعالى، إذ أن أصحابها يؤتون الإخلاص ويخافون ألا يقبل منهم.

سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله  عن هذه الآية فقالت : أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال : >لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون ألا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات<، بمعنى يتسابقون في الطاعات لينالوا بذلك أعلى الدرجات، وهي حالة العارفين بالله الخائفين الحذرين من سطوته وعقوبته والتعظيم لجلاله.

وعن شهر بن حوشب عن أم الدرداء قالت : >إنما الوَجَلُ في قلب الرجل كاحتراق السعفة، أما تجد إلا قشعريرة؟ قلت : بلى، قالت : فادع، فإن الدعاء عند ذلك مستجاب<، وقال أحدهم : “إذا اقشعر جلدي، ووجل قلبي، وفاضت عيناي، فذلك حين يستجاب لي”.

- المخبت : {وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربهم فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم}(الحـج : 54) وهي صفة المؤمنين الذين تخشع قلوبهم وتسكن وتخلص لأنهم أنابوا وأطاعوا بإخلاص.

والإخبات هو الخشوع والاطمئنان للمخافة الثابتة في القلب، لأن النفس الحية وطنها ومعدن حياتها في القلب ويستدل على ذلك بقوله : {لينذر من كان حيا}(يس : 60).

- الخاشع : {ألم يان للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله}(الحديد : 60) والخشوع هو ما يظهر على النفس من سكون وخشوع عبر الجوارح، وهو في القلب، حيث يرى الله عز وجل أثر الذل والخشوع على عبده، ولا يكون المؤمن خاشعا حتى تخشع كل شعرة على جسده وهو ما يوصف بالخشوع المحمود لأن الخوف إذا سكن القلب أوجب خشوع الظاهر فيظهر التذلل على صاحبه وهو ما يؤكده تعالى في قوله : {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}(البقرة : 45).

ومحل الخشوع هو القلب، فإذا خشع خشعت الجوارح كلها لأنه مَلِكُها، وقد قال رسول الله  في رجل رآه يعبث بلحيته في الصلاة : >لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه<، ونضرب المثل بقلب ابراهيم \، الذي كان خاشعا طائعا مقبلا على الله عز وجل وكان إذا قام يصلي تسمع خفقان واضطراب قلبه دليل مخافته لله سبحانه وتضرعا إليه.

- التقي : جعل الله القلوب المؤمنة مخلصة تقية فقال فيها : {أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى}(الحجرات : 3) فقد اختصها وطهرها وجعل فيها الخوف من الله تعالى لأنها وسعت وانشرحت للتقوى. قال رسول الله  : >إن الله لا ينظر إلى أنسابكم ولا إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم، فمن كان له قلب صالح تحنن الله عليه وإنما أنتم بنو آدم وأحبكم إليه أتقاكم<.

والقلب التقي هو قلب خائف من ربه تائب إليه وهو الذي نزع الله عنه حب الشهوات وقد خاطب المؤمنين المخلصين بأن حبب إليهم الإيمان وحسنه بتوفيقه وزينه في قلوبهم بالتصديق فقال : {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان}(المجادلة : 22). وخص القلب بالذكر لأنه موضع الإيمان، ولذلك وصف القلب النقي بأنه القلب الذي كتب عليه وخلق فيه الإيمان واليقين ليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وأنه يهدى قلب المؤمن لنيل الثواب في الجنة.

- المطمئن : قوله تعالى : {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب}(الرعد : 28) هذا الوصف يشمل المؤمنين خاصة، الذين تسكن قلوبهم وتستأنس بتوحيد الله فتطمئن على الدوام وذلك بذكر الله بألسنتهم وذكر فضله ونعمه ظاهرة وباطنة، كما توجل بذكر عدله وانتقامه وقضائه.

والذاكرون لله يتأملون آياته في الكون وفي أنفسهم فيعرفون كمال قدرته عن بصيرة، وتطمئن قلوب المؤمنين أيضا بطاعة الله وثوابه وعدله فتشعر بالسكينة والطمأنينة لأنها قلوب رحيمة خاشعة لله وصادقة كما قال سبحانه : {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}، لذلك كان الثبات والرضا وتسليم الأمر لله من صفات قلوب هؤلاء.

ومنهم أيضا الذين ربط الله على قلوبهم مثل قلب أم موسى وقلوب أهل الكهف الذين قاموا وهم ما يزالون على دين الحق، وفي ذلك إشارة إلى ربط الإيمان في قلوبهم والعصمة من العودة إلى الشرك والكفر تعبيرا عن شدة عزم وقوة صبر. وتلك لعمري، صفة من صفات المؤمنين الحقيقية.

السبيل إلى نقاء القلب

ويتساءل المرءكيف السبيل إلى نقاء القلب وخلوه من الفتور والجفاء بسبب البعد عن الله عز وجل، والارتقاء به إلى درجة القلب السليم الذي يدخل إليه النور فيوفق الله صاحبه إلى كل خير؟

يقول تعالى : {اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها}(الحديد : 17) وهي بشرى للمؤمنين بعدم اليأس والقنوط، ذلك أن إحياء الأرض بعد موتها دليل على قدرة الله عز وجل أن يحيي الإيمان في القلوب فتلين بعد قسوتها ليميز بين الخاشع قلبه وبين القاسي قلبه. قال رسول الله  : >جددوا إيمانكم فإن الإيمان يبلى كما يبلى الثوب، فقالوا : ما نقول يا رسول الله؟ قال : قولوا لا إله إلا الله<.

يعلمنا النبي  من خلال هذ الحديث أن الذكر هو المفتاح لعودة الإيمان إلى القلب وبداية الطريق نحو علاج القلوب من سقمها لتشفى، وصدق الحق سبحانه حين قال : {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.

إن الله يحب أن يرى على عبده علامات الانكسار والذل بين يديهلأنه تبارك وتعالى قريب من المنكسر إليه، الذي إذا خشع أخرج قلبه ووضعه بين يدي ربه، وقدكان قلب النبي يعيش مع الإسلام ويتحرك بالذكر مع كل موقف من مواقف اليوم، وكان ذلك الشعور الإيماني الصحيح يجعله أكثر قلب في الوجود يحس بعظمة الله.

ومن فضائل الذكر وأسراره العجيبة، تلك التي تكمن في مدى تأثيره على القلب، خاصة إذا تحرك هذا الأخير في الاتجاه الأمثل والصحيح كما يحب الله ويرضى، فيكون تعبير اللسان مطابقا لإحساس وشعور القلب.

لاشك أن أذكار الصباح والمساء وذكر الله في السراء والضراء وتسبيحه عبر الباقيات الصالحات دُبُر كل صلاة وعند رؤية الظواهر الكونية، كما عند كل موقف وكل خطوة تشمل كل معاني الإسلام، تقليدا للنبي ، واتباعا له والوصول إلى الإحساس بمثل الذي كان يحس ويشعر به قلبه الشريف عند ذكر الله وتقدير جلاله، لاشك أن ذلك هو الدواء الشافي والحصانة الثابتة للقلب من المعصية.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>