قضايا اجتماعية : النفس البشرية بين رقابة الضمير ورقابة الشرع


لقد أكدت التجارب أن تقوى الله تعالى توقظ القلوب الغافلة من سباتها، وتطلق الأرواح الحبيسة من عقالها. ولقد كرمنا الله بأن ارتضى لنا الاسلام دينا، فأحيى به الضمائر التي تقيم من الانسان على نفسه حارسا أمينا يحاسبها ويعاتبها ويراقبها.

عن وابصة بن معبد، قال : أتيت رسول الله  فقال : جئت تسأل عن البر؟ قلت : نعم، قال : >اسْتَفْتِ قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك<( رواه أحمد).

وعن النواس بن سمعان عن النبي  قال : >البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس<(مسلم).

هذا هو (الضمير) الذي يتحاكم إليه المرء فيذعن لحكمه طائعا راضيا، يوضحه لنا رسول الله ، ويبين لنا أن اطمئنان القلب واطمئنان النفس تفسير صريح لمعنى البر، وأن الإثم لا ترتاح إليه النفس، وتكره أن يطلع عليه الناس، ولن يتمادى في ارتكابه إلا شقي تافه.

ومن يتبصر في آيات الله البينات يرى أن القرآن الكريم يوضح لنا الصراط السوي الذي لو سلكه المؤمن لن يكون إلا فاضلا كريما، لا تستعبده الأهواء، ولا تستهويه الشهوات والانحرافات، بل يتجه مجتهدا إلى مرضاة الله تعالى.

عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي. قال : جاء رجل إلى النبي ، فقال : يا رسول الله، دُلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس. فقال : >ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس<(ابن ماجة).

والاسلام الذي حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، حرم الرياء والكبرياء والبغي والاستعلاء، وبين لنا أن المن والأذى يبطل الصدقات، وأن الصلاة يُمحى ثوابها إن كانت رئاء الناس. قال تعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}(البقرة : 263).

وقال تعالى :{وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا}(النساء : 141).

قال علي  ] : >للمرائي علامات : يكسل في العمل إذا كان وحده، وينشط إذا كان في الناس، ويزيد في العمل إذا أثني عليه، وينقص إذا ذم< وإتقان العمل أمانة في عنق كل عامل مؤمن، والله تعالى أمرنا بأن نؤدي العمل بإخلاص، ليتحقق بذلك العدل ويستقيم الأمر، وتقوى روح التعاون بالمشاركة الجادة في تحمل المسؤولية المفروضة على كل ذي ضمير حي أمين. إن الإيمان بالله هو السراج المنير الذي يضيء طريق الحياة للمسلم، وأن التقوى هي خير زاد ليوم المعاد. قال تعالى : {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتَّقُونِ يا أولي الألباب}(البقرة : 196).

ولكن الذين لا يراقبون ربهم في أعمالهم، ويلتهمون الحرام، ويأكلون السحت، ثم يتظاهرون بالتعفف الزائف، ويخادعون بالملق الناعم، يستميلون به الرؤساء للوصول إلى ما في أنفسهم من غرض، لا يستقيم لهم أمر، ولا يصلح لهم بال ولا حال، إلا بما تسول لهم أنفسهم، ثم هم يجمعون المال من حرام لتنمية ثرواتهم بالهدايا وهي الرشوة المقنعة. قال  لكعب بن عُجرة “يا كعب إنه لا يربو لحم نبت من سحت، إلا كانت النار أولى به” الترمذي.

والسحت هو المال الحرام، وسمي سحتا لأنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها. وقيل : سمي الحرام سحتا لأنه يسحت مروءة الانسان.  يذهبها ويستأصلها. وقيل : سمي الحرام سحتا لأنه يسحت مروءة الانسان.

إن الإيمان الحق تظهر آثاره في استقامة الأعمال، والاستقامة تصون الأخلاق، وتحمي الأرزاق، وتنير الطريق لمرضاة الله عز وجل.

قال تعالى : {أفمن يمشي مكبا على وجههه أهدى   أمَّن يمشي سويا على صراط مستقيم}(الملك : 22).

وقال بعض العارفين : “الاستقامة توبة بلا إصرار، وعمل بلا فتور، وإخلاص بلا الْتِفَات، ويقين بلا تردد، وتفويض بلا تدبير”.

إن الوازع الديني (الضمير) لا بد منه وهو ضروري لتهذيب الغرائز، وتعديل الطباع، وتأديب النفوس، وتطهير السلوك من الرذائل وتنمية الفضائل. لو عمت رقابة الضمير مجتمعنا، لما وجدنا بيننا من يُزوِّر أو يرتشي أو يسرق أو يعبث بتعاليم ديننا الحنيف، وبكرامة الوطن. لو بسط الضمير رقابته بيننا لما انحرفت أقلام،ولكانت  وسائل الاعلام فينا معبرة عن مشاعرنا وهُويتنا, إننا في حاجة إلى تكوين الضمير الحي، وإلى تثبيت شعور الخوف من الله تعالى لدى الفرد والجماعة عن طريق التربية الاسلامية.

إن التربية الاسلامية العملية، تحقق العدل والمساواة، وتوجه المسلم للصدق في القول، والإخلاص في العمل، والوفاء بالأمانات والاتصاف بجميل الخصال ومراقبة الضمير، والعمل على إصلاح النفس وتزكيتها من داخلها. قال تعالى : {فبشر عبادي الذين يستعمون القول فيتبعون أحسنه. أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أ ولو الألباب}(الزمر : 16- 17).

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>