وقع الكارثة على الأمة، وتباين التفاعلات بين الاستسلام و المقاومة


عندما نتحدث عن الكارثة، قد نكون مقصرين وغير منصفين في اختيار العبارة، لأنها قد لا تفي بكل المعاني و التصورات التي تتبادر إلى الذهن عند ذكر هذه الكلمة وما حل بالأمة من تقهقر، و تشتت، وتخلف، وهزيمة عسكرية واقتصادية وحضارية جعلت أمة العرب و المسلمين في مؤخرة الأمم، لا  رأي لها يسمع، ولا شأن لها يذكر، ولا حساب لها يؤخذ، فاغتصبت الأراضي، و دُنست المقدًسات، واستبيحت الحرمات، واحتلت البلاد يوم ظن الناس أن عهد الاحتلال قد ولى إلى غير رجعة.

قُتل الناس تقتيلا، أطفالا وشيوخا، نساء ورجالا، ولم تنج حتى الحيوانات والأشجار من بطش العابثين، وظلم وقسوة المفسدين، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم بأسره ومن أدعياء الحرية والتقدم والديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان.

استنجد الناس فلا منجد، استغاثوا فلا مغيث، حاولواالإفلات فأحيط بهم من كل مكان، قيل لهم : هذا قدركم  المحتوم، وحظكم المشئوم، و حقكم المهضوم، ورزقكم المعلوم، وإياكم ثم إياكم البكاء أو الحسرة، فذلك في جنسكم وشعبكم شيء مذموم وعلى كثير من قادتكم وساسة الدنيا شيء غير مفهوم.

تاه الناس و تعبوا، تعبوا حتى غضبوا، ومن كثرة الحيرة والسؤال والتفكير في سبب البلوى ومستقبل المصير تفرقت مشاربهم ومذاهبهم وأفكارهم و مشاريعهم وخططهم فوجدنا منهم :

< 1- اليائس القانط الذي استولى اليأس على نفسه حتى أصبح الظلام يخيم على فكره وعقله، فلا يرى لهذا  الوضع من مخرج ولا لخروج من سبيل فاستسلم لما هو قائم وحاصل وطأطأ الرأس ورفع الراية البيضاء وغصن الزيتون، راجيا أن يتفضل المعتدي الغاصب يوما ما بتخفيف وطأته و تغيير سياسته ورفع ظلمه وبطشه.

< 2-  الثائر المقاتل الذي لا يرى سبيلا للإنعتاق و التحرر و الاستقلال التام إلا البندقية رغم الفرق الشاسع في العدة و العدد بين الغزاة المستعمرين وأبناء الشعب والوطن، و ذلك إيمانا بأن أصحاب القضايا العادلة منصورون لا محالة ولو بعد حين، وأن دماء الشهداء إنما هي وقود لآلات التغيير ونبراس يضيء  الطريق نحو العزة والتمكين.

< 3-  المتفرج إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا، لأن الثقل كبير، والعدو شرس ولدود، والعقبة كؤود  ومقاومة هذا العملاق المتوحش المكشر عن أنيابه ضرب من ضروب الحمق، وإلقاء بالنفس إلى التهلكة وخروج عن التعقل والعقلانية والبراكماتية، وبعد هذا وذاك، ألا نعلم أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون…!!

< 4-  المتدبر لسنن الكون والحياة ولحكمة الخالق في خلقه وملكه، فيستعرض تاريخ الأمم والشعوب، وعوامل النصر والهزيمة وقيام الدول وانقراضها فيبحث عن الخلل و مواطن الضعف و الثغور غير المحروسة التي لا يقف عليها أحد والتي نُدخَلُ منها، فلا يُعقل أن يصيبنا ما أصابنا إلا لعيوب في تفكيرنا،  في تخطيطنا، في فهمنا، في إدراكنا، في عملنا، في تسيير شؤون أمتنا وشعوبنا، في أخذنا بأسباب التقدم وأسباب القوة العلمية والاقتصادية والعسكرية خصوصا وأننا أمة، رسالة للبشرية جمعاء، ننشد الخير والفلاح، والنجاة لكل البشر لا فرق بين عريبهم وعجميهم، أبيضهم وأسودهم.

< 5- العامل المثابر الذي لا يمل ولا يكل، لا تثنيه المصائب ولا النوائب على السير في طريق البناء، بناء الأمة من جديد وبعثها لتتبوأ مكانتها الطبيعية في العالم وتقود البشرية إلى بر الأمان، وأن ما حدث ويحدث يجب فهمه في إطار التدافع الطبيعي بين الحضارات والأمم ليُقذف في نهاية المطاف بالغُثاء على الجنبات ووراء الظهور ويبقى ما ينفع الناس ماكثا في الأرض.

إن التفاعل مع ما يحدث للأمة حتما سيضع كل واحد منا في صنف من الصنوف التي سبق ذكرها وفي خانة من الخانات، وعلى مفترق الطرق لنختار السبيل والطريق، وقد ينتقل المرء من صنف لآخر

تدريجيا أو تلقائيا حسب الظروف والهمم فيصعد تارة وينزل أخرى وقد يجمع بين أصناف متعددة في آن واحد.

ويبقى السؤال المطروح الذي يلازم كل واحد منا أين موقعه في قطار تاريخ أمته؟.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>