تيارات هدامة: الصـلـيـبـيـة الحـاقـدة الاسلام يصنع الحــيـــــاة


لقد مرت بنا إشارة إلى القوة المعادية وما تقوم به من كيد للإسلام والمسلمين لا لشيء إلا لحقدهم الدفين حسدا من عند أنفسهم لما رأوا هذا الدين يوائم الفطرة الإنسانية السليمة ورأوا المسلمين  بنوا مجدهم وعظمتهم وعزهم وخلودهم على مبادئه وقيمه وكماله وشموله، وبالأخص لما تيقنوا  انه نظام حكم ومنهج حياة  فكونوا به خير آمة أخرجت للناس بشروطها المطلوبة،  فلم يقصروا في  أدائها وتطبيقها  على الوجه الأكمل  فقاموا بدورهم الرائد لإنقاذ البشرية من ظلمات التيه والظلام إلى نور الحق والإيمان ،فتم  بذلك تحرير البشرية من  عبودية العبيد والأشياء والأهواء إلى عبودية الواحد الأحد قاهر الجبابرة وماحق الفراعنة ، فراعنة الأمس واليوم والغد  وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ويبقى سبحانه فريدا وحيدا ينادي  خلقه أنا الجبار أين الجبابرة الذين كانوا يأكلون خيري ويعبدون غيري،  لمن الملك اليوم ؟ فلم يجبه مخلوق  إذ ذاك  يجيب نفسه بنفسه  فيقول ..لله الواحد القهار.

نعم  بذلك أعطوا  للدنيا حضارة ربانية  عالمية لولاها لبقي العالم  يتخبط في دياجير الظلمات، ظلمات الجهل والغفلة  والتخلف والفوضى والانحلال والانحراف  يقول لين بول  في كتابه : (العرب في إسبانيا) : فكانت أوربا تزخر بالجهل والحرمان  بينما كانت الأندلس  تحمل أمانة العلم وراية الثقافة في العالم.

يؤيد ذلك و يؤازره  غستوف لبون  في كتابه : (حضارة العرب) ويقول : لو لم يظهر العرب  – المسلمون- على مسرح التاريخ  لتأخرت نهضة أوربا عدة قرون  ولا نرى  في التاريخ  أمة ذات  تأثير بالغ كالعرب  فجميع الأمم التي كانت  ذات صلة  بالعرب  تعتنق حضارتهم  ولو ردحا  من  الزمان.

حتى أن ما يطلق عليه بالعصور المظلمة  وعممتها أوربا على العالم   فان الحقيقة تؤكد على أنها كانت خاصة بأوربا أما العالم الإسلامي فكان يعيش  مرحلة ازدهار وتقدم في جميع الميادين يقول:  سيد بلوت في كتابه “تاريخ العرب”( كان المسمون  في القرون  الوسطى  متفردين في  العلم  والفلسفة  والفنون وقد نشروها  أينما حلت أقدامهم وتسربت عنهم إلى أوربا فكانوا سببا في نهضتها وارتقائها).

حقد صليبي

وهكذا نرى  كيف أن الصليبية سلبت منا  كل محاسننا ورمت علينا كل مساوئها  ونحن بحكم  تخلفنا وابتعادنا  عن منهج ربنا نقر لها بكل  ذلك  بالرغم  من  شهادة المنصفين  منهم  كما مر بنا  يقول الشاعر :

شهد الأنام بفضله حتى العدى

والفضل ما شهدت به الأعداء.

نعم هذا هو الإسلام الذي حكم العالم  المعمور إذ ذاك بالعدل والرحمة والألفة والوئام لا فرق بين الناس كل الناس  إلا  بالتقوى والعمل الصالح،  ميزان واحد  أمام رب واحد يحكم الجميع  شرع  رباني  كامل هو فوق الزمان  والمكان والأهواء والظروف والأحوال  ينظر إلى الإنسان نظرة  المساواة  (الناس  سواسية كأسنان المشط) الذكر منهم والأنثى (النساء شقائق الرجال في الأحكام).

كن الصليبية الحاقدة  لما رأت  للإسلام  هذه  الحظوة  السامية وهذا التشريع الرباني  الكامل  عز عليها  أن تخضع  للحق أو تقف منه موقف الحياد بل ناصبته العداء  وأشعلتها حربا ضارية  لعلها تقضي عليه   يقول لورانس براون …(منبها قوى الشر إلى خطورة الإسلام على  هرطقتهم .. إن الخطر الحقيقي كامن في نظام  الإسلام وفي قدرته  على التوسع  والإخضاع وفي حيويته،  انه الجدار الوحيد  في وجه الاستعمار الغربي.

نعم  بهذا الحقد الأسود  انطلقت قوى الشر مصممة على حرب الإسلام والمسلمين  يقول تشر شل  بعد سقوط  القدس  في يد اليهود  سنة  1967 على عهد  رواد القومية  العربية  والاشتراكية الثورية  : (لقد كان  إخراج القدس من سيطرة  الإسلام حلم اليهود والمسيحيين على السواء وإن سرور المسيحيين لا يقل عن سرور اليهود. إن القدس  قد خرجت من أيدي المسلمين  وقد اصدر الكنيست اليهودي ثلاثة قرارات بضمها  إلى القدس اليهودية  ولن تعود إلى المسلمين  في أية مفاوضة بين  المسلمين واليهود) . وصدق الله العظيم  إذ يقول : {ولن ترضى عنك اليهود  ولا النصارى  حتى تتبع ملتهم}(البقرة).

إذا فالعداء واحد والعدو واحد ولا سيما أن  الصليبية التي حاربت الإسلام بكل قوة وبجميع الوسائل  ولقرون عدة محاولة القضاء عليه، لكن كل محاولتها باءت بالفشل انطلاقا من معركة مؤتة  إلى معركة حطين  بالرغم من التفاوت الهائل بين الفريقين  في العدد والعدة  الشيء الذي جعلها تقف وقفة تأمل ومراجعة  مستعينة  بدهاقنتها  في البحث عن سر  هذه القوة الجبارة  وبعد التفكر والتدبر والتآمر علموا أن هذه الأمة  لا تقهر  إلا بالقضاء على عناصر  قوتها  المتمثلة في :

1- القضاء على الخلافة الإسلامية التي  تعد بمثابة الرأس من الجسد  توحد  صفها وتجمع شتاتها  وتجعلها كالجسد الواحد.

2- القضاء  على القرآن الكريم الذي يعصم الأمة من الخطأ والزلل  والانحراف ويحافظ على هويتها  وقوة شخصيتها ويبعث  فيها روح  العزة والكرامة ويحثها على العلم والعمل والصدق والصبر والإخلاص  والجهد والمجاهدة  .

3- القضاء على الكعبة  التي تعد  قبلة المسلمين  تهفوا إليها القلوب وتحن إليها الأرواح  وتجمعهم  سنويا في مؤتمر  رباني عالمي  يتدارسون أوضاعهم   ويوطدون  روابط المحبة فيما بينهم ….الخ

نعم بالقضاء على هذه  العناصر يمكن للقوة  المعادية بأن  تفعل فعلها -وقد فعلت- في  هذه الأمة ما أفسدت عليها حياتها وأبناءها وبناتها وسياستها واقتصادها ودينها وقيمها وأخلاقهاوكل ما ينفع   ويفيد فيها واستبدال كل ذلك بإيديولوجية  مهترئة  رعناء  جمعت بين الغطرسة والكذب  والخيانة  والغدر والظلم والاستبداد والاستعباد  والمجون والفجور  والأنانية والاستكبار.

و اعتمدت من أجل تحقيق ذلك على عنصرين أساسيين هما:

1- عنصر القوة المتمثل في الاستعمار العسكري الخالي من كل شفقة أو رحمة شعاره -البقاء للأقوى -.

2- قوة الفكر المتمثل في التنصير والاستشراق  و من لف لفهم و سار على منوالهم من الخونة والدجالين و المخادعين الماكرين

نعم لقد تضافرت جهود كل هذه العناصر بالتخطيط و التكوين و المناورات و المؤامرات المدعمة بقوة السلاح و التسلط و السيطرة على غزو بلاد الإسلام قصد إخراج المسلم من دينه و أرضه وقيمه وبالتالي إخراج الإسلام من كل مرافق الحياة و استبداله بمفاهيم بشرية منبعثة من هوى النفس ونزغات الشيطان  مبنية على الشهوات و الشبهات والعنصرية وحب الذات، والواقع يشهد، والعالم يرى ويسمع ما يقع في بلاد المسلمين من حروب طاحنة معتدية فاجرة كفلسطين المغتصبة وأفغانستان الجريحة و العراق المحتلة المدمرة المخربة و غيرها من بلاد الإسلام كالشيشان و كشمير وباكستان والسودان والصومال …الخ

تلك المفاهيم التي لا غاية لها إلا إبعاد المسلم عن دينه و قيمه و أخلاقه ومقومات شخصيته ليسهل الاستيلاء عليه وتمكين الاستعمار الشرقي و الغربي من أرضه وبلده و استذلال أهله واستغلال أرضه حتى لا يفكر في التقدم أو الوحدة  أو يرفع رأسه في يوم ما أمام غطرسة أبناء القردة والخنازير أو ينفلت من براثين أخطبوط ذاك الثالوث الإجرامي المسلط على هذه الأمة المنكوبة.

دور التبشير و الاستشراق

لقد كونت الصليبية طلائع الغزو الاستعماري و بثتهم في أرض المسلمين شرقا وغربا شمالا و جنوبا لتعبيد الطريق أمام الزحف الاستعماري الغاشم و ذلك بغزو القلوب والأفكار و هدم القيم والأخلاق قبل غزو الأرض و البلاد يقول المنصر زويمر : إن للتبشير بالنسبة للحضارة الغربية-المدنية- مزيتين مزية هدم ومزية بناء.

أما  الهدم فنعني به انتزاع المسلم من دينه و لو بدفعه إلى الإلحاد أي إلى الشيوعية التي هي  بنت الصليبية والصهيونية.

أما البناء فنعني به تنصير المسلم -إن أمكن- ليقف مع الحضارة الغربية ضد قومه.

وهذا هو واقعنا  المزري  إذ الاستعمار غرس روحه في أبنائه و سلم لهم تركته فتفوقوا عليه في الكيد و الحقد و الخداع والنفاق و المؤامرة حتى وإن لم يتمسحوا ظاهريا فإنهم رضعوا لبن الحقد على الإسلام و المسلمين في تكوينهم ودراستهم و توجوا كل ذلك بتزوجهم من أجنبيات مسيحيات يهوديات مدربات على الجاسوسية و الكيد والحقد على الإسلام والمسلمين و مما يزيد الطين بلة أنهن يقمن بتربية أبنائهن تربية غربية محضة إذ أغلب المسؤولين في العالم الإسلامي -إلا من أخذ الله بيده- متزوجون بأجنبيات تظهر بصمات إفسادهن في المرافق التي يزاولون العمل فيها وفي الجيل الذيينتسب إلى هذه الأمة ظلما و زورا.

و لنستمع إلى الموجه(زويمر) الذي يوجه الجمعيات التنصيرية المبثوثة في العالم الإسلامي و التي تفوق مائة وخمسين جمعية في المؤتمر الذي أ قيم بجبل الزيتون بالقدس سنة 1935م حيث يقول مخاطبا إياهم : إن مهمة التبشير الذي ندبتكم دول المسيح للقيام بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية فإن هذا هداية لهم -هداية إلى الجحيم- و تكريم إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله و بالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في تقدمها و رقيها .

و بذلك تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح -الغزو- الاستعماري في الممالك الإسلامية ولقد هيأتم جميع العقول لتقبل السير في الطريق الذي سعيتم إليه ألا و هو إخراج المسلم من الإسلام(جذور البلاء ص :215).

مما مر نرى أن مخططات التنصير المواكبة لتوجيهات الاستعمار الغربي تعمل جاهدة من اجل  تحطيم العقائد والقيم والأخلاق ولا سيما الأخلاق الإسلامية التي تحول الإسلام إلى إيمان وتحول الإيمان الى  سلوك والتزام  الشيء الذي جعل العدو المتربص يسعى إلى إذابة الشخصية الإسلامية  وتغيير ما بنفس المسلم  من مثل وأخلاق  ربانية  تنظيمية وحضارية تغييرا يسلم المسلم إلى التنكر لدينه ولمنهج ربه وقطع الصلة به وما الشكوك والشبهات المتداولة ضد الإسلام والمسلمين في الأمس واليوم والغد والتي يستغلها التغريب والمتغربون  إلا نتائج ما صنعه التنصير والاستشراق  في هجمته الشرسة على العالم الإسلامي  إذ بعَثَتْ  الدول الاستعمارية سنة 78 18 بعثات تنصيرية إلى إفريقياوقسموا مناطقها بين المنصرين الإنجليز  والألمان والفرنسيين والبرتغاليين….الخ ونشروا إرسالياتهم  في كل مكان وخصصوا للمغرب  وشمال إفريقيا  جمعية  خاصة  أطلقوا جمعية تبشير شمال إفريقيا  و هيأوا لهاأطرا كفأة  لعلمهم  أن الأرض الإسلامية تستعصي على التنصير وتحتاج إلى كفاءة عالية  ودهاء خاص وغالبا ما كانوا  يأتون -ولا يزالون- في  صور المساعدين  الاجتماعيين والأطباء والمدرسين كما يقع  اختيارهم على المناطق   التي يعم  فيها الجهل والأمية وتنتشر  فيها الثقافة المحدودة والوعي المحدود .

نعم هكذا انتشروا في جميع أنحاء العالم الإسلامي و رسموا له خطة جهنمية محكمة و اعتمدوا استراتيجية خبيثة منها:

1- محاولة إقناع المسلمين بأن النصارى ليسو بأعداء للمسلمين و لم يأتوا إلى بلادهم إلا بقصد إصلاح البلاد و إعمار الأرض و إسعاد العباد بالرغم مما يقومون به من قتل و ذبح و تخريب و تدمير وتعذيب و نهب لخيرات البلاد لكنهم يوهمون الناس بالإصلاح المستقبلي ويقولون يجب أن تغضوا الطرف عن مساوئنا و اهتموا فقط بمحاسننا -و هل للاستعمار الحاقد محاسن- ؟ و الخير قــادم.

2- العمل على نشرما يسمى بالكتاب المقدس بلغة المسلمين و على الأخص باللهجات العامية التي تقرب التنصير من كل مسلم مهما كانت محدودية ثقافته ودرجة وعيه و كلما كانت الثقافة هزيلة كلما كان الصيد ثميناو الاستجابة فورية.

3- هناك توصيات متبادلة بين المنصرين بعدم اليأس إذا رأوا النتائج ضعيفة في العالم الإسلامي يكفيهم من تنصيرهم تنمية الميل القلبي إلى علوم الغرب و مدنية الغرب ومفاهيم الغرب وتفسخ الغرب و مجون و فجور الغرب لذلك رسموا خططا جهنمية لتحقيق المراد فكونوا جمعيات مدنية مشبعة بأفكار التنصير و الاستشراق و الاستعمار و بعثوا بعثات إلى الخارج من أجل تكوين جيل ممسوخ – إلا من رحم الله-  فغسلوا مخه ولم يتركوا له من وطنيته إلا شهادة الازدياد أما الدم و اللحم و العقل والروح و الولاء فإنه مطبوع بطابع يفوق الأسياد في الحقد على الأمة و الدين البعثات إلى الخارج.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>