من أوراق شاهدة: أوروبا الحبلى بجنين الإسلام (2 / 3)


صدفة قاسية تلك التي جعلتني ذات صباح أتوقف عند محطة “ستار أكاديمي”، وألج إلى وكر الشيطان في عشه المؤثث بآخر طراز من التجهيزات لاقتناص المغفلين بلوحات متعة بهائمية  ظاهرها الحرية وباطنها الإفلاس المريع لقطبي المجتمع : الرجل والمرأة

وبالإيجاز المفيد رأيت فيما يرى اليقظان، مجموعة من الفتيات الغربيات يتجولن شبه عاريات بلباس أقرب للباس البحر، داخل بيت شاسع جدِّ مبهر ديكورا وأثاثـا، ومعهن شبان من نفس العينة يدردشون أحيانا وينـغمرون في حميميات لا تصلح إلا لبيت الزوجية أحيانا أخرى، وهم مجرد كومبارس، ولا رابطة تمنحهم الحق في هذا الانفلات العلني.. ومساءا عدت إلى نفس المحطة لأتفقد أحوال أهل يأجوج ومأجوج ، لعل يكون أدركهم الرشد فكانت الصور واللقطات أغرب في التفحش والبذاءة.. صبايا يرقصن على أنغام هجينة لا هي بالشرقية ولا بالغربية وهن بلباس عوالم الأفراح المصرية، وكان رقصهن رفقة ذكور مثخنتين، على إيقاع الرقص البرازيلي الجنسي الخليع.. ووجدتني في حالة ذهول أسارع إلى لـي عنق التلفاز، وأنا أستحضر أمام هذا الإفراط في الجنوح وعواقبه، القولة السديدة للشيخ الجليل “بديع الزمان سعيد النورسي”، (إن الدولة العثمانية حبلى بجنين أوربا وستلد يوما ما أما أوروبا فهي أيضا حبلى بجنين الإسلام وستلد يوما ما).

وغمرتني شجون وشجون وانزاحت أستار المسافات بيني وبين إخواننا من الغربيين الذين في سكرتهم يعمهون، ولاحت في ذهني تلك الكلمات الصعبة الاحتمال على أمثالي من القاعدين والتي قالت فيها امرأة أمريكية أسلمت والتحقت بجماعة التبليغ لأخوات لها مسلمات موجهة أصبع الاتهام للمسلمين  قائلة: (لقد اخترعنا مشروبا ليس خيرا كله وهو الكوكاكولا ووصلنا بها إلى أبعد قراكم ودواويركم ووضع الله بين يديكم هذه الأمانة والرسالة العظيمة التي استأمنكم عليها رسول الله  رسالة الإسلام، ففرطتم فيها وتركتموها حبيسة الرفوف بينكم في بيوتكم) وبالنتيجة فقد مات أبي وأمي الأمريكيين  دون أن يجدا من يعرفهما بهذا الدين الرائع !

>>>>>>

وهذه الأيام أعيد قراءة كتاب المعلم دثر الله سبحانه بالنور قبره، الرئيس علي عزت بيجوفيتش “الإسلام بين الشرق والغرب” ووجدتني أسرح تفكيرا في فقرات كثيرة  كهذه التالية :

(.. من المستحيل أن نجد في هذه الحضارة  “الغربية” إذا اعتمدنا عليها وحدها أي قوى يمكن أن تحارب كل هذا البلاء، بل أكثر من هذا  إذا اقتصرنا على سلم القيم السائد في هذه الحضارة فلن تجد قيمة أخلاقية واحدة يمكن أن تسد الطريق أمام غزو الإباحية أو تقاوم انتشار الخمور، ويوجد شعور عام بالقنوط والاستسلام لدى علماء الجريمة الأمريكيين وهم يواجهون الارتفاع المستمر في جرائم الانحراف، وفي الحقيقة هو قنوط العلم في مواجهة الأمراض الاجتماعية التي تتميز بجانب لا أخلاقي واضح). فهل نكون مغرورين ببضاعتنا ونحن نستدعي قولة الشيخ النورسي الإستشرافية لولادة جنين الإسلام بين ظهراني الغربيين وهم على هذا الحال من الشرود

>>>>

ولمزيد من استجلاء معالم هذا الضلال، لنقلب الصفحة ونلج الخانة السياسية الغربية ففيها من الدجل ما يعطي كل المسوغات لهذا الانهيار الأخلاقي بالغرب، ولا شك في ذلك فالناس  على دين ملوكهم. ولن نتوقف أمام أسطوانة الإرهاب والخداع والدمار  الذي رافقها باسم القضاء على الشر وأهله،  والتي ولدت شرا أكبر إسمه مكافحة الإرهاب، وهو الشـر الذي  يقول عنه رامسفيلد بأن مسلسله طويل ويحتاج سنوات عدة لاستئصاله!!،  والدجل كل الدجل في رهن الدول والشعوب إلى روزنامته والشعب الأمريكي على رأسها، لاستنـزاف الملايير  من ميزانيته في حرب سوريالية قذرة تؤشر على نهاية الأخلاق في صفوف حملة الحرية والديمقراطية للشعوب المستضعفة، دون أن ننسى الطوفان الآخر الذي يراد التغطية على خسائره الباهضة بالنسبة لساكنة الأرض بدون استثناء ويتعلق الأمر بالعولـمـــة ..

وسنكتفي أمام رؤوس الأقلام هاته بالوقوف عند دجل سياسي جديد ويتعلق الأمر بذبح المواطن الأمريكي “نيكولاس بيرج” من طرف أعضاء من القاعدة كما تم الإدعاء.  والذي تناقلت صوره المرعبة البربرية محطات الانترنيت. ففي مقال لمجلة المجتمع في عددها1603 بتاريخ ربيع الآخر 1425 هـ 29/5/ 2004 تم فضح السيناريو الوحشي الذي اعتمدته المخابرات المركزية الأمريكية والقاضي بذبح المواطن الأمريكي اليهودي نيكولاس بيرج بكل قسوة وإلصاق التهمة بالمسلمين

وبقراءة المقال وكتابات الملاحظين الغربيين حول بلادة هذا العمل الجبان، الذي يرفضه الإسلام جملة وتفصيلا كما يرفض قتل الأبرياء، بل يرفض حتى إرهاب الناس برفع السلاح عليهم وإن كان مزاحا (اللهم إلا إذا تعلق الأمر بالمقاومة كما في العراق وفلسطين والشيشان وأفغانستان).  يتبدى لنا الانهيار الخلقي الذي ينغمس فيه الغرب قمة وقاعدة،  هذا الانهيار الناتج عن سيادة  الفكر المادي المعادي لنورانية الروح وجاذبية الدين المرشدة للسلم والأمان، وبالتالي فلم تكن هناك مندوحة من الانزلاق إلى العمى الأخلاقي المفضي إلى هذا الجنون، كما تتبدى لنا معالم السنن الربانية التي تمهل ولا تهمل وفي سياقها يقول سبحانه {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين}(الأنعام : 43- 45)..

>>>>>>

وإذا كان هذا حال المجتمعات الغربية دون تعميم طبعا، ففي أهلها من المتخلقين والنظيفين ما تخجل أمامه  الكثير من قاماتنا الصغيرة المغرورة] فما هو دورنا الرسالي والحضاري  لتصبح فراسة شيخنا النورسي واقعا لا خيالات عاجزين، كيف نقنعهم ب : مشروع الغرب الكبير] الذي يحمل صياغتنا وتوقيعنا وبالاستناد إلى منهجنا الإسلامي المبشر والرحمة للعالمين لا المنفر ولا الإضطهادي، أسوة  بحملات الكثير من سياسييهم الذين يبشروننا بمشاريعهم الإصلاحية التي ستخرجنا من ظلام الإسلام إلى نور الحداثة ؟!!! وهل نفلح في صياغة مشروع بهذا الحجم الحضاري الكبير وإيصاله إليهم بكل حرية وديمقراطية من منطلق تلاقح الشعوب؟!!  وكيف نكون فدائيي محبة كما جاء في الكلمات البليغة للأستاذ فتح الله كولن بجريدة المحجة في عددها الأخير / 215 /.. كيف نحمل إلى الحيارى منهم هذا البلسم الناجع بلسم الإسلام بكل كياسة وسماحة الإسلام، ونحن المرضى الذين يصدق فينا المثل المغربي (كون الخوخ يداوي كون داوا راسوا).. وهل يسعف الروح الغربية العليلة أبناؤنا من الحراكا المهووسين بفراديس غربية ضجر أصحابها من سرابيتها الباهضة التكلفة ؟؟ ذلك ما سنراه في حلقة قادمة بإذن الله سبحانه.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>