أول الطريق


ما أكثر الدعوات التي تحاول النهوض بهذه الأمة، وتعبيد الطريق أمامها لقيادة البشرية من جديد إلى ما فيه الخير والسلام لها في كل بقعة من بقاع الأرض، وتحاول استرجاع فاعلية الحضارة الإسلامية، واسترداد قيمة المسلم أينما وُجد، تطبيقا لقوله عز وعلا  : {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}(فصلت :33). لكن المتأمل في الآية يجد أن الدعوة إلى الله تفترض  شروطا يجب تحقيقها إذا أردنا للدعوة النجاح والتأثير، من أهمها الشرطين اللذين أبانت عنهما الآية : العمل الصالح  “عمل صالحا” والاعتزاز بالانتماء الديني إلى الإسلام “وقال إنني من المسلمين”، وإلا ذهبت الجهود أدراج الرياح، ولم تجد تربة صالحة للنماء. والعمل لن يحقق شروط الصلاح إلا إذا كان خالصا لوجه الله، وكان سائرا على هدي القرآن الكريم وسنة رسول الله  ولن يحس المسلم بالاعتزاز بالانتماء إلى الإسلام إلا إذا مارس تطبيقاته في حياته باقتناع وإيمان، وعاش في ظل هذه التطبيقات السلام والطمأنينة والأمان والنجاح. وفي زمن العولمة وعصر الاستعلاء عن الحق، وإلصاق مختلف التهم بالإسلام والمسلمين يتساءل المرء عن السبيل للدعوة إلى الله المكلف بها شرعا كل مسلم حسب طاقاته وقدراته، وعن كيفية امتلاك التأثير المطلوب لتغيير النفس والمجتمع تغييرا ينهض بالأمة ويرقى بها ويحقق الإحسان في كل ما يشمل قولها . أعتقد أنه أولا على كل مسلم أن يدرك أنه معني بالحالة التي وصلنا إليها وألا يخلي أحد نفسه من المسؤولية. أي يجب على كل واحد منا أن يحس إحساسا كاملا بالمسؤولية تجاه كل ما يقع لنا، وكل ما نغرق فيه من هزائم مادية ومعنوية. ويبدأ بنفسه وبتغييرها،  فيضع نصب عينيه أنه يجب أن يسير على خطى رسول الله  في سيرته اليومية والدعوية، وتجريدها من زمنيتها المحددة، من أجل استثمارها في عصرنا وما يستجد فيه من متغيرات. وإذا كانت الأحاديث النبوية الصحيحة، ومختلف الكتابات التي ألفت في مجال السيرة النبوية توضح للمسلم كيف كان رسول الله   قرآنا يمشي على الأرض في كل ممارساته الحياتية، وتحثه على الاقتداء به إذا أراد الرفعة والسمو، فإن أي دعوة يجب أن تركز على هذا المجال : مجال جعل القرآن الكريم ممارسة وسلوكا ومواقف، وبتعبير أدق : جعل القرآن منهج حياة، أي يعيش الإنسان المسلم من خلال القرآن وبه.  ولعل كتاب “فقه السيرة” للشيخ الداعية محمد الغزالي -رحمه الله- تلخيص لكيفية السير على خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته والتعلم منه كيف يمكن للقرآن الكريم أن يتحرك من خلال المسلم، فتحت عنوان “إلام ندعو الناس” يقول الشيخ مبينا منهج التدرج والتركيز على أصول الإسلام وكلياته ومقاصده الأساسية سواء في المرحلة المكية أو المرحلة المدنية، وواضعا معالم حية للدعوة إلى الإسلام، سواء دعوة النفس أو المجتمع أو الأمة برمتها  :”وسور القرآن الذي نزل بمكة تبين العقائد والأعمال التي كلف بها عباده وأوصى رسوله أن يتعهد قيامها ونماءها، وأول ذلك :

1- لوحدانية المطلقة، 2- الدار الآخرة، 3- تزكية النفس، 4-حفظ الجماعة المسلمة باعتبارها وحدة متماسكة تقوم على الأخوة والتعاون”، ثم يقول في شأن ترسيخ القواعد والكليات والأصول في المرحلة المدنية:”شغل رسول الله  أول مستقره بالمدينة بوضع الدعائم التي لابد منها لقيام رسالته وتبين معالمها في الشؤون التالية :

1- صلة الأمة بالله، 2-صلة الأمة بعضها ببعضها الآخر، 3- صلة الأمة بالأجانب عنها ممن لا يدينون بدينها”. وربما إذا وعينا كل هذا قد نكون آنذاك قد وضعنا أقدامنا على أول الطريق في سبيل إثبات هويتنا وكرامتنا وصدق انتمائنا.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>