من هدي الإسلام


قال الله تعالى في سورة الحديد: {ألم يان للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون، اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعلمون}

تقديم: القرآن الكريم خطاب للإنس والجن ليؤمن به من يؤمن ويكفر من يكفر للحكمة التي أرادها الله تعالى: {فريق في الجنة وفريق في السعير}، أمّا نحن فنقول: “الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسلربنا بالحق” فاللهم لك الحمد ولك الشكر.

1- سبب النزول:

قيل : إن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ظهر فيهم المراحُ والضحك المتّشحان باللهو والغفلة ليسا من صفات المؤمنين الجادين في تلقي الوحي للعمل به ونشره، فنزلت: {ألم يان…} الآية.

وقيل لما أصاب المسلمون من العيش ما أصابوا بعد الفتوح وكثرة الغنائم  فتروا عن بعض ما كانوا يقومون به من الجد في الدعوة، والزهد في الدنيا، والرغبة فيما عند الله في الأخرى، فنزلت، وقيل غير ذلك.

2- وقفة مختصرة مع بعض ألفاظ الآيتين:

أَلَمْ : الهمزة المستفهَمُ بها هنا هي أمّ الباب في الاستفهام البالغة أدواتُه إحدى عشر أداة، مثل: هَلْ، ومَنْ، وَمَا، ومَتَى… الخ.

والاستفهام في حقيقته طلب الفهم والعلم بشيء مجهول، وبما أن الله عز وجل يعلم كل شيء فالاستفهام لطلب العلم في حقه -سبحانه- مستحيلا. ولذلك كان الاستفهام عِتاباً على البطء في الاستجابة من جهة، وحضّا للمؤمنين على النهوض من جهة أخرى، فالاستفهام هنا مجازيُّ.

الذين آمنوا : الموصوفون بالإيمان إيماناً قد قَعد بهم دون بلوغ المرتبة التي يريدها الله تعالى لهم.

أن تخشع قلوبهم : أن تخضع وتلك عقولهم التي مقرها القلوب الموجودة في الصدور، ونورها في الدماغ.

3- تأملات في المعنى:

  • يعتب الله عز وجل على الذين فترت همتهم الإيمانية عن أداء الواجبات الكاملة أمامَ ما تفضل الله تعالى عليهم به من الاصطفاء لهذا الدين، والتكليف بأداء رسالته قولا وعملا وإنجازاً ودفاعاً عن حوزته، ومراقبة له وحده -عز وجل- في كل التصرفات، خصوصاً وأن هذا الدين هو الحق وحده الذي شرّفكم الله تعالى بالانتماء له وحَمْلِه.
  • هل تنتظرون أن يصيبكم من العذاب والنكال واللعنة مثلَ الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، حيث حُمِّلوا الأمانة فنكصوا عنْها، فحقت عليهم كلمة الله تعالى بالطرد من شرف الشهادة على الناس. إلا أن يتُوبوا فيلحقوا بركبكم، وينضووا تحت رسالتكم.
  • باب التوبة والإنابة مفتوح في وجوهكم للنهوض من جديد، كما هو مفتوح في وجه أهل الكتاب ليدخلوا في منهاج الحق الذي نزل إليكم. ألا ترَوْن أن الله يحيي الأرض بعد موتها، فكذلك القلوب القاسية تحيى بالأوبة الصادقة لله تعالى.

4- بعض ما يستنتج من الآيتين العظيمتين:

  • أن الضعف من طبيعة الإنسان ولذلك كان تدارك الإنسان المؤمن بالموعظة الحسنة علاجاً نافعاً وواقيا.
  • الموعظة الحسنة المنهضة والمبصِّرة لا تؤتدي دورها الكامل إلا إذا صدرت من علماء ربانيّين.
  • عظمة الله عزوجل تتجلى في عظمة رحمته المُشرعة الأبواب في كل وقت وحين للفاترين والغافلين والمقصرين {ومَنْ يَقْنَطُ من رحْمةِ رَبِّك إلا الضَّالُّون} (سورة الحجر)
  • رسالة الحق التي أنزلها الله عز وجل للمؤمنين من هذه الأمة ليست دعوة تدعى، ولكنها رسالة أقام الله عز وجل عليها الآيات والبينات والدلائل حتى لا يعبث أهل الباطل -من أية ملة- بعقول أهل الحق.
  • إن ما نرى عليه المسلمين اليوم من الضعف والهوان هو نتيجة طبيعية لقسوة القلوب الناكصة عن ذكر الله تعالى وخشيته بسبب الركون للدنيا وأهلها من أهل الكتاب وغيرهم {ولا تَرْكَنُوا إلى الذِينَ ظَلَمُوا فتَمَسَّكُم النّار ومَا لَكُم من دُونِ اللَّهِ من أَوْلِيَاء ثُمَّ لا تُنْصَرُون} (سورة هود).

لقد سمع هذه الآية الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى فقال: بلى، والله قد آن. فتاب وترك تعلق قلبه بجارية له، وقال: قد تُبتُ إليك، وجعلتُ توبتي جوار بيتك الحرام.

أما عبد الله بن المبارك فقال عندما سمعها : بلى والله، وكسرتُ العود، وتركت العواذل، وانخرط -رحمه الله تعالى- في سلك المجاهدين الفاتحين للقلوب والبلدان.

فهل يقرأها المؤمنون من جديد ويقولون: بلى والله قد آن الأوان للرجوع الصادق والدعوة الرشيدةالحكيمة؟؟!

العلامة محمد بونو

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>