هل الـمفيد… مفيد؟


في أفق انتظار تحرير الكتاب المدرسي، هل علينا مع مطلع هذه السنة الدراسية الكتاب المقرر للسنة الأولى إعدادي، المفيد في اللغة العربية، وهو الكتاب اليتيم في السوق والذي كان من المنتظر أن تنافسه كتب أخرى، تَدَعُ للمهتمين بالشأن التربوي مجال الاختيار فسيحا خاصة وقد أشيع خبر المصادقة على كتابين في اللغة العربية.

يظهر الكتاب المدرسي ليكذب الإشاعة ونستبشر خيرا بتناسب حجمه وتناسق أجزائه وجداوله وتناغم ألوانه، والحقيقة، أن المؤلفين ومعهم دار النشر لم يذخروا وسعا في إخراجه في حلةزاهية تروق العين، وتَجُبُّ عقودا حجرية عرفتها أشكال الكتب المدرسية المقررة في اللغة العربية.

- وحدات الكتاب ثابتة ومجالاته معلومة للمتعلمين والمدرسين بين سنوات الإعدادي الثلاث (التلوث، الاقتصاد، الإنسان..) وهي من شأنها -مع التقادم- أن تغدو موضوعا بدهيا، هذه البدهية قد تضرب قيمة مهارة التعلم القبلي في الصميم وكذا قدرة المتعلم على الإبداع الذاتي.

- الصور الحية (حجمها 15/20) في الغالب، معظمها لا جِدَّةَ فيه استغرقت 10% من الكتاب بدءا بصورة الكعبة المشرفة ومرورا بصورة فتاة يافعة محجبة وانتهاء بلوحتين راقصتين لنساء ورجال أحواش، كل هذا نم عن توجه جديد غير واضح نأمل أ ن يكون صحيا..

وإذا كان هذا المقال لا يفي باستعراض التفاصيل فإنني أكتفي بإدراج الملاحظات التالية:

- بالنسبة للدرس اللغوي لوحظ وجود دروس مركبة خلال الحصة الواحدة، يصعب استيعابها في ذلك الظرف الوجيز، وهذا أمر لن يدرك خطورته إلا الأستاذ العامل في هذا الصف، ونموذج ذلك الجمع بين درس الميزان الصرفي وبين درس المجرد المزيد (ص13). وكل هذا لا يتناسب مع اكتظاظ الصفوف والضعف العام في مستوى المتعلمين في مقابل تقليص حصص اللغة العربية من ست ساعات إلى أربع.

- بالنسبة للنصوص الوظيفية والتطبيقية فإن الكتاب لم يخرج في الغالب عن إدراج نصوص المشاهير.. وإذا كانت بعض الأسماء مقبولة أدبيا وعلميا، فإن حضور أخرى يفتح سؤالا عريضا عن تبرير هذا الحضور… كما أن الكثير من النصوص والأسماء استهلكت في الستينات والسبعينات فهل يعني هذا أن أدبنا العربي ظل عقيما؟

- وردت بالكتاب عشرة نصوص شعرية، تسعة منها عمودية (عدا نص تفعيلي لنزار قباني) مع إقصاء أشكال شعرية أخرى عنوان حداثة الأدب المغربي، وهو تناقض صارخ للوزارة الحداثية جدا.. جدا… (أقول هذا وأعلم يقينا أنه لا يد لفريق التأليف في هذا التوجه).

- الملاحظ أيضا أن سبعة نصوص شعرية من بين العشرة هي لشعراء غير مغاربة وكأنه لم يحصل في الشعر المغربي ذلك التراكم النوعي الذي يحرره من عقدة المشرق وعقدة الآخر أو أن المغرب لم ينجب شعراء، مما يدل على تهميش الشعر المغربي والاستهانة به.

- والكتاب إلى جانب كل هذا ذكوري تأليفا واختيارا وإبداعا، إذ لا أثر فيه للمرأة(باستثناء الصور) في وقت ما زلنا فيه ننتصر لقضاياها ونناقشها على أرفع مستوى.

إن تغييب المرأة من الكتاب وهي عمود رئيس في المجتمع أمر يرفضه منطق الإسلام الذي كرمها وأحلها مكانة سامية. فهل يسكت على تحكم العقلية الذكورية قيم الحداثة والديموقراطية وحقوق الإنسان؟

- وبالعودة إلى دليل الأستاذ، حيث اجتهد مؤلفو الكتاب المدرسي في توضيح أبعاده التربوية وتقسيم مكوناته بما يناسب الحصص المقررة (أربع ساعات) فإن المتأمل سيلاحظ ما يلي:

- بالنسبة لمادة التعبير: لوحظ أن الموضوع الإنشائي لا ينتهي إلا بنهاية الأسبوع الخامس وهذا يعني أن هذا المكون يستغرق أربعة أسابيع ويلغى في الأسبوع الثاني لفائدة الدرس التطبيقي (علق أحد الظرفاء على ذلك بقوله : دعوا التعبير إلى أن يشب الوليد عن الطوق).

- بالنسبة لمكون التطبيق: لا يقدم هذا المكون -حسب الدليل- إلا في الأسبوع الثالث أي بعد تقديم درسين في اللغة. كما أن الدليل يعطي الضوء الأخضر للأستاذ كي يجمع بين قاعدتين في حصة واحدة.(مع العلم أن التقسيم المتعلق بهذا المكون ومكون التعبير يتنافى مع ما ورد في دفتر التحملات). فأي نظرة تربوية تحكم كل هذا والمعاناة قائمة مع متعلم يقصر ذهنه عن إدراك القليل خلال الحصة الواحدة فكيف يدرك المتشعب الكثير؟

والتصور العام للدليل، استنادا إلى الحصص الأربع المقررة للغة العربية يأتي على الشكل التالي:

- الدرس القرائي الوظيفي حصتان.

- الدرس اللغوي حصة واحدة.

- الحصة الرابعة للتعبير أو للتطبيق. ولا يجمع بين هذين المكونين إلا في الأسبوع الخامس حينما يلغى الدرس اللغوي.

وبعد، فإذا كنا لا ننكر أن كل من يساهم في التأليف المدرسي لابد وأن يبذل طاقات جبارة من دمه ووقته وأن يريق نور عينيه في سواد الليالي – هذا إذا لم يُقْصَ عمله بجرة قلم- كما يجد المؤلف نفسه بين المطرقة والسندان وهو يجتهد في تقديم تقسيم تربوي مقنع لبرنامج المادة وفق الحصص الأربعة اليتيمة.. إذا كنا لا ننكر كل ذلك فإننا لا ننكر أيضا ما نجده كمربين من لوعة وأسى أولا بسبب ما ورد في الدليل من تقسيم غير ممنهج، ثالثة الأثافي بسبب هذا الاختزال الحاصل والصادم في حصص اللغة العربية في وقت كنا نعقد فيه الآمال على تنمية المكتسبات اللغوية لأبنائنا والنهوض بقدراتهم التركيبية والبحث عن طرق لتطهير ألسنتهم من لغة المسلسلات والأشرطة والأغاني التي تقذف بها بالوعات الكثير من القنوات الفضائية، سيرا نحو أفق لغوي رحب تضيق عنه للأسف الساعات الأربع.. وهاهي الآمال تُجهض بعدما عانينا -مربين وآباء- ونحن نتلمس السبيل بفلذات أكبادنا نحو مستوى لغوي راق تجدر به لغة القرآن فكانت المكابدة، وكان الحلم بخزانة الصف، وبجريدة الصف، وبالمجلة الحائطية، وبالمجلة المدرسية، وبالندوة والمحاضرة، وتحقق من هذا ما شاء الله… وكان الحلم بتفويج مكون التعبير كي تعم الفائدة.. وكان الحلم بحصة للمكتبة تقرب المتعلم من الكتب وفضاءاتها وآليات البحث فيها .. وكان الحلم أيضا بالمشغل الأدبي والفني داخل المؤسسة الواحدة كي يبرز المتعلم مواهبه وقدراته.. وظللنا نحلم بأشياء كثيرة وجميلة لعقود حتى استفقنا مصطدمين بصخرة الساعات الأربع القاتلة التي تُحتضر عليها الآن لغة الضاد ويتحجر عندها أبناء لغة القرآن.

ذة. أمينة المريني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>