الإسـلام رسـالة ربـانية وليس إيديولوجية بشرية تضبطها الأوهام 2/2


بعــض عوامــل التمــزق:

أمة تحمل هذه المبادئ وصنعت بها أولئك الأشاوس الذين صنعوا حضارة إنسانية عالمية ما الأسباب التي آلت بخلفهم إلى ما هم عليه يا ترى؟

إنه ولاشك البعد عن المنهج الرباني والركون إلى الدنيا ومتاعها الفاني وتسليم أمرها إلى جيل صنعه الاستعمار على عينه وأرضعه من لبنه ومكن له من رقاب العباد والتحكم في البلاد حتى أصبح دخيلا على الأمة لا صلة لهبها إلا بحكم الولادة وشهادة الازدياد فضرب الأمة في الصميم وحقق للاستعمار ما لم يكن يحلم به أيام سطوته و تسلطه وسلطانه ففرق الأمة إلى شيع وأحزاب كل حزب بما لديهم فرحون وأحيا النعرات القبلية وأجج نيران العصبية الجاهلية ورفع الشعارات المعادية لدين الأمة وقيم الأمة وثوابت الأمة  نهارا جهارا من غير أن يجد رادعا من سلطان أو وازعا من حياء وأوهم الأمة أن ما جاء به من هرطقة شرقية أو غربية هي التقدم، هي الحضارة، وإن كان الواقع العالمي يكذب ذلك، وللأسف الشديد أن الأمة الإسلامية انخدعت بتلك الشارات والشعارات  – لعدة عقود – المصبوغة بصبغة التقدم والحضارة وحتى بعد اكتشاف زيف ذلك بقيت الأمة مذهولة وكأنها فاقدة لذاكرتها لا تدري ما المطلوب منها أمام هذا الزلزال المدمر ولا تدري ما يراد لها وما يراد بها .

فعملوا على تشتيت شملها وتمزيق صفوفها وتخريب كل إمكانيتها حتى أصبحت طرائق لا جامع يجمعها ولا حام يحميها من ذئاب الشرق وثعالب الغرب ومن لف لفهم من المنافقين الأرجاس الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم وأصبحت الأمة هدفا لكل حاقد والكل يمزق أشلاءها وبمساندة ومساعدة الطغمة الفاسدة التي حققت للاستعمار أهدافا لم يكن يحلم بها في يوم من الأيام ولأول مرة مند أربعة عشر قرنا نرى ونسمع في العالم الإسلامي أن دور تحفيظ القرآن تغلق والمعاهد الشرعية تصبح تحت الرقابة الصارمة والدروس التي تقوم بشرح كتاب الله وسنة رسوله تمنع وخطباء الجمعة المخلصين تحصى عليهم الشاذة والفاذة ويحال بينهم وبين كلمة الحق ويشهر بهم في الصحف والمجلات والجرائد المشبوهة المأجورة … وغير هذا الكثير.. الكثير .

نعم لقد تكالب على هذه الأمة كل ظالم جبار وتوحدت خطتهم لسحق ومحق أهل الحق أينما وجدوا بصورة مباشرة أو غير مباشرة وتحت مسميات كثيرة حتى أن رائدة الحرية..؟ رائدة الديمقراطية..؟ رائدة العولمة..؟ رائدة الحداثة..؟  رائدة حقوق الإنسان..؟ رائدة… لما أصابها من عقاب الله اتجهت مباشرة قبل التحري والتثبت بالتهمة إلى المسلمين وأعلنها كبيرهم حربا صليبية وإن اعتذر فإن الله تعالى يقول: {ولتعرفنهم في لحن القول} وبدل أن تتعظ وتعتبر وتحول كل قدرتها إلى صالح البشرية أعلنت النفير العام في العالم ووضعت لفظة الإرهاب سلاحا تحقق به أهدافها وأبلغت مرديها: إما أنتم معنا أو ضدنا فاستجاب لها كل ذيل يساق سوق البهائم فكونت حلفا لضرب وسحق شعب أعزل – بحجة حرب الإرهاب- لا يد له في الأمر بجميع الدلائل والوقائع التي صرح بها العقلاء من جميع أنحاء العالم لكن رائدة الحرية لا يهمها أن تكون التهمة صحيحة أو غير صحيحة، إنما المهم عندها أن تؤدب المتمردين عليها والخارجين عن طاعتها فدمرت المنشآت الخيرية وحطمت القرى على أهلها والمدارس على أطفالها والمستشفيات على مرضاها تحت سمع ونظر العالم ولاسيما ما يسمي نفسه بالعالم الإسلامي , وما أن انتهت من شعب أفغانستان حتى أخذت تبحث عن الذرائع  -وإن كانت في غنى عن ذلك – لتدمير البقية الباقية من شعب العراق بحجة القضاء على صنيعهم الذي أشعل حربا ضروسا لأكثر من ثمان سنوات على دولة إسلامية ثم عادوا عليه في حرب 91- 92 لكنه لم يكن قد أكمل دوره بعد ولما انتهى دوره ضربوا بكل الأعراف الدولية عرض الحائط وأشعلوها حربا مدمرة لا هوادة فيها دمروا المدن على سكانها بحجة أنه يملك أسلحة الدمار الشامل ويشهد الله أنهم كانوا يعلمون ما لم يعلمه غيرهم بأنه لا يملك شيئا ولاسيما حينما فتح المفتشون الدوليون أبواب العراق على مصرعيها يصولون ويجولون من غير حدود ولا ضوابط تحول بينهم وبين ما يريدونه لكن المهم عند رائدة الحرية وحلفائها هو الاستيلاء على منابع البترول والهيمنة على المنطقة وتحقيق حلم الصهيونية التي تسعى ومنذ قرون إلى تكوين دولتها من النيل إلى الفرات.

 تحرك العــالم الإســلامي:

إن هذه الأحداث العظام وهذا الطغيان والجبروت حرك همم العالم الإسلامي لعقد مؤتمرهم الفذ الفريد وعلق عليه الجميع آمال عراض وفتحت خزائن الدول الإسلامية أبوابها للإنفاق السخي وتحركت الطائرات الخاصة وتحركت معها السيارات الضخمة الفخمة وطبلت وزمرت الأجواق الرسمية لاستقبال الوفود القادمة من كل صوب وحدب ودخل العظماء إلى قصور مكيفة وتجمعوا حول طاولات مستديرة وكراسي متحركة تعلوها شخصيات إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى وانعقدت جلسات مغلقة وأخرى مفتوحة وانطلقت المباريات الخطابية ففكروا وقدروا وعبسوا وبسروا ثم خرجوا بقرار يحقق أهداف العالم الإسلامي نحن نحارب الإرهاب ونحن مع من يحارب الإرهاب دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تحديد مفهوم الإرهاب  لكنهم أضافوا إضافة جيدة لم يسبقوا إليها  : نطالب الحلفاء بأن تكون ضرباتهم للشعب الإسلامي المدمرة متسمة بالتعقل والرزانة فلا تضرب الأبرياء : يا سبحان الله فمن تضرب إذا لم تضرب الأبرياء ؟  هل تضرب إسرائيل التي جمعت شذاذ الآفاق وكونت دويلة على أنقاض شعب إسلامي بعدما أحرقت من أحرقت وشردت من شردت ولا زالت تحرق وتدمر وتشرد على يد مجرم الحرب  (شارون السفاح) والذي قال فيه ذاك المأفون إنه رجل سلام ثم تجيبهم رائدة الحرية كلما دمرت قرية على سكانها أو مدرسة على أطفالها أو ……نأسف لما حصل لأن القنابل الذكية التي نحرق بها البلاد والعباد أحيانا تكون أذكى من اللازم .

وهكذا أعلنت الحرب على العالم الإسلامي وحتى على الأقليات الموجودة في كل مكان سواء المباشرة منها أو غير المباشرة حتى أن رائدة الحرية دفعت لروسيا -العدو التقليدي الذي تحول إلى ذيل- ما يفوق 11 مليار دولار لسحق الشعب الشيشاني في الحرب الأولى94- 96   أما الحرب الثانية فلا يعلم أحد ما دفعته وما تدفعه وما ستدفعه إلا الله وليس ذلك لسواد عيون روسيا ولكن من أجل القضاء على دولة إسلامية لا ذنب لها إلا أنها دولة إسلامية أرادت أن تعيش في أرضها وبلدها حرة كما يعيش غيرها واللائحة طويلة بما قامت به وستقوم به رائدة الحرية مع المستضعفين في العالم  .

وهكذا أصبحت الأمة الرائدة التي أخرجت لسعادة البشرية تعيش عيشة التيه والضياع والشتات وتكالبت عليها أمم الأرض بمساندة ومساعدة منافقي الأمة الذين حذرنا منهم الرسول الكريم في قوله: “أخوف ما أخاف عليكم بعدي منافق عليم اللسان”  هذا النوع الخبيث الذي ابتليت به الأمة وأصبح زمام أمرها بيده وقرارها يعود إليه حتى مكن للعدو أيما تمكين ففعل بها ما نشاهد ونسمع ونعيش فإلى الله المشتكى.

 كيفيــة التغلـب علـى المثبطات:

إن المثبطات والمعوقات كثيرة ومتعددة لكن يمكن أن نشير إلى نوعين ملتصقين بالإنسان ولا سيما الإنسان الرسالي الذي طالما أثنته عن مواصلة الطريق وأحيانا يمكن أن تنحدر به إلى الهوة الساحقة وهما :

1- محــاربة النفـس:

إن النفس ملتصقة بالإنسان كل الإلتصاق فإما أن تكون له وإما أن تكون عليه ولاسيما أنها جبلت على الاستعداد للخير كما جبلت على الاستعداد للشر يقول تعالى: {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها} (الشمس) ولا يستطيع الإنسان أن يتغلب عليها ويزكيها ويعلي من مكانتها إلا بالخوف من الله والعمل الجاد على محاربة هواها وما تمليه عليه من شرور ومناكر يقول تعالى: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} (النازعات).

و بالخوف من الجليل ومراقبته في كل آن يتمكن من التحكم فيها ومحاسبتها الحساب العسير كما قال عمر رضي الله عنه: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم وتهيؤوا للعرض الأكبر” . وكما قيل أيضا: “نفسك مطيتك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل” وهكذا كان الرعيل الأول يحاسب نفسه ويحارب هواها ويعرف مساربها وبمعرفتهم لأنفسهم استطاعوا أن يعرفوا ربهم تلك المعرفة التي جعلتهم يعيشون في اليقظة المستمرة ويحاربون الغفلة القاتلة التي ما أن استولت على الأمة حتى رمتها تحت أرجل من كان يتربص بها الدوائر و بلغت بها ما نرى ونسمع ونعيش فإلى الله المشتكى .

نعم عاشوا معها في كفاح مستمر وارتقوا بها من دركة النفس الأمارة إلى درجة النفس اللوامة ليصلوا بها إلى القمة السامقة قمة النفس المطمئنة الراضية المرضي عنها وذلك هو الفوز العظيم .

2- حـب الدنيـا:

لكن التغلب على رغبات لنفس والتحكم في أهوائها لا يتم إلا بإخراج حب الدنيا من القلب ذلك الحب الذي تتجلى معالمه في سكرات المال وحب الرئاسة بقصد الغطرسة والاستبداد وإشباع نهم النفس من زينة الدنيا ومتاعها الفاني حيث الرغبة في الخلود والركون إلى حب الطعام والنساء والنوم والدعة والخمول واللهو والعبث وغيرها

من الأمور التي تقتل الرجال وتصرع الأبطال وتلهي عن الغاية السامية والأهداف الكبرى التي وجد من أجلها الإنسان . لذا يجب أن نسمع إلى نموذج من الجيل القرآني على بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: “أخرجوا  الدنيا من قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم ففيها اختبرتم ولغيرها خلقتم”.

ويقول أحد العارفين: “حب الدنيا رأس كل خطيئة فمن أحبها أورثته الكبر ومن استحسنها أورثته الحرص ومن طلبها أورثته الطمع ومن مدحها ألبسته الرياء ومن أرادها مكنته من العجب ومن اطمئن إليها أركبته الغفلة ” ويقول آخر: “لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والآخرة من خزف يبقى لاختار العاقل الخزف الذي يبقى عن الذهب الذي يفنى وكيف والدنيا خزف والآخرة ذهب”.

ونظرا لمكانة الدنيا نرى الرسول الكريم يقول : “لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة لما سقى كافرا منها شربة ماء” ويقول أيضا: “مالي وللدنيا ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها” ويقول أيضا في المقارنة بين الدنيا والآخرة: “ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع” (أحمد في مسنده).

لكن يجب أن نعلم بأن ترك الدنيا في المنهج الرباني يتطلب منا أن نكد ونجد ونجتهد فيها ونجعلها وسيلة لتحقيق الغاية الكبرى ألا وهي رضا الله  والجنة. يقول تعالى: {وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا} إذا فالبغية والغاية هي الدار الآخرة والدنيا جعلها الله وسيلة وابتلاء والآخرة حسابا وجزاء  {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}(الزلزلة).

 3- الســلاح الأجـدى والأنفـع:

لا يمكن التغلب على أرجاس النفس ومغريات الدنيا إلا بالصبر الذي يعد السلاح الأقوى والعمل الأجدى في يد الرجل الرسالي فبه يتغلب على الإحباطات النفسية والتفلتات الوهمية ويصارع الشدائد ويكابد العقبات ويقف كالطود الشامخ أمام المعوقات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية …..سواء منها الداخلية أو الخارجية الذاتية أو الغيرية وكما قيل: ” لا يصبر على الحق إلا من أيقن بحلاوة عاقبته” ويقول أحد العارفين: ” إنكم لا تدركون ما تحبون إلا بصبركم على ما تكرهون فالحق ثقيل وقد يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة ووثقوا بصدق وعد الله فاصبر واحتسب وكن منهم واستعن بالله “.

وأخيرا: إن رجل الرسالة ولاسيما في وقتنا الحاضر يجب أن يستعد لصبر طويل، يتحمل مشاقه ويتجرع علقمه ويوطن نفسه على السير في الطريق الطويل والشاق بهمة الرجال وعزم الأبطال مهما عربدت قوى الشر بتحالفاتها الشرقية والغربية الداخلية والخارجية ومهما زمجرت عواصف الطغاة وتلاطمت أمواج الأسماء والمسميات من عولمة وحداثة وديمقراطية وتقدمية وتنويرية… وكل من تربى في أحضانهم وسار على نهجهم وأصبح دمية خاضعة خانعة ذليلة حقيرة في أيديهم وإن تمسحوا بمسوح الإيمان وشارة الإسلام فالله يقول قوله الحق: {ويحلفون بالله أنهم منكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولو إليه وهم يجمحون} (التوبة).

ذ. علي علمي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>