دعوة إلى الصبر والثبات في رحاب رمضان


الإسلام لا ينتصر بالكثرة وإنما بالمعية الربانية التي لا تكون إلا مع التقوى والإحسان

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، الحمد لله الذي له الحمد في الأو لى والآخرة، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا، اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علما، اللهم افتح لنا أبواب الرحمة وأنطقنا بالحكمة، واجعلنا من الراشدين فضلا منك ونعمة.

وبعد : نحمد الله حمدا كثيرا عظيما على هذا الشهر المبارك الذي من الله به علينا {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}.

الميزة الكبرى المعرِّفة لرمضان هوأنه شهر القرآن

نحمد الله عل هذا الشهر الذي صفد الله فيه الشياطين، هذا الشهر الذي من الله علينا بأيامه، ليلا ونهارا، فيه ليلة هي خير من ألف شهر، ليلة القدر، فيه أنزِل القرآن على خاتم المرسلين عليهم الصلاة والسلام، شهر عظيم له قدر عظيم عند الله تعالى.

وأهم ما ميز به كما سمعنا في هذه الآية المُعَرِّفة بهذا الشهر، {شهر رمضان} بم عرفه القرآن؟عرَّفه بأنه {الذي أنزل فيه القرآن} فأهم ما ينبغي أن يُهْتم به في هذا الشهر المبارك القرآنُ الكريمُ، يجب أن يُتلى، ويجب أن يُتدبر، ويجب أن يُجتهد في التخلُّق به والعمل به، فما نَزَل هذا القرآن، وما أُنزل إلا للتدبر، والعمل به {كتاب أنزلناه إليك مباركٌ ليَدَّبَّرُوا آياته} ما أُنزل إلا لإخراج الناس-كل الناس- من الظُّلماتِ إلى النور، من جميع أشكال الظلمات : ظلمات القلب، وظلمات العقل، وظلمات الأفكار، وظلُمات الأخلاق، وظلمات الأعمال السيئة، كُلُّ أشكال الظلمات جاء هذا القرآن ليخرج الناس منها إلى النور، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين أُخْرِجوا بهذا القرآن من الظلمات إلى النور، وأَخْرَجُوا به  -بفضل الله- الناس من الظلمات إلى النور،.

بمناسبة هذا الشهر المبارك الذي هوشهر القرآن، أحببت أن أتدارس معكم آيتين من كتاب الله عز وجل من سورة الأنفال، وهما قوله سبحانه وتعالى : {يا أَيّها الذين آمَنُوا إذا لقِيتُمْ فِئَةً فاثْبُتُوا واذْكُرُوا الله كثيرًا لعَلَّكُم تُفْلِحُون وأَطِيعُوا اللَّه ورَسُولُه ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشلُوا وتذْهَبَ رِيحُكُمْ واصْبِرُوا إنَّ اللَّه مَعَ الصَّابِرِين}.

الأمة وُزّعت تركتها بسبب الوهن الذي أصابها

الأمة الآن من أقصاها إلى أقصاها الحرب عليها معلنة من الكفر، ليس اليوم، فقط بل من زمان، فمنذ قرنين -على الأقل- تعرضت مناطق كثيرة من هذه الأمة للغزوالاستعماري، شعوبٌ كثيرة من هذه الأمة استعمرها الكفر، غزاها في عقر دارها، واحتلها، وأخذ خيراتها، وعَبّد الطريق ومهَّدَه ليستمر ذلك في حسابه إلى ما شاء الله أن يستمر، هذا الأمر منذ أكثر من قرنين وهوموجود، ولكن في القرن الأخير وفي النصف الأو ل منه فقط لم نخرَجْ من ديارنا فقط، بل أُخْرِجْنا في الحقيقة من ديننا وكيان شخصيتنا حيث أُنْهِي ما كان يسمى بالخلافة الإسلامية في الدولة العثمانية، أُنْهِيَ رسميا على يد الغرب بعد أن وزع تركة ما كان يسمى “العالم الإسلامي” وزَّّع تركتَهُ قطعةً قطعةً بين المفترسين من الغرب المشاركين في الفريسة -فريسة العالم الإسلامي- أو القَصْعَة كما سماها  في قوله المشهور : >توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قَصْعَتها، قالوا أو من قلةٍ نَحْن يومئذ يا رسول الله؟ قال بل انتم كثيرٌ ولكنكم غثاءٌ كغثَاء السَّيل، ولينزِعَنَّ الله الهيبة من قلوب عدوكم، وليقذفن في قلوبكم الوَهَن، قيل وما الوَهن يا رسول الله؟ قال حُبّ الدنيا وكراهية الموت< أو كما قال .

وهذا صحيح، ما أصبنا بهذا الوهن، إلا بحب الدنيا وكراهية الموت، لولم نكن نحب الدنيا لما وقع لنا ما وقع، لأنه إما أن نعيش أعزاء وإما أن نموت كرماء، ما فائدة الحياة دون عزة؟ إن الشعوب لا تموت بالجوع، ولا تموت بالفقر، ولكن تموت بالذل، أهم ما مُيّز به الإنسان أنه كريم {ولقد كرمنا بني آدم} أهم ما ميز به ابن آدم في هذه الحياة انه كريم، كريم عند الله، مكرم عند الله، فمن أذَلَّهُ، أذله الله >متى استعبدتُمْ الناس وقد ولدَتْهُم أمهاتهم أحْرَارا< كما قال عمر بن الخطاب، الإنسان عزيز عند الله، ولذلك نحن في ديننا لا نطأ على القبر الذي ليس فيه روح، ولوكان ليهودي أو لنصراني احترامًا منّا وتكريمًا منا لابن آدم الذي كرمه الله عز وجل، وهذه الأمة أصابها ما أصابها بسبب هذا، الهجرانُ للقرآن هوالذي جعلها تذل وتُهان ويُسلط عليها أحط الناس.

نحن بحاجة إلى أن نعود إلى القرآن، إذ فيه المخرج من كل هَمٍّ، فيه المخرج من كل كَرْب، فيه المخرج من كل ضَيْق، فيه النجاة من كل أزْمة، فيه الحل لكل مُعْضلة في الحقيقة {ما فَرَّطْنا في الكتاب مِنْ شَيء} ولكن الواقع اليوم أننا انصرفنا عن القرآن، اتخذناه مهجورا {وقال الرسول يا ربّ إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهْجُورًا} نحن الآن هاجرون للقرآن الكريم، وهاجرون له بالأخص في التعليم، حيث لا نعلم القرآن، وكانت أمتنا في القرون الخوالي لا تعلم شيئا قبل القرآن، الصغير أو ل ما يعرف كتاب الله، يجتهد في أن يأخذ منه أكبرَ حظ، ثم يجتهد في أن يتعلم ما في ذلك من كنوز العلم، وان يتخلق بتلك الأخلاق المذخورة في القرآن العظيم.

هذا القرآن أصبح مهجورا، فُصِل بين المدارس -في العالم الإسلامي- وبين القرآن بسبب الكفر الذي غزا دول الإسلام، وللأسف لمَّا يصحَّحْ الوضع حتى الآن، ها هوالتعليم الابتدائي عندنا فيه سبعة أحزاب لفظا، أما من الناحية العملية فلوجئت بتلميذ من التعليم فقط، لم يعلمه أبوه في دور القرآن أو ما أشبه، ولكن جئت به -وقد فرغ من التعلم الابتدائي- وطلبت منه أن يستظهر ما حفظ بالمدرسة لن يستطيع أبدا، وهاهم عندنا في الجامعة طلبة في الدراسات العليا لا يستطيعون استظهار هذه الأحزاب السبعة.

القرآن مهجور في التعليم، القرآن مهجور في الإعلام، القرآن مهجور في الواقع العملي، أخلاقه لا تعلم بل تعلم أخلاق غير هذه الأخلاق، عكس ذلك تماما.

لا علاج لأمة القرآن إلا بالرجوع للقرآن الذي لا تنقضي عجائبه، ولا ينتهي خطابه وهداه

ينبغي أن نستيقظ، ينبغي أن نعود إلى كتاب الله عز وجل، نقرؤه وكأنه يتنزل علينا من جديد، لأن هذا القرآن ليس خطابا للمهاجرين وللأنصار في مكة وفي المدينة، بل هوخطاب لأي مسلم في أي نقطة من الأرض، في أي عصر من العصور حتى قيام الساعة، يخاطِب الجميع، فهوليس خطاباً كان في فترة من الفترات ثم انتهى، كلا ثم كلا، هذا محضُ افتراء ولا يقولُ به مسلم، ولا يقول به ذوعلم، لأن من يقرأ كتاب الله عز وجل ويعلم ما فيه يجد أنه في الواقع خطابٌ لجميع العصور، لا علاقة له بالزمان والمكان، انظروا هل تجدون في كتاب الله خطابا للعرب، أو للمغاربة أو للإيرانيين، أو للأتراك، أو لأي جنس من الأجناس؟ هل تجدون أثرًا للطِّين في هذا القرآن؟ هل تجدون أثرا للزمان؟ نزل على قريش فهل من أثر لها؟ أُنظر إلى سورة العلق مثلا والحديث فيها عن أبي جهل هل تجد له من خبر؟ {أرأيْت الذي يَنْهَى عبدًا إذا صَلَّى، أرأيْتَ إن كان على الهُدَى أو أمَرَ بالتَّقْوَى، أرأيتَ إن كَذَّبَ وتَوَلَّى ألَمْ يعْلَمْ بأَنّ اللهَ يَرَى، كلاَّ لئن لم ينتهِ لنسْفعن بالناصية، ناصية كاذبة خاطئة}.

هل تجد أثرا هاهنا لأبي جهل؟ وهل تجد أثرا لرسول الله  بشكل صريح، بل تجد نموذجا بشريا يمكن أن يكون في كل وقت، فأنت تجد نموذج الجبار الطاغية المجرد عن الزمان والمكان، ونموذج المؤمن الصابر الثابت المحتسب المجرد عن الزمان والمكان، هذا الذي تجد، تجد نموذجين يتصارعان :

- نموذج الخير ثابت هونموذج رسول الله ، العبد الذي صلى، كان على الهدى، وأمر بالتقوى.

- والعبد الطاغية، لا يكتفي بألاَّ يتَّبِع هوالحق، بل يريدُ أن يَمْنَع غَيْره من إتّباع الحق، ينهى عبدَا إذا صلى، كذب وتولى.

هذا الذي تجده في القرآن كله نماذج للخير، ونماذج للشر غير مقيدة بزمان أو مكان أو جنس أو لوْن ليكون القرآن مجرداً عن الزمان والمكان وصالحاً لكل زمان ومكان، وبسبب ذلك كانت هذه الآية تبتديء بنداء، {يا أيها الذين آمنوا} أي ليس يا أيها المهاجرون، وليس يا أيها الأنصار، ولا يا أيها العرب، ولا يا أيها المدنيون ولا يا أيها المكيون في ذلك الوقت، وإنما {يا أيها الذين آمنوا} الذين يجمعُهُمْ جامِعٌ مُعَيَّنٌ يمكن أن يوجد في أي وقت وفي أي مكان، هوجامعُ الإيمان، متى وجدت رابطة الإيمان بين جَمْع من بني آدم فإنهم يصيرون مؤهلين لأن يخاطبوا بهذا النداء، يا أيها الذين منوا، في أي عصر، في أي فترة، في أي مكان، يكونون الآن في أسكندينافيا اوفي الدانمارك، أو في جنوب أفريقيا أو أي مكان من الكرة الأرضية، إن وُجِدَت الصفةُ أمكن النداء، إن وجدت صفة الإيمان في جماعة من المومنين، أمكن أن تُنادى بيا أيها الذين آمنوا.

{يا أيها الذين آمنوا إذا لقِيتُمْ فِئَةً فاثْبُتُوا} هذا التعبير : “اللقاء” بصفة عامة في القرآن يغلب أن يكون في الحرب، “والفئة” مثل ذلك، والواقع الآن على نفس المستوى والمعنى، هم في حالة لقاء، شاءوا أم أبَوْا، مثل ما قال الله عز وجل في الشيطان، قال لنا {إن الشَّيْطان لَكُمْ عدُوّ  فاتَّّخِذُوه عدُوًّا} هولكم عدوّ سواء علمتم ذلك أو لم تَعْلَموه، اتخذتُموه عدوًا أو لم تتخذوه، هولكم عدو، اعْلَموا هذا، فإذًا خَيْرٌ لكم أن تتخذوه عدوا، كما هولكم عدوٌّ أصلا، كذلك الأمر: إن الكفر ملة واحدة، فإنه متخذٌ المؤمنين عدوًّا في الكُرة الأرضية من زمان، وهوملة واحدة.

لذلك هذا النداء متجه إلينا الآن {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا}، الحلُّ توجيهاتٌ ربانية الآن للمسلمين في الكرة الأرضية بالثبات، أو ل توجيه يُعْطَى للمسلمين في الكرة الأرضية هو{فاثبتوا}، اثبتوا على دينكم، اثبتوا على قُرْآنكم، اثبتوا على سنة نبيكم، اثبتوا على العلم الصحيح الذي استفاده علماؤكم، واستنبطه علماؤكم من كتاب ربكم وسنة نبيكم، اثبتوا على الأخلاق الشرعية التي استفدتموها من كتاب الله عز وجل، اثبتوا على العادات الصالحة التي عندكم في أسركم، اثبتوا على الخير الذي أنتم عليه، لا تستجيبوا بأي شكل من الأشكال لنداءات الكفر، المسلم لا يتلقى إلا من جهة واحدة هي جهة الله جل جلاله، وذلك أساس موجود في الوحي في كتاب الله جل جلاله، وفي سنة رسوله ، من هاهنا نأخُذُ العلم، من هاهنا نأخذ الهداية {وقالوا كونوا هوداً أو نصَارى تَهْتَدُوا قُلْ بلْ ملَّة إبْرَاهيم حَنِيفًا} {قل إن هدى الله هُوَ الهدى} لاهدى معه، وهوموجود في كتاب الله، فهذا الهدى يجب الثَّبَاتُ عليه.

لا ثبات على الهدى بدون معرفة قيمته

ولكيْ نثبت عليه يجب أن نعلمه، ونفقهه، لأن من لا يعرف شيئا كيف يثبت عليه وهولا يعرفه؟ لابد أن نعلم ونعمل لنزداد علما بما علمنا ونثبت على ذلك، هذا ما يأمرنا الله عز وجل به الآن {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا}.

ولا ثبات على هدى الله بدون ذكر الله عز وجل

والذي يُُعينكم على ذلك كله ذكر الله {واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} الذي يعينكم على الثبات هوذكر الله فهوالذي يعطيكم طاقة هائلة تستطيعون بها أن تثبتوا، ولوكنتُم وحدكُمْ، ولوكنتم قلةً فإنكم تستطيعون أن تثبتوا، ولا تبالوا بأحد، لأن هذا الدين لا ينتصر بالكثرة، وإنما ينتصر بالمعِيَّة {وكَان حَقّا عَلَيْنا نَصْرُ المومنين} {إنا لنَنْصُر رسُلَنَا والذين آمَنُوا في الحياة الدُّنيا}.

لكن المعية لا تكون إلا مع التقوى والإحسان في تطبيق هذا الدين {إن الله مَعَ الذين اتَّقَوْا والذين هُمْ مُحْسنون} ومن كان اللهُ معه لا يغلبُه غالبٌ، مهما كثر المعادي، ومهما قل المتقي، فكل ما فعله المتقي فالله عز وجل يباركه، وتنفعل له الأشياء من حوله، وتتيسر له الأمور، وما تيسرت لرسول الله  ولجنود الله من أمور الإمبراطورية الفارسية الكسروية، ومن أمور الإمبراطورية الرومانية القيصرية، لتصبح غنيمة للمسلمين وينتهي أمرها إلا بالتقوى والإحسان الجالبين للمعية الربانية.

ونحن اليوم كنا قبل حوالي عشرين سنة نتحدث عن إمبراطوريتين في العالم، الإمبراطورية الماركسية التي احتلت أراضي كثيرة من أراضي المسلمين، حيث استعمرت دولا عديدة، وأجزاء كبيرة من العالم الإسلامي، مثل كازاخستان، أو زباكستان، الشيشان… مناطق كثيرة استعمرتها روسيا ولا تزال، حدث لها بعض الحرية بانتهاء الإمبراطورية الأو لى، وهي الإمبراطورية الماركسية، ونحن ننتظر سقوط الإمبراطورية الثانية وهي الإمبراطورية الرأسمالية، ننتظر ذلك وما ذلك على الله بعزيز، وإنّ غَدًا لناظره لقريب، سيأتي يوم يسقط فيه هذا الجبروت، وهذه القوة الثانية التي عرفها العالم في القرن العشرين.

لا سقوط لأمة الكفر إلا إذا نهضت أمة الهدى ذات الكيان الواحد

لكن لن يحدث ذلك إلا إذا حدث من يخْلُف، ومن يقُود بني آدم في الأرض إلى الهدى والخير والتُّقَى، أي لن يحدث ذلك إلا إذا ظهر “الذين آمنوا”، إلا إذا ظهرت امة الإسلام، إلا إذا ظهرت الأمة التي نادى بها أبونا إبراهيم عليه السلام حين قال {ربَّنَا واجْعَلْنا مُسْلِمَيْن لك ومن ذُرِّيَّتِنَا أمّة مُسْلِمة لَكَ} تلك الأمة المسلمة التي أسلمت أمرَها إلى ربّها -وهي في وضْع أمة-، ولَيْس في وضع الأشتات،، في وضع الأمة، أي في وضع كيان واحد.

ما يمنع المسلمين اليوم أن يفعلوا مثل الكفار، كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية اتحدت اتحادا فيدراليا وكَوَّنَتْ دولة واحدة برئيس واحد؟؟!، ما يمنعهم أن يفعلوا مثل أو ربا الآن وهي تتجمع من جديد؟؟ وتتكتل من جديد لتصير في وضع الدولة الواحدة؟؟ التي لها العُمْلة الواحدة؟؟.

المسلمون مطالبون الآن بأن ينتقلوا إلى هاته الخطوة ليصروا القوة المرشحة للخلافة في الأرض بعد انتهاء الإمبراطورية الثانية التي سياتي وقتٌ يحق عليها القول الذي قال فيه عز وجل {وتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لما ظَلَمُوا وجَعَلْنَا لمهلكِهِمْ مَوْعِدًا}(الكهف) سيأتي الموعد الذي تهلك فيه هاته القوة الظالمة كما قال الله عز وجل في {وفرعون ذي الأو تاد الذين طَغَوْا في البلاد فأكثروا فيها الفساد}(الفجر) انتبهوا لم يقل فأفسدوا، بل قال الله عز وجل {فأكثروا فيها الفساد} لأن الله >يُمْهِلُ ولا يهمل< من أفسد يُمْهَل له حتى يكثر إفسادُه، فإذا وصل إلى حَدِّ يحق عليه القول {فأكثروا فيها الفساد فصَبّ عليهم ربّك سوط عذاب} يأتي وقت، {وتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهم لما ظَلَمُوا وجعَلْنَا لمهلكهم موْعِدًا} نحن لا ندري هذا الموعد متى يأتي ولكن الله عز وجل به عليم، يعلم هذا الموعد ونحن نرى أماراته بادية في الظلم، لأنه إذا اشتد الظُّلْم بشِّر الظالمين بالانتهاء مصداقا لهاته الآية الكريمة {وإذا أردنا أن نُهْلِك قَرْيَةً أمَرْنَا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فيها}(الإسراء) والفسق ظُلْم من الظلم الكبير، لأنه خروج عن طاعة الله خروجًا مطلقا، {فَحَقَّ عليها القول فَدَمّرْنَاها تدميرا}، وليس بعد التمام إلا النقصان.

{فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} أقول لكي يحصل الثبات حقا نحتاج إلى ذكر الله، لأن الله عز وجل أكبر من كل كبير، الله هوالأكبر، ذلك الشعار الذي نكرره في كل صلاة كثيرا من المرات تنبيها لنا بأن نجعل في قلوبنا هذه الحقيقة تكْبُر-حقيقة الله أكبر- فلا نخشى مخلوقا، فالله وصف المكبرين لله في الصلاة بأنهم لا يخشون أحداً {إنما يَعْمُر مَسَاجِدَ الله من آمن باللّه واليوم الآخروأقام الصلاة وآتى الزكاة ولَمْ يَخْشَ إلا اللَّه فعسى أو لئك  أن يكُونوا من المهتدين}(التوبة) ولم يخش إلا الله، الذي يخْشى في المسجد غَيْرَ الله لا يَعْمُرُ بَيْتَ الله ولومَلَأَ جِسْمُه مَوْضِعَهُ، لا يعتبر في منطق القرآن، وفي ميزان القران عامرًا، لبيت الله، لأنه لكي يعمُر به بيْت الله، والبيت بيت الله، ينبغي أن يكون الله في قلبه اكبرَ من أي شيء آخر كيفما كان نوعه {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفْتُمُوها وتجارةٌ تخشون كسادها ومسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربَّصُوا حتى ياتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}(التوبة) لا ينبغي أن يزاحم الله في قلب المؤمن شيء {قم فَأَنْذِر وربَّك فكبر)}، {وقل الحمد لله الذي لم يتخذْ ولدًا ولم يكن له شريكٌ في الملك ولم يكن له وليٌّ من الذُّلِّ وكَبِّرْه تَكْبِيرا}(الاسراء).

ذِكْرُ الله كثيراً يَجْعَلُ “حقيقة الله أكبر تسكن في القلب، وإذا سكنتْ في القلب صغُر ما سوى الله، إذا كَبُر الله في قلب العبد صغر فيه ما سوى الله، وإذا صغر فيه ما سوى الله انتهى تأثيره الخارجي، وصار تأثير الله عز وجل هوالحقيقة الواقعة في الأعمال والأفعال، هذه فائدة {واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}.

ونبه على الذكر الكثير، لا الذكر القليل ولا مطلق الذكر، بل الذكر الكثير، لأن هذه التعبئة، هذه الطاقة في الظروف الصعبة في مثل ظرف المواجهة القائمة الآن بين المسلمين وغير المسلمين في العالم، تحتاجُ إلى طاقة كبيرة، تحتاج إلى تعبئة كافية، تلك التعبئة تحتاج إلى الكثرة {واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}،.

لا ثبات على الهدى، ولا ذكر لله، إلا وفق المنهاج الواجب الاتباع والطاعة

{وأطيعوا الله ورسوله} لابد أن تسيروا على المنهاج الرباني لا تخرقوا السفينة، تسمعون حديث رسول الله  : >مثل القائم على حُدُود الله والوَاقِع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا أرادوا الماء مَرُُّّوا على من فوقهم فقالوا : لوأنَّا خَرْقًنا في نصيبنا هذا خَرْقا وأخذنا الماء ولم نُؤْذِ مَنْ فوقنا، فقال  : فلوأنهم أخذوا على يَد الفاعل لنَجَا ونَجَوْا، ولوتركُوه لهَلَكَ وهَلَكُوا<.

الرسول  يضرب المثل بنوعين، نوع يسلك طريق الله جيدا، ونوع خارج عن طريق الله… هذا النوع يشبهه  بناس ركبوا سفينة واحدة، ولما ركبوا السفينة تقاسموا بينهم (استهموا) منهم من سكن في الأعلى، ومنهم من سكن في الأسفل،  فكان من في الأسفل يصعد إلى الأعلى فيأخذون الماء من البحر فيرجعون، لكنهم رأو ا أنهم يؤذون من فوقهم فقالوا لنجعل ثقبا في الأسفل فنأخذ الماء دون تعب أو أذى، فَهْمُهم كان بنية حسنة وليست سيئة، -فالنية السيئة درجة أخرى في الفلس-، هذه نية حسنة لم يريدوا إذاية من فوقهم، بنية حسنة ولكن لا يجوز لهم فعل ذلك لما يترتب عن الخرق من هلاك ركاب اسفينة كلهم، وهذا الخرق المهلك هوالذي يقع.

ولذلك أو ل صفة لهذه الأمة هي ما قال الله لها : {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف ينهون عن المنكر}(آل عمران)، وفي الآية الأخرى {كنتم خير أمة} بأي شيء؟ لم يقل تومنون بالله في الأو ل، لأن الإيمان يوجد عند هذه الأمة وعند الأمم التي كانت قبلها، فما هي الحاجة التي توجد عند هذه الأمة وتتميز بها، ولا توجد عند غيرها من الأمم التي سبقتها هي {تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} ثم جاء {وتومنون بالله} لأن الميزة التي تميز هذه الأمة هي ما تضمّنته قصة السفينة، يجب على الآخرين ألا يخرقوا السفينة ويجب على الأمة أن تحرس السفينة، هذا الواقع هوالذي يعالجه قول الله تعالى : {وأطيعوا الله ورسوله}.

في أي شيء نطيعه؟ في هذا الذي قاله في القرآن، وهذا الذي هوفي الحديث، لا ينبغي أن يُتَّبَع منهجٌ غير منهج الله، أو طريق غير طريق رسول الله ، لا يجب إتباع طرق الكفار في أي مجال من مجالات التديّن والتّعبّد والتخلّق، إذا كانت لديهم فائدة  علمية أو إدارية أو … فيجب أن توزن بميزان الإسلام، فإذا قَبِلها فمرحبا بها، وإذا رفضها فيجب أن تَلْزَمَ مكانها، فإذن يلزم جَماركُ حضارية “ديوانة الإسلام” الإسلام يلزمه جمارك لا تسمح بالدخول لأي فَهْمٍ أعوَج، تترك فقط الفهْم السليم، لكي يطبق النداء الرباني {وأطيعوا الله ورسوله}.

خذوا الطريق يا عباد الله لكي تذكروا الله حقا، ولكي تثبتوا حقيقة {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} حذار حذار من التنازع، هذا يجرُّ من هنا وهذا يجرُّ من هناك، فالاستعمار عمل كل ما في جهده ليوسع رقعته، لذلك وزّع تركةَ الرجل المريض”تركة الخلافة العثمانية” أي وزَّع العالم الإسلامي أطرافا أطرافا، تعرفون هذا العالم الإسلامي الذي يوجد فيه لبنان وسوريا وفلسطين، بأي شيء كنا نسميه في تاريخ المسلمين في القرن الماضي؟ كنا نسميه”الشام” لم نكن نعرف فلسطين أو سوريا أو الأردن “الشام” فقط وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، لكن لما جاء الاستعمار قام بفعل الجزار فسمى هذه المسميات وبعد ذلك صنع المشاكل فأخذ هذا يضرب هذا وهذا ينحر هذا، لا ينبغي أن نسقط في الفخ المشهور”فرق تسد” وهم يريدون الآن أنواعا جديدة من التفريق عن طريق اللهجات، وعن طريق العِرْقيات، ينبشون عروق التاريخ ليوجدوا لكل صنف من بني آدم عرقٌ مستقل في العالم الإسلامي، فالفراعنة في شكل، والطورانيون في شكل والفرس في شكل، والكنعانيون والبابليون…هذه العجائب والغرائب التي تحفر فيها الحفريات وتتبناها منظمات دولية كاليونيسكوهي أساسا تهدف بالدرجة الأو لى إلى تفريق المسلمين مع التأصيل لهذا التفريق، جَعْلُ أصول لهذه الفرقة وتلك  يجعلون  لها جذورها ليصعب تفاديها، فإذن يجب على الذين آمنوا أن يفوِّتوا هذه الفرصة على كل المستويات.

فالإنسان يجب أن يتصالح مع ذاته فيجعل قلبه ولسانه وأعماله واحدة، فلا يكون لسانه شيئا وأفعاله شيئا آخر، وما في قلبه شيء آخر، ظاهرةُ النفاق الفعلي ينبغي القضاء عليها، فهي لا تزيدنا سوى هلاك في هلاك، كذلك المشاكل العائلية ينبغي أن تقل، فالأفراد والأسر ينبغي أن يتماسكوا، والخلافات ينبغي أن تقل عكس ما تريده أو ربا منا وما تريده فينا، فالأسر ينبغي أن تسير على  ما كانت عليه، على شرع الله.

فالمحاولات التي نعلم والتي لا نعلم مما يفعله اليهود في العالم من تعقيم المسْلِمَات، حيث توجد إحصائيات كثيرة موثقة فعلها اليهود بطرق مختلفة لتعقيم المسلمات عن الإنجاب في البوادي وفي غير البوادي لا تلتفتن  حتى تجدن  أنفسهن عاقمات، هم لديهم مشكلة، لأنهم لا يلدون، والمسلمون يهددونهم بالنسل فقط.

أو ربا الآن تقول بإحصائياتها سنة 2070م سيصبح المسلمون داخل أو ربا أكثر من 50 بالمائة ، بأي شيء؟ بالنسل فقط إذا لم يحُدُّوا من خطرهم.

فهذا الأمر الذي هوالتنازع سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الأسرة أو على مستوى الأحياء ينبغي أن يُمحى بالتزاور والتسامح والتعاون والتآخي، هذا كله ينبغي أن يعود ليصبح المسلمون يدا واحدة كما قال  في الحديث >مثل المومنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوتداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى< ومثل ذلك المسلمون في أي شعب من شعوب العالم الإسلامي عليهم ان يكون لهم الشعور بأنهم جزء من أمة، فكل المعاني التي تفرق بين هؤلاء عن هؤلاء ليست من الدين >ليس منا من دعا بدعوى الجاهلية<، {وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم} وكفى، الأمة الإسلامية أمة واحدة وليست عشرة أمم، وإذا كانت الآن غير قائمة فستقوم إن شاء الله، وكل واحد مطالب بالقيام بواجبه {ولا تنازعوا فتفشلوا}.

لماذا فشلنا وضعفنا وذهبت ريحنا؟ بهذا السبب، لأن اليهود أقلية لكنهم موحدون في العالم كله، يهود روسيا يشتغلون مع يهود أمريكا، ويهود أو ربا ويهود العالم العربي، يتعاونون ولهم المنظمات التي توحدهم، فهاهم يسيِّرون العالم، المسلمون مليار وزيادة ومع ذلك مشتتون، فهذا الأمر يجب على كل واحد أن يحاربه في بيته وفي أسرته وفي حيه وفي أي مكان وجد فيه.

لا ثبات في المواجهة، والذكر، والطاعة إلا بالصبر

وآخر الكلام {واصبروا إن الله مع الصابرين)هذه الخاتمة حقيقة، فلكي تطيعوا الله كما أمر يجب عليكم أن تصبروا، لتثبتوا، لا بد من الصبر، لتذكروا الله كثيرا لابد من الصبر، لتحاربوا التنازع لا بد من الصبر، الصبر ثبات كبير، أصبر مهما كان الأمر، وقع لك النقصان في مالك، أو صحتك، فاصبر أصبر أصبر فالجزاء عند الله(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}(الزمر)، {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أو لئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأو لئك هم المهتدون}(البقرة)، {واصبروا إن الله مع الصابرين}.

اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، واجعلنا من الصادقين ومع الصادقين الذين تحبهم ويحبونك، ورضيت عنهم ورضوا عنك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اعد هذه الأمة إلى مجدها وشبابها انفخ فيها روح القرآن الكريم ليجمعها جمعا واحدا في أمة مباركة قوية متينة تنهض بكتاب الله عز جل وتقوم بالقسط {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} .

د. الشاهد البوشيخي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>