توسمات جارحة – هل نحن حقا نسلك مسار الحرية؟؟


الإنسان الذي لا يعشق الحرية والانطلاق إنسان مريض، يحتاج إلى علاج سريع وإلا سقط في مهاوي العقد والظلام. والمرأة بالخصوص إنسان مرهف أودع فيه الله تعالى أرق العواطف وأجملها. لكن مثل هذه العواطف لا تطفو وتنشر عبيرها إلا إذا سقيت بماء الحرية العذب. ولذلك لا يمكن أن يكون عطاؤها كاملا وعميقا إلا إذا كانت تعيش في بيئة تنعم بحرية هادفة لسعادة المجتمع ولإقامة علاقات متوازنة مع الذات ومع الآخرين ومتجانسة مع القيم الإنسانية ومبادئها. من هنا نجد حرص المرأة المعاصرة على النضال في مختلف الجبهات لانتزاع مساحة من الحرية تنعم بها وتستطيع تقديم أقصى عطاءاتها في مختلف المجالات التي تختارها. لكن للأسف فإنه رغم مضي زمن طويل على النضال النسوي في سبيل الحرية والتحرير، وعلى تأسيس الحركات التحررية النسائية، ورغم ما حققته المرأة في ميادين متعددة إلا أنها في الحقيقة لم تحقق على مستوى إثبات الذات وتحريرها سوى إتقان العيش في مساحة ضيقة لا تستطيع الفكاك من أسرها وهي مساحة الجسد. إن كل التفكير منصب على الاشتغال بتضاريس الجسـد، وسيطرة لغة الجسد عليهـا  -وعلى الرجل أيضا- أدى إلى مسار تحرري مزيف ومنحرف لم يستطع أن يوفر لها الشعور بالأمان والطمأنينة، وانزاح بها إلى محاولات مستمرة لخرق قيم المجتمع الإنساني، بل أصبحت تؤمن بأن خرقها لكل القيم والمبادئ الإنسانية هو الطريق إلى الحرية والتحرر فتزداد انغماسا في الأسر والعبودية. وللأسف الشديد فإن المرأة المسلمة انتزعت منها حريتها،كما انتزعت من الرجل،حين تخلت عن أساس وجودها  وابتعدت عن منبع الحرية الحقة التي تغذي نفسها بقيم الانطلاق والتحرر.وحين وعت عبوديتها وحاولت استرجاع حريتها أخطأت الطريق، وسارت على خطى المرأة الغربية، بل أصرت على استناخ النموذج النسائي الغربي فغرقت في مستنقع مختلف العبوديات، ونفرت من الإيمان والتصديق بحقيقته، حتى انزوت في أعماقها  جذوة الإبداع، وعاشت بين قضبان سجن الجسد تجتر مفهومات غريبة عنها وعن ذاتها. وتكالبت عليها أحاسيس الذلة والمسكنة والضعف، رغم كل مظاهر التحرر الزائفة التي تقودها إلى دعم الفساد والانحراف في المجتمع. فهل هذه هي الحرية التي نتطلع إليها ؟؟ أم نحن في أمس الحاجة إلى تصحيح مفهومنا للحرية والتحرر، وإلى إيمان يرتقي بضعفنا الإنساني نحو قوة ربانية تشعرنا بالحماية والاعتزاز والحرية الحقيقية  ؟؟. أعتقد أن كل مظاهر الرفاهية والمادة وكل النظريات والأفكار التحررية الوضعية لن تقدم للإنسان ذرة من الأمن والأمان والشعور بالطمأنينة والحرية الحقيقية، بل ربما تزيد من تطويق نفسه بسلاسل من الخوف والكآبة والاستسلام والضعف. لأن الشعور بالحرية نابع من عمق الخضوع لله تعالى، وكلما ارتقى تطلع الإنسان إلى مدارج الحرية كلما تنامى شعوره بالأمن والأمان والطمأنينة، وانطلق في سماء التحرر وآفاق العطاء الإنساني، وتخلص من كل العبوديات التي تعيقه عن لذة العبودية لله سبحانه وتعالى.

الأديبة الدكتورة أم سلمى

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>