يا أمة العرب، قليلا من الجدية


من بين المحطات الفضائية التي أتابع بثها باستمرار، القناة اليهودية  التي يرمز لها بالأحرف: TFJوقد يثير هذا الاختيار استغراب أو عدم استحسان بعض قراء هذا الركن، علما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال في حديث نبوي شريف أو كما قال “من تعلم لغة قوم أمن مكرهم” ومعرفة العدو الصهيوني، فرع من تصور جهاز تفكيره، والفلسفة التي تحرك رسوماته الهيمنية..ونحن في أمس الحاجة إلى هذه المعرفة لتغيير كفة الهزائم  العربية بإذن الله، ذات يوم

وقد منح لي هذا الفضول الإيجابي فرصة نادرة لرؤية برنامج  محكم الموضوع، خطير الأهداف، ويتعلق بالمحارق التي تعرض لها اليهود على أيدي النازية الألمانية.. ورغم أن هذا الموضوع يعرض للمرة المليار على الشاشات العالمية فاستثنائيته تكمن في المهارة التي تتم بها مقاربة هذا الحدث الملغز !!.. فمن بين الأشياء التي سمرتني إلى مقعدي وجعلتني أقر بأن هؤلاء اليهود يستحقون هذا العلو العالمي، ولهم كل المبررات التي تجعل قادتهم أناساً متغطرسين  متعالين على كل قرارات هذه الأضحوكة المدعوة بالشرعية الدولية !.. أقول، من بين الأشياء التي أذهلتني في هذا البرنامج الذي كان ينقل وقائع ما بعد المحرقة من خلال متحف يؤرخ لهذا الحدث، تلك الرفوف الكثيرة، بمعروضات متنوعة تكفي العينة الواحدة منها لصنع ملحمة.. حيث  التقطت الكاميرا الذكية من داخلها،كل الجوانب المثيرة لدمية أحرقت صاحبتها ونجت هي من المحرقة، ليصنع منها الإخراج القوي، الشاهدة على مأساة اغتيال الطفولة.. وكانت هناك أيضا ضفيرة بالغة الإيلام  لصبية أخرى.. والأهم من هذه المعروضات التي تشمل كل ما يمكن أن يخطر على البال من خصوصيات الضحايا، هو المجموعة الكبيرة جدا للأحذية المعروضة. والعبقرية والفرادة في هذه الأحذية التي أضاعها الهاربون من جحيم المحارق أو الذين قضوا فيها، هي أنها جد عتيقة، حيث تبدو شديدة الذبول في لونها ونوع جلدها المرتخي المعقوف إلى الأمام !!.. والعبقري أكثر هو ذلك التعليق المصاحب للصور، والذي يجعل المرء يقشعر جلده ألما،وقد ينخرط في نوبة بكاء وسخط ضد أولئك النازيين الهمج، تعليق صاغته روح إبداعية هائلة، إختارت من الصياغات أشدها تأثيرا واستدرارا للتعاطف والتضامن اللامشروط مع “القضية الصهيونية”، وبالتالي فلا يمكن لأي مشاهد يفتقد إلى المناعة الثقافية والدراية الكافية بخبايا صناعة الهولوكوست إلا أن يصطف في نهاية أشرطة من هذا النوع إلى جانب “المظلومية اليهودية”، التي تحصنت بها الإيديولوجية الصهيونية لتقوية مواقعها وأهدافها الاستيطانية تجاه شعب فلسطين الأعزل

وتكاد لا تخلو أية قناة في العالم من اكتساح هذا النوع من البرامج، وكذا الأشرطة، وكل أنواع الفنون ومجالات السياسة والاقتصاد و .. وكل ما لا يمكن تصوره من وسائل احتلال الضمير العالمي واضطهاده بعقدة ذنب كفيلة بإعداد سايكولوجيته لأداء الثمن الباهض، استعمارا وتقتيلا للفلسطينيين وغيرهم بوسائل أخرى في كل بقاع المعمور

فلماذا، لماذا كل هذه الجدية، كل هذا التحرق، كل هذا التفاني،كل هذاالنفس الأسطوري الطويل جدا في تلميع “القضية اليهودية” المسكون بها كل اليهود ؟؟؟ ولماذا، لماذا بل لماذا إلى ما لانهاية، هذا الكسل،  هذا الضجر، هذا الغياء المجاني، هذه الإنسحابية من شؤون القضايا الإسلامية لدى العرب والمسلمين؟؟؟.. إن مئات الملاحم التراجيدية عاشها المسلمون من هزائم إلى هزائم، نكبة بغداد الأولى، نكبة الأندلس،  نكبة فلسطين، نكبة أفغانستان، نكبة العراق الألف..ومن بين أفظع النكبات  تلك التي جرت أطوارها بمخيمات صبرا وشاتيلا والتي مرت ذكراها الأليمة هذه الأيام بدون ضجيج يذكر !!..وقد كان بإمكان مبدعيناوعبقريينا السينمائيين والمسرحيين أن يتجاوزوا قليلا الطروحات الكلاسيكية الرتيبة في تناول قضايانا الجوهرية، ويتعلموا من أعدائنا هذا الدهاء في تقليب قلوب الخلق كما يشاءون !!..كأن يعرضوا مثلا إيشارب أو منديل عجوز من ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا، ويفيضوا في تصوير ملحمتها وهي الحافظة لتاريخ فلسطين، الذي تحكيه كل ليلة لأبناء المخيم، عجوز تتصيدها كل الأمراض فلا تقتلها ويفلح قتلة شارون في إزهاق روحها ببشاعة..عرض دفاتر مدرسية في منتصف المقرر الدراسي لطفل خارق النجابة قطعت أصابعه قطعا..عرض صور زواج لم يتم إذ ذبحت العروس، مععدسة كاميرا تقف عند كل لوازم العرس العزيزة لدى العروس المذبوحة !! وأشياء كثيرة يمكن أن تتفتق عنها المخيلة الإبداعية لفنانينا.. مع شهادات مرافقة للعروض، تصاغ بالتعابير البلاغية  الأكثر تأجيجا للعواطف ، وهي تستنطق التفاصيل الحميمية للمغدورين في المذبحة، لدفع الجماهير العربية للخروج من هذه الكوما الحضارية.. إضافة إلى أشعار ومقاطع من روايات لكتاب وشعراء مرموقين في نفس الاتجاه وبنفس الإيقاع

أليست هذه المواقف الهجومية أجدى.. ثم لماذا علينا أن نقنع بالمحلية، وبأقرب من أنوفنا، وبعطن جحورنا، بحجة أن أعداء الأمة هم الأقوى، وأن نفوذهم أعظم من أن يجابه، في حين تدل كل المؤشرات على أن شمس الإسلام تتهيأ للبزوغ من جديد، ودليلي، هذه المشانق والمحاكمات والمطاردات التي تتربص بالعلماء والعامة من المسلمين، بحجة الإرهاب !! ؟والتي دليلي فيها القول الحق للحق سبحانه وتعالى: {إن مع العسر يسرا}، فما اشتدت أزمة إلا وانفرجت.. ثم إن الشعوب الغربية في شرائح واسعة منها باتت تؤمن بعدالة قضايانا، وبأن الإرهاب ألعوبة من صنع وتأجيج الصهيونية الدولية وذراريها، وبالتالي يمكن أن نمد الجسر إليها لتوحيد الجهود لفضح هذا الطاغوت الورقي..وعلينا أن نوقن بأنه مهما طال مسلسل “محاربة الإرهاب” ضد المسلمين سيأفل نجمه، وسيقدم سبحانه إلى ما عملوا من عمل ويجعله هباء منثورا، فقط لنكن جديين قليلا

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>