نريد نوعا لا كما


إن المتأمل لحال الأمة ليجدها أشبه ما تكون بغزوة حنين، والتي كانت بعد الفتح سنة ثمان من الهجرة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن هوازن جمعوا له ليقاتلوه، وقد أقبلوا ومعهم النساء والدان والشاء والنعم وذلك بأمر من أميرهم، مالك بن عوف رضي الله عنه ولقد قال له أحد شيوخهم وهو”دريد بن الصمة”: راعي غنم والله تسفيها لعقله، وأكد له أن المنهزم لا يرده شيء. ولكن الأمير أصر على رأيه حتى لا يبقى  لهم شيء يعودون إليه. فخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم في جيشه الذي فتح به مكة وهو عشرة آلاف، ومعه كذلك الذين أسلموا من أهل مكة، وهم الطلقاء وعددهم ألفين، فالتقوا بواد بين مكة والطائف، يقال له حنين، وقد كمنت فيه هوازن عند غلس الصبح (ظلمته)، فلم يشعر المسلمون إلا وقد بادروهم ورشقوهم بالنبال، ثم أصلتوا السيوف وحملوا حملة رجل واحد. فما كان من المسلمين إلا أن ولوا الأدبار كما قال تعالى{لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين}(التوبة: 24)ل

وفي هذا الامتحان الشديد والظرف العصيب ثبت أعظم الأنواع، ألا وهو النبي[ وبعض أ صحابه. وهو راكب بغلته الشهباء يسوقها تجاه العدو ويقول: “إلى أين أيها الناس هلم إلي أنا رسول الله” ثم قال: “ياعباس أصرخ يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة”. فأخذ العباس ينادي: يا أ صحاب الشجرة (شجرة بيعة الرضوان)، وتارة يا أصحاب سورة البقرة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب” فعندما سمعوا صوت العباس جعلوا يقولون: لبيك، لبيك وانعطفوا راجعين، حتى أن أحدهم إذا لم يطاوعه بعيره على الرجوع تركه وعاد بنفسه، فلما اجتمعت قلة عند النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يصدفوا الحملة، ودعا ربه واستنصره وأخذ كفا من تراب فرما به القوم، وقال : “انهزموا ورب الكعبة” وكتب النصر للمسلمين وغنموا والحمد لله

فهيا بنا أيها الأحبة في الله لنقوم بإسقاط هذه الواقعة وأحداثها على واقع أمتنا اليوم لنستشف حدود مطابقتها له، ومبرزين ذلك من خلال الخلاصات التالية:ل

1- بني بكر والذي أكدها الذي يعلم السر وأخفى بقوله جل وعلا: {إذ أعجبتكم كثرتكم} وذلك ليبين سبحانه أن النصر من عنده، ينصر من يشاء، ويخذل من يشاء، فليس النصر بالكثرة التي تعجب. ولقد عزل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب خالد بن الوليد من القيادة لتبقى عقيدة المسلمين دائما مستمسكة بالله. وضعف العقيدة بالنسبة لوقتنا الراهن واضح وضوح الشمس في رابعة النهار. ومما يدل عليه انتشار الفواحش والمنكرات بين المسلمين. كما يتجلى أكثر في معاملتهم للأعداء حيث تراهم يخضعون لهم ويخنعون بحجة أنهم متطورون اقتصاديا وعسكريا

2- نصب الكمين للمسلمين، وهذا لا يخفى  على  مسلم يهتم بأمر أمته ودينه. فقد نصبت الكمائن للمسلمين، من كل جانب، ومكر لهم مكر شديد سواء في الداخل أو في الخارج. وحسبنا الله ونعم الوكيل

3- الفرار من المواجهة: إنك إذا ما حولت بصرك في كل اتجاه من الاتجاهات إلا وتجد المسلمين محاطون بالأعداء وهم يصولون ويجولون دون خوف أو حياء ولا من يواجه بل الأخطر من هذا أننا أصبحنا نتواجد في دوامة لا يعرف فيها الصديق من العدو وظهر فينا الرويبظة (الرجل التافه) فتراه يجرح هذا ويعدل ذاك ويفسق هذا ويكفر ذاك بدون علم أو ضوابط إلا اتباع الهوى. أمرنا كما قال الشاعر:ل

ولم نفعل أمام عدونا   وعلى  أحبتنا نقول ونفعل.

 

4- ثبات الصادقين في كل زمان و في كل مكان، ولن تخلوا الأرض من قائم لله بحجة إما فعلية أو قولية، فكل من صدق في اتباعه للنوع المنشود “النبي وأصحابه” فإنه سيثبت لا محالة

5- التركيز على هذا النوع عند اشتداد الأمور. أنظر أخي الكريم كيف أن النبي عليه السلام أمر العباس بأن ينادي أصحاب الشجرة وعددهم لا يفوق خمس عشرة مائة. بينما عدد الجيش في هذه الواقعة اثنا عشر ألفا. فأين خمس عشرة مائة من اثنا عشر ألفا؟ ولكنه النوع الذي يعدل الرجل فيه الألوف، بل عشرات الآلاف

6- وأخيرا قد يلتحق بهذا النوع من ليس منه، وذلك لسببين : أولا لأن هذا النوع مؤثر وقدوة، يؤثر في محيطه، والثاني إذا كان الملتحق صادقا وذا أهمية عالية، ومعلوم أنه لا صعب على القلب الشجاع

وبعد هذه النظرة البسيطة والمقتضبة، والتي حاولنا من خلالها تشخيص واقع أمتنا بإسقاطنا لواقعة حنين عليه متوقفين على أهم محطاتها وما تزخر به من عبر ودروس لم يبق لنا إلا البحث عن المخرج والنجاة من هذا الوضع والذي هو الرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم الصحابة والسلف الصالح وذلك بإعادة النظر في البرامج التعليمية والتربوية في المؤسسات والجمعيات الدينية وذلك بإشراف مسؤولين أكفاء لا مدعون كما يقال:ل

ما كل ذي لبد بليث كاسر   وإن ارتدى ثوب الأسود وزمجرا

 

مع الاستعانة بعلم بعض العلماء القدامى كالمجددين “ابن تيمية وابن القيم”ل

يوسف المسعودي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>