{إنا إلى ربنا منقلبون}


عجبت لأمر هذا الإيمان كيف يصنع بالإنسان الأعاجيب، كيف يرفعه عاليا خفاقا، كيف يفجره طاقات بعد أن كانت مكبوتة موءودة،{إنا إلى ربنا منقلبون} كلمة يصدع بها السحرة عالية خفاقة مزلزلة مدوية، أمام أكبر طاغية لعهود طويلة، فبمجرد أن  انكشفت غشاوة الجهل عن عيونهم، وتبدى الحق جليا لهم، تحول طمعهم في أجر فروعون،{أئن لنا لأجراً  إن كنا نحن الغالبين} إلى الطمع في مغفرة الله ورضوانه،{إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المومنين}. ومن التسبيح بحمد فرعون: {فالقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون} إلى تسبيح الله والسجود له،{فألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا رب العالمين} ومن الخوف من جبروت فرعون إلى الخوف من خالق فرعون، وبعد أن كانوا يُوَلُّون وجوههم قِبَلَ فرعون أصبحوا يوجهونها إلى الله مالك الملوك ورب الأرباب

فانعِمْ به من انقلاب، وأكرم به من إقلاع، انقلاب حقيقي يجعل الإنسان خلقا آخر ومولوداً جديداً. إنه انقلاب جعل شبح فرعون يذوب ويصبحُ نسيجَ عنكبوت

فما أحوجنا إلى مثل هذا الانقلاب، انقلاب في الفكر والوجدان والأحاسيس، انقلاب في السلوك والعمل، انقلاب في المنطلقات والأهداف، ما بالنا نصعد مرة وننتكس أخرى، ما بالنا نسمو ثم سرعان ما نخبو؟ فالحق الذي سمعه السحرة هو نفسه الذي نسمعه الآن. لماذا يحركهم ولا يحركنا؟ لماذا يغيرهم ولا يغيرنا؟ لماذا يحييهم ولا يحيينا؟ لماذا يعرفون فيلزمون ونعرف فنتقاعس ونتردد؟ لماذا يأخذون الحق كله وننتقي منه ما يروقنا وندع غير ذلك؟ لماذا ضحوا بحياتهم في سبيل الحق وتجدنا أحرص الناس على حياة؟ لماذا نرى الأحداث التي تنفطر لها القلوب ثم سرعان ما تعود حليمة لعادَتها القديمة؟! لماذا لا ننقلب هنا قبل أن ننقلب هناك؟،{وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} أهو داء الوهن الذي أصابنا كما أخبرنا بذلك نبي الرحمة؟ حقا إنه نبي الرحمة!! فقد دلّنا على المرض الذي يفتك بنا ويجعل الأمم تتداعى علينا. إذ أكبر ما في وُسْعِ الطبيب أن يكشف عن داء المريض الذي بين يديه، وهذا نبينا يكشف عن داء أجيال ستأتي مستقبلا -فضلا من الله ونعمة-!!ل

سأل الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نيابة عنا عن ماهية الوهن فأجابهم بأنه مرض مكون من شقين: حب الدنيا وكراهية الموت. والثاني نتيجة حتمية للأول

نعم لقد جعلنا الدنيا أكبر همنا ومحور اهتماماتنا، فأصبح السعيد في نظرنا من يتجرع أكبر كمية من شهواتها. وأصبح لسان حالنا يقول،{يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم} ولا تجد بجانبهم من يقول، {ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا} فهل نحتاج إلى قارون جديد يخسف الله به الأرض حتى ننفض أثقال الدنيا التي أذلتنا. فما سمعنا عبيد دنيا قد حرروا أرضا أو حتى سُمِعَ صدى لأصواتهم

إن من هوان الدنيا وحقارتها أن لم يزد الله في حرثها كما يزيد سبحانه وتعالى في حرث الآخرة،{من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا نوتيه منها وما له في الآخرة من نصيب}ل

هذه الدنيا هي واحدة من خيوط العنكبوتالتي تَلفُ حول أعناقنا وتشل حركتنا وتحد من انطلاقنا. فهل إلى وقفة متأملة متبصرة تكشف عن باقي الخيوط حتى نقطعها إلى غير رجعة!!؟، {ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا بل أكثرهم لا يعلمون}ل

> الفتوحي فاطمة

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>