حصيلة نقل العلوم الطبية والصحية للعربية – الهيئة العليا للتعريب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي السودان(*)


دفع الله عبد الله الترابي

رئيس الهيئة العليا للتعريب بالسودان

1- صدر القرار السياسي القاضي بتطبيق التعريب في مؤسسات التعليم العالي بالسودان في فبراير من عام 1990م فحواه : استخدام اللغة العربية في تدريس المواد العلمية- بالجامعات والمعاهد العليا السودانية. من قبل, كان التعويل على اللغة الإنجليزية في تدريس جميع المواد العلمية بالجامعات باستثناء مواد اللغة العربية والدراسات الإسلامية وربما قلة ضئيلة من بعض المواد الأخرى

2- أنشأت الوزارة هيئة عليا للتعريب من أجل التنسيق والمتابعة والتعاون مع الجامعات لأجل اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لإنزال قرار التعريب على واقع التعليم العالي بالسودان

3- تقدمت مسيرة التعريب, حتى بلغت السنوات النهائية للإجازة الجامعية في جميع التخصصات الجامعية عدا في قلة منها لأسباب موضوعية يجري  العمل على  تجاوزها

4- لقد وضح منذ الوهلة الأولى لتطبيق التعريب أن أهم ملزوماته المباشرة أمران: وجود المصطلح العلمي المعرب وتوفر الكتاب العلمي المنهجي

أ- أما في شأن المصطلح العلمي للعلوم الطبية فلقد أصدرت منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم واتحاد الأطباء العرب المعجم الطبي الموحد الذي أعتمد مصدرا أساسيا لمصطلحات العلوم الطبية في جميع البلاد العربية (أي لدى المؤسسات العلمية فيها). إذن تخصصات العلوم الطبية تحظى بوجود مصدر للمصطلحات مجمع عليه, تتميز به عن كثير من التخصصات العلمية الأخرى. (المعجم الطبي الموحد في طبعته الأخيرة الرابعة يحوي نحوا من 150000مصطلح). نشرت الهيئة عددا من معاجم المصطلحات بغرض الإلتفاف حول لغة علمية موحدة ومتوافقة مع ما أجمعت عليه المعاجم العربية.

ب- أما في شأن الكتاب المنهجي (الطبي). فبالرغم من وجود كم كبير من الكتب العلمية الطبية المنشورة التي تكفي لتدريس المناهج الجامعية لدرجة الإجازة “البكلوريوس” إلا أن الحاجة قائمة لإصدار مزيد من الكتب الطبية المعربة بغرض إتاحة خيارات إضافية للأساتذة في اعتماد الكتب الدراسية, ثم لإثراء المكتبة العربية في مجال التخصصات الطبية الحديثة.لذلك تعد هذه المرحلة, مرحلة “لنقل العلوم الطبية والرسائل الصحية إلى اللغة العربية”.ل

5- لقد أبرمت منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط اتفاقية مع وزارة التعليم العالي بالسودان بغرض دعم إعداد الكتاب كان من نتائجها إنشاء مركز لإعداد الكتاب الجامعي الطبي، حيث اكتمل Pre-printing قبل التصوير والتغليف -تأسيس هذا المركز في الهيئة العليا للتعريب والمرجو, الآن, أن يساهم هذا المركز في النشر العلمي في مجا ل الكتب العلمية الطبية

6- تبنت الهيئة, عبر تشاور واسع مع الأطباء ولجان الوزارة, ترجمة سبعة كتب منهجية مرجعية في مجال الطب يقوم بترجمتها مجموعات من الأطباء وفق ما هو مبين في المرفق 3, على أن (يتم إعدادها بالمركز إلى مرحلة ما قبل التصوير والتغليف)ل

7- إن دعم إعداد الكتب العلمية وإجراءات طبعها في مجال العلوم المتخصصة مثل الطب والهندسة والصيدلة يعد من ملزومات التعليم العالي, ذلك أن تداول هذه الكتب قاصر على مجموعات محدودة من طلاب التخصصات العلمية الضيقة, والأغلب ألا يغطي توزيع هذه الكتب نفقات طبعها سواء أكانت مطبوعة باللغة العربية أو بغيرها

- ومن أجل تيسير أمر النشر العلمي بالسودان, واستكمالا للجهد الذي بذل في مجال التعريب تقدمت الهيئة العليا للتعريب لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والدولة بتصور لإنشاء مطبعة علمية متخصصة تفي بحاجة الكتب الطبية وغيرها من التخصصات العلمية من حيث فرز الألوان وكتابة المعادلات الرياضية والرسوم البيانية والصور إلى غير ذلك مما يحتاجه الكتاب العلمي الدراسي الحديث

9- لقد أحدث التعريب طفرة كبرى في التأليف والترجمة في السودان, لا سيما في مجال العلوم الكونية والتطبيقية التي يكاد التأليف يكون فيها عدما قبل التعريب, نتج عن ذلك زيادة معرفة الأساتذة بتخصصاتهم وتحسين مستوى  الطالب والأستاذ معا في اللغة العربية

10- تعريب الكليات الطبية : اختلف مستوى تطبيق التعريب في الكليات الطبية بين جيد ووسط وضعيف, وقد تميزت الكليات الطبية التي عربت مناهجهابأن حققت مستويات عالية في تأهيل الطلاب, ذلك لسرعة استيعابهم باللغة العربية, مما أتاح زمنا إضافيا للتجويد والتعمق في تدريس المواد العلمية

11-  ارتفعت المستويات العلمية في جميع التخصصات التي اكتمل فيها التدريس باللغة العربية

مرفق1

 من ملا مح منهج تطبيق التعريب بالسودان

التزمت مؤسسات التعليم العالي بالسودان عند تطبيق التعريب بمنهج نورد فيما يلي بعض معالمه:ل

أولا: التدرج في التطبيق

وقد تم ذلك بحمد الله, حيث اكتمل التعريب في أربع أو خمس أو ست من السنوات, حسب طول المناهج الجامعية للتخصصات المختلفة. وأصبح كل ذلك  الآن في ذمة التاريخ

ثانيا: استخدام اللغة العربية الفصحى الميسرة في التدريس,نأيا من اللغة العامية الدارجة أو تصيد اللفظ الحوشي الغريب

ثالثا: الإبقاء على الرموز العلمية والصيغة الرياضية على أشكالها في اللغات الأجنبية في هذه المرحلة من تطبيق التعريب, وهو الأمر الذي يجري عليه العمل في جميع الكليات العربية التي أخذت بالتعريب

رابعا: تدريس أربع مواد في اللغة الأجنبية لجميع الطلاب لتمكينهم من طلب المعلومة من المراجع الأجنبية, وتدريس مثلها من مواد اللغة العربية من أجل تجويد التعبير والصياغة العلمية العربية لدى الدارسين

خامسا: أن يكون التركيز في المرحلة الأولى على تعريب العلوم الطبيعية والتطبيقية, بحسبان العلوم الإنسانية وعلوم الآداب ذات أصول راسخة في كتب التراث العلمي العربي, وأن أهل هذه العلوم في الجامعات قادرون على تعريب مصطلحاتهم دون كبير مشقة

سادسا: السعي لتوحيد اللغة العلمية على  نطاق الجامعات السودانية, حيث ألزمت الهيئة العليا للتعريب بإعداد المعاجم الموحدة للمصطلحات العلمية في مجالات العلوم الأساسية والتطبيقية, مع مراعاة التوافق بين ما تصدره الهيئة من الاصطلاحات وما هو مجمع عليه في المصادر العربية

ولقد أنجزت الهيئة عددا من المعاجم شملت مصطلحات علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات والهندسة وعلوم الأرض والزراعة والحاسوب والطب البيطري

أما مصطلحات الطب البشري والصيدلة وطب الأسنان والتمريض فقد شملها “المعجم الطبي الموحد” (الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق البحر المتوسط) واعتمد مصدرا أساسا للمصطلحات المعربة في هذه التخصصات من جميع الكليات الطبية في الوطن العربي

لا يتسع المجال هنا للإحاطة بجميع التدابير والأعمال التي جرت لإنجاح تجربة التعريب في السودان. فهي تدابير متشعبة وفق الله إليها بعونمتصل من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومن المؤسسات الأخريات التي تعمل في مجال اللغة مثل مجمع اللغة بالخرطوم والمركز الإسلامي للترجمة، وفوق كل ذلك الدور المبدع الذي قامت به الجامعات بإنزال التعريب على  واقع التعليم العالي في السودان, علما بأن الدولة السودانية زادت عدد الجامعات السودانية من خمس إلى  نحو ثلاثين جامعة وزادت أعداد المستوعبين في مؤسسات التعليم العالي في العام الواحد من نحو خمسة آلاف إلى نحو ستين ألف طالب, حدث ذلك في ذات الآونة التي جرى فيها تطبيق التعريب من عام (1990-2000م) أي في العقد الأخير من القرن العشرين, ولقد وقع على أساتذة الجامعات مسئولية تدبر جميع الشئون العلمية والإدارية المترتبة من هذه الأحداث والتطورات المتزامنة معا

مرفق2

 ما تحقق في شأن المصطلح

أصدرت الهيئة بعون المتخصصين في الجامعات نحو عشرة معاجم لتعريب المصطلح وتوحيده شملت:ل

  • مشروع معجم الفيزياء الموحد
  • مشروع معجم الكيمياء الموحد
  • مشروع معجم الرياضيات الموحد
  • مشروع المعجم الهندسي الموحد
  • معجم الحاسوب الموحد
  • معجم الرياضيات “الطبعة 2″ل
  • مشروع معجم علوم الأرض الموحد
  • معجم المصطلحات الجامعية العام
  • المعجم الزراعي الموحد
  • المعجم البيطري الموحد (تحت الطبع)ل
  • المعجم الهندسي الموحد “الطبعة 2″ تحت المراجعة النهائية

ما تحقق في شأن الدراسات المعينة للتعريب:ل

اهتمت الهيئة ببعض الدراسات المعينة على حسب تطبيق التعريب, منها:ل

  • نظم الكتاب الجامعي (نفذت وسيعاد طبعها)ل
  • ملزمة العدد (وهي تحت إجراءات الطباعة)ل
  • الرموز والمختصرات (نشر منها بعض أوراق علمية)ل
  • المقاييس والمكاييل والموازين (العلمية العالمية, التراثية, السودانية)ل

مرفق3

 نتائج تقويم تجربة التعريب في السودان 10/1992 -2002م

لقد أجرت الهيئة العليا للتعريب تقويما شاملا على أداء التعريب في الجامعات السودانية بعد مضي نحو ست سنوات على تطبيقه أي في سنة 1997م, كما أن الهيئة تجري الآن تقويما ثانيا على مسيرة التعريب, وسوف تعمل على نشر نتائجه بعد فترة وجيزة إن شاء الله إلا أن النتائج الأولية أكدت ذات النتائج السابقة, وهي نتائج أصبحت في حكم المقولات أو الشعارات لحركة التعريب الجامعي في السودان:ل

1- أن المصطلح العلمي لم يعد يشكل عقبة لتعريب المناهج وأن الجامعات السودانية تجاوزت هذا المشكل

2- أن استيعاب الطلاب للمواد العلمية باللغة العربية يفوق بقدر كبير مدى استيعابهم لها باللغة الإنجليزية مما مكن من التوسع في المادة الدراسة والتعمق فيها

3- أن المستويات العلمية ترتفع بالتعريب ولا تنخفض به, (وذلك من واقع نتائج  الطلاب في الفصول الدراسية للتخصصات المختلفة)ل

4- أن حركة التأليف والترجمة والنشر قد شهدت طفرة كبرى في السودان منذ تطبيق التعريب وهي من أهم وسائل زيادة المعرفة وتوطين العلوم في اللغة العربية وتقريبها من الكافة

5- أن التعريب رفع مستوى  التخاطب باللغة العربية لدى  الأساتذة والطلاب معا, وأن الأساتذة ازدادوا معرفة بتخصصاتهم وتبحروا فيها

6- أن التعريب قد شمل جميع التخصصات العلمية في الجامعات السودانية ما عدا حالات محدودة يجري العمل على استكمال تعريبها, كما أن بعض الكليات الطبية لا تزال عصية على  التعريب بل تبلغ معارضتهم له أحيانا حد الغلو. وليس السودان بدعا بين البلاد العربية في هذا الأمر, فغالب الأساتذة الطب في الوطن العربي يعارضون التعريب من منطلقات مختلفة بيد أن الكليات الطبية التي عربت مناهجها حققت مستويات علمية عالية مما يدحض حجج المعارضين ويبشر بإمكان التقدم في تعريب الطب مستقبلا, لا سيما وأن منظمة الصحة العالمية ألقت بثقلها في شأن تعريب الدراسات الطبية في الوطن العربي

7- أن وجود مجلس للهيئة مؤلف من كبار الأساتذة والمسئولين بالجامعات من مديرين وعمداء بالإضافة إلى شخصيات علمية قومية متعاونة قد ساعد على  تخطي عقبات التعريب أفضى إلى تنسيق حسن بين الجامعات والهيئة العليا للتعريب

ولكن لا يحسبن أحد من الناس أن أمر التعريب قد سار في السودان بلا مدافعة وجدل طويل بين الداعين إليه والمعارضين له, وقد وفق الله السودان في أن يتجاوز المطلوبات العلمية والعقبات الإدارية والمشكلات الإجرائية في إنزال التعريب على  واقع التعليم العالي في السودان

ونقول إن الكسب كان أكبر من الجهد

“وما رميت إذ رميتولكن الله رمى”.ل

فلله الحمد والمنة على توفيقه

(*) بحث مقدم إلى الحلقة العلمية لشبكة المترجمين الذين يساهمون في نقل العلوم الطبية والرسائل الصحية من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية, القاهرة (جمهورية مصر العربية)ل

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>