المسؤولية تشتكي فهل من حامل لها بحقها؟


أثناء الحملة الانتخابية الأخيرة نادى المرشحون بأعلى صوتهم، أن المغرب على حافة الهاوية وأن جميع قطاعاته تعاني عزلة وتهميشا، أصابها فساد عريض. لذا يلزمنا جميعا الوقوف وقفة رجل واحد لنربح رهانات التنمية وطنيا وجهويا ومحليا ولنرسخ مسار البناء الديمقراطي

نادوا بأعلى صوتهم أن لأحزابهم برامج متكاملة لو وضع أبناء الشعب فيهم الثقة وطبقوها، سيتغير هذا الوضع ويقودون بذلك المغرب بجدهم وإخلاصهم وتفانيهم في العمل إلى الازدهار وإلى النماء وإلى تحقيق الانجازات والمشاريع الكبرى وإلى تحفيز الاستثمار عبر توفير البنيات التحتية وتبسيط المساطر الإدارية

لكن بمجرد ظهور النتائج تبخرت كل هذه الوعود وعوضتها حركة بيع وشراء قوية في صفوف المستشارين الجماعيين من أجل نيل منصب رئيس مجلس المدينة أو عمدتها

لقد سئم المواطن من الوعود الكاذبة وسئم من رؤية من جلسوا على  كراسي الرئاسة بجيوب فارغة وتركوها ببطون منتفخة على سيارات فخمة. عليهم أن يعلموا أن هذه الملايين التي أخذوها هي متاع فإن مصيرها إلى زوال، وأنهم واقفون لا محالة بين يدي الله جل جلاله ليسألهم عنها. عليهم أن يعلموا أنهم إنما باعوا ذممهم، باعوا مصالح أمتهم، باعوا مستقبل أجيالهم، باعوا ثقة المواطنين فيهم

عليهم أن يعلموا أن الذين صوتوا عليهم هم في حقيقة الأمر قد أبرموا معهم مواثيق وعهود وحملوهم مسؤوليات عظام للدفاع عنها

عليهم أن يعلموا أنهم بفعلتهم هذه إنما يمكنون للظلمة وغير الأكفاء من إدارة شؤون البلاد والعبث بمصير العباد. إنها المسؤولية تشتكي إلى ربها ذاك الذي كان عند حملها ظلوما جهولا. وتنادي بأعلى صوتها كل واحد وضعت على أكتافه، أن يقلب صفحات التاريخ ويبحث عن أولئك الرجال الأمناء الأقوياء الذين قدروها حق قدرها ورعوها حق رعايتها ليتعلم منهم ويتأدب بآدابهم ويتخلق بأخلاقهم حتى يكون أهلا لحملها والدفاع عنها. فهذا أبو بكر الصديق] دخل ذات مرة إلى مزرعة ورأى  طائرا يطير، فبكى بكاء شديدا حتى ابتلت لحيته. فسأله الصحابة رضوان الله عليهم ما يبكيك يا خليفة رسول الله، فأجابهم : نظرت إلى الطائر يطير بجناحيه من شجرة إلى شجرة حرا طليقا ولا حساب ولا عقاب وتذكرت وقوفي بين يدي ربي يسألني على  مثقال الذرة { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} وهذا عمر بن الخطاب يقول في أخريات أيامه: “اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي وقلت حيلتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط، اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك عليه الصلاة والسلام”. وهذا حفيده عمر بن عبد العزيز كان من قوة فضيلة المسؤولية عنده أن يقول: “إني نظرت إلى نفسي فوجدتني قد وليت أمر هذه الأمة : صغيرها وكبيرها، وأسودها وأحمرها، ثم ذكرت الغريب الضائع، والفقير المحتاج، والأسير المفقود، وأشباههم في أقاصي البلاد وأطراف الأرض، فعلمت أن الله تعالى سائلي عنهم، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم حجيجي فيهم، فخفت ألا يثبت لي عند الله تعالى عذر ولا يقوم لي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة، فخفت على نفسي خوفا دمعت له عيني، ووجل له قلبي، وأنا كلما ازددت لذلك ذكرا ازددت منه وجلا”. فخف على نفسك أيها المستشار الذي غرر به، إن أنت ضيعت الأمانة واستهنت بها وفرطت فيها وبعتها بثمن بخس دراهم معدودة، وافهم الدرس جيدا كما فهمه هؤلاء الأصحاب من أستاذ البشرية عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم حين أخبرهم: “أن أناسا يخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة”.

وفي الحديث المتفق عليه “ألا كلكم راع، وكل راع مسئول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية علىأهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”.

فعد إلى رشدك أيها المستشار الذي نال ثقة المواطنين وقدر المسؤولية التي ابتلاك الله بها حق قدرها. واعمل جاهدا ليل نهار وصباح مساء على أن تأخذها بحقها وتؤدي الذي عليك فيها. فهذا أبو ذر الغفاري رضي الله عنه يتجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطمع منه أن يوليه ولاية فيقول له يا رسول الله أ لا تستعملني؟ فضربه رسول الله على منكبه وقال له: “يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها”.

عبد السلام محسن

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>