افتتاحية – وما ذا بعد هدوء عاصفة الصراعات المصلحية؟!


انتهت أيام (الجَذْبة) الانتخابية بما سبقها من تحاملات مبالَغ فيها، وتَهيِيئاتٍ قيصرية، وما لحِقها من توزيعات للأسلاب والغنائم، لا أسَفَ فيها على صريع خسر مصلحته، وأخطأ حسابه. ولا فرح فيها بمنتصر صعد نجمه لينتفخ جيبه

لكن ماذا ربح الشعب؟

أرباح الشعب كثيرة، منها:

1- تخزين تجربة جديدة في الذاكرة التاريخية في أوائل الألفية الثالثة، وهي بالذات تجربة عبادة المال. أي تجربة الانخراط في عبادة العجل الذهبي، التي هي آخر درجة السفالة الإنسانية، وآخر درجة الهبوط في سلالم المعبودات من دون الله، فمن امتلك الذهب ذهب عيبه ولو كان من أنْتَن المخلوقات، ومن حضر فقره انسد دربه ولو كان يملك جبالا من المؤهلات

2- بدء الوعي بالعبثية الديمقراطية، التي ترجمتْها النسبة العالية للانصرافات الكلية عن المشاركة في المسرحية التي انكشفت غاياتُ مخرجيها بوضوح، فالنسبة العالية من الشعب المكمَّم الأفواه، والمغلول الأيدي والأرجل ترك الميدان للاَّعبين ليمثلوا دَوْرَ اللاعبين بأنْصاف المتفرجين أو أثْلاثِهِم.

3- انعدام الثقة فيما كان يسمى بالأحزاب العتيدة, فقد ظهر بالمحسوس أن النضال المفتخَر به لم يكن نضالا لوجه الله، ولا لوجه المصلحة العليا للأمة بمقوماتها وكياناتها، وشخصيتها الرسالية، ولكنه كان نضالا لمصلحة الحزبية الضيقة المغلقة، ومصلحة الاحتكار النفعي بمعناه المادي الخسيس

4- انكشاف الأيدي الخفية العابثة بالمصالح الوطنية

وقد تبلْور ذلك في تفريخ الأحزاب الفارغة المدلول والمحتوى، تعدَّدَتْ أشكالهم وأشباحهم، وتشابهت قلوبهم ومشاريعهم وأطماعهم وأهواؤهم

لا موجب لتأسيس أي حزب منهم إلا زيادة رقْمٍ قيمتُه كقيمة الصفر على الشمال، ولكن أهميتَه في تقسيم الشعب وتشتيت شمله كبيرة وخطيرة

5- الاقتناع التام بعدم البدء بعدُ في الخطوة الأولى على درب التقدم الصحيح، لأن البدْءَ يبدأ من تحديد الهُوية وبلورة المشروع على أساسها، وبلورة الوسائل على أساس المشروع، وتهيئة الإنسان المطلوب لإنجاز المشروع، وبلورة أعداء المشروع، وتشخيص أدوات المقاومة والصمود، وتشخيص الآماد القريبة والبعيدة لإنجاز المشروع إلى غير ذلك من الملامح الضرورية للشعور والإشعار بالبدء. أما القَفْزُ من هنا إلى هناك، ومن شعار إلى شعار، فذلك مالا يفيد مهما أكثرنا من التلميعات والتزويقات للواجهات

6- زيادة الاقتناع بأن شعبنا، وجميع الشعوب الإسلامية ليس لنا مخرج من المآزق التي أحاطت بنا من جميع الجهات إلا أن نرجع إلى صبغتنا الإسلامية التي صبغنا الله بها {صبغة الله وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَ نَحْنُ لَهُ عابِدُون} (البقرة)

فهل نتَعَقَّلُ؟ أم مازال الوقت مبكِّرا للتَّنبُّؤ بِقُرْب زمانه، نسأل الله تعالى أن يُفرِّج كربات المسلمين بالفتوحات الربانية، وأن يخفف عنهم القوارع القاصمة للظهور، بسبب الإدبار والاستغناء عن الله تعالى، وإليه المفزع في كل الأمور

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>