معنى الكهانة:
جاء في المعجم الوسيط أنَّ معنى (كَهَنَ) له يَكْهَنُ كَهانة: أخبره بالغيب فهو أَي المْمُخْبِرُ بالغيب كَاهِن ويُجمع على كُهَّان وكَهَنة
والكَاهن أَيْضاً: كُلُّ من يتعاطى عِلماً دقيقا، ومن العرب كان مَنْ يُسَمِّي المنجِّم والطبِيبَ كاهناً.(1)
وقال الدكتور وهبة الزُّحَيْلِي: الكاهن هو المُخْبِرُ عن الماضي بالظَّنِّ، والعَرَّاف هو المُخْبِرُ عن المستقبل، بالاعتماد على الجِنِّ.(2)
وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره : الكاهن: الذي يَنْتَحِل معرفة ما سَيَحْدُثُ من الأمور، ومَا خَفِيَ مما هو كائِنٌ ويُخْبِرُ به بكلام ذي أسْجاع قصيرة
مصدر الأخبار لدى الكهان:
جاء في سيرة ابن هشام: فلما تقارب أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وحضر مبعثه، حُجِبَتْ الشياطينُ عن السمع، وحِيلَ بينها وبين المقاعد التي كانت تَقْعُد لاسْتِرَاقِ السَّمْعِ فيها، فَرُمُوا بالنجوم، فَعَرَفَتْ الجِنُّ أن ذلك لأمْرٍ حَدَثَ من أمر اللَّه في العباد. يقول اللَّه تبارك وتعالى لنبيِّه حين بَعَثَهُ -وهو يقُصُّ عليه خَبَرَ الجِنِّ إِذْ حُجِبُوا عن السمع، فَعَرفوا ما عَرَفُوا، وَمَا أنكَرُوا من ذلك حين رَأَوْا مَا رَأَوْا- {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ فقالوا إنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إلى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً وَإِنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً وَإِنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإِنْسُ وَالجِنُّ على اللَّهِ كَذِباً وَإِنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً(3) وَإِنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً وَإِنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً وَإِنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً وَإِنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} (4)ل
فلما سمعتْ الجن القرآن عَرَفَتْ أنها إنما مُنِعَتْ من السمع قبل ذلك، لئلا يُشْكل الوحي بشيء من خَبَرِ السماء، فَيَلْتَبِسَ على أهل الأرض ما جاءهم من اللَّه فيه، لوقوع الحُجَّة، وقطْع الشبهة. فآمنوا وصَدَّقُوا، ثم {وَلَّوْا إلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إلى الحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيم} (الأحقاف: 30)ل
إذَن فاسْتِرَاقُ السمع هو مَصْدَرُ الخبر الْمُسَرَّب إلى الكهان، لكن هل كُلُّ ما تُوَسْوِسُ به شياطين الجن وتلقيه إلى أوليائها صحيح لا يتسرب إليه الشك، أم كُلُّه كاذب لا يُلْتَفَتُ إليه، ذلك ما يوضحه التفسير التالي؟؟ل
ذكر عبد الرزاق فيتفسيره عن مَعْمَر عن ابن شهاب أنه سُئِل عن الرَّمْي بالنجوم: أكان في الجاهلية؟ قال: نعم. ولكنَّهُ إِذْ جاء الإسلام غُلِّظَ وشُدِّدَ، وفي قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَإِنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً} ولم يَقُلْ “حُرِسَتْ” دليل على أنه كان منه شيء، فلما بُعث النبي مُلئت حرسا شديداً وشهبا، وذلك لينْحَسِمَ أمرُ الشياطين، وتخليطِهم، ولتكون الآيةُ أبْيَنَ، والحجة أقْطَعَ، وإن وُجد اليوم كاهن، فلا يدفع ذلك بما أخبر اللَّه به من طَرْدِ الشياطين عن استراق السمع، فإن ذلك التغليظ والتشديد كان زَمَنَ النبوة، ثم بَقيَتْ منه -أعني استراق السمع- بقايا يسيرة، بدليل وجودهم على النُّدُور -القلة- في بعض الأزمنة، وفي بعض البلاد
وقد سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال: {لَيْسُوا بشَيْءٍ} فَقِيلَ إِنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بالكَلِمَةِ فَتَكُون كَمَا قَالُوا، فقال: {تِلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الجِنِّ يَحْفَظُهَا الجِنِّيُّ، فَيُقِرُّهَا في أُذْنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الزُّجَاجَةِ(5) فَيَخْلِطُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ}ل
وذكر ابن اسحاق بسنده عن عبد اللَّه بن العباس عن نفر من الأنصار، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لهم: “مَاذَا كُنْتُمْ تَقُولُون في هَذَا النَّجْمِ الذِي يُرْمَى بِهِ؟” قالوا: يا نبي اللَّه، كنا نقول: مات ملك، ملك ملك، ولد مولود، مات مولود، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم “لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، ولكنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَانَ إِذَا قَضَى فِي خَلْقِهِ أَمْراً سَمِعَهُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ فَسَبَّحُوا، فَسَبَّحَ مَنْ تَحْتَهُمْ، فَسَبَّحَ لِتَسْبِيحِهِمْ مَنْ تَحْتَ ذَلِكَ فَلاَ يَزَالُ التَّسْبِيحُ يَهْبِطُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسَبِّحُوا ثُمَّ يَقُولُ بَعْضُهُم لبعض: مِمَّ سَبَّحْتُمْ؟ فيقولون: َسَبَّحَ مَنْ فَوْقَنَا فَسَبَّحْنَا لِتَسْبِيحِهِمْ. فيقولون: أَلاَ تَسْأَلُونَ مَنْ فَوْقَكُمْ مِمَّ سَبَّحُوا؟؟ فيقولون مثل ذلك، حتى يَنْتَهُوا إلى حَمَلَةِ العرش، فيقال لهم: مِمَّ َسَبَّحْتُمْ؟ فيقولون: قَضى اللَّه في خَلْقِهِ كذا وكذا، لِلْأَمْرِ الذي كان، فَيَهْبِطُ به الخبرُ من سماءٍ إلى سماءٍ حتى ينتهي إلى السَّمَاء الدنيا، فيتحَدَّثُوا به، فتَسْتَرِقُهُ الشَّيَاطِينُ بالسَّمْعِ، على تَوَهُّمٍ واختلافٍ، ثم يأتُوا به الكُهَّانَ مِنْ أهلِ الأرض فيحدِّثُوهم به فَيُخْطِئُون ويُصِيبُون، فيتَحَدَّثُ به الكهانُ فيصيبون بعضاً، ويخطئون بعضاً، ثم إنَّ اللَّه عز وجل حَجَبَ الشياطِينَ بهذِهِ النجومِ التي يُقْذَفُونَ بِهَا، فانْقَطَعَتْ الكَهَانَةُ اليومَ، فلا كَهَانَةَ” (6)
—————————
(1) المعجم الوسيط 2/809
(2) التفسير المنير 27/73
(3) الجن: من 1 إلى 10
(4) تشير الآية إلى ما اعتاده العرب من الاستعاذة بالجن، وذلك أن الرجل إذا سافر فنزل بطن وادٍ من الأرض ليبيت فيه، قال: “إِنِّي أعُوذ بعزِيزِ هذا الوادِي مِن الجنِّ الليلة مِن شر ما فيه” الروض الأنف 1/235
(5) يُروى: قَرَّ الدّجاجة، ولكن الزجاجة بالزاي أولى؛ لما ثبت في الصحيح: فيُقِرُّها في أذْن وليه كما تقر القارورة، ومعنى يُقرها: يصُبُّها ويُفْرِغها أَي كما تُفرغ القارورة وهي الزجاجة التي يُحتفظ فيها بالطيب. انظر: الروض الأنف 1/235 والمعجم الوسيط مادة (قَرَّ)ل
(6) سيرة ابن هشام من كتاب الروض الأنف 1/237