أخذ الله تعالى الميثاق علي جميع الأنبياء بالايمان بمحمد عليه وعليهم السلام،وأمرهم عزوجل أن يأخدوا الميثاق على أممهم بأن ىومنوا بمحمد عند ما يبعث : {وَ إذ أخذَ اللٌَه مِيثَاقَ النّبيين لما آتيناكم من كِتابٍ و حكمة ثم جَاءَكم رَسُول مُصَدّق لمَِا مَعَكٌم لتومنُنَّ به ولَتَنصرنه. قال آقررتم وأخذتم على ذلكم إصري؟؟ قالوا أقررنا ،قال : فاشهدوا وأنا معكم من الشَّاهِدين فَمَن تَولَّى بَعْدَ ذَلك فَأولَئِك هُمُ الفَاسِقُون}( آلعمران : 81) وأخبرنا الله تعالى عن واحد من أنبياء بني إسرائيل الذين وفَّوا بهذا الميثاق ـ كما وَفَّى به بدون شك جميع الأنبياء و الرسل قبله ـ وهو عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم ، حيث قال لقومه بني اسرا ئيل : {وإذْ قَالَ عِيسَى ابن مَرْيمَ يَا بني إٍِِِِسْرائيلَ إٍٍني رَسُولُُ اللهِ إِِِِِِِليكّم مُصدِّقاً لِمَا بَينَ يَديَّ مِن َ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُول ياتي مِنْ بعدِي اسْمه أَحمَد ُ فلمَّا جَاءَهم بِالبَيِّناتِ قالوا هَذَا سِحْرّْْ مُبِين}(الصف : 6).
ومن الأتباع الذين وفَّوا بالعهد فبشَّرُوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وآمنوا فعلا وصدقوا، أوبشَّروا وتمنَّوا أن يدركوه ليومنوا ويصدقوا، أوبَشَّروا ولكنهم عندما أدركوه غلبت عليهم شِقْوتهم فارتدوا ونكصوا نذكر :
أــ من النصارى:
• بحيرى:
كان الراهب بحيرا بِبُصْرَى من أرض الشام يُقيم في صومعة له ، وكان إليه -كما يقول ابن اسحاق- عِلْمُ أهل النصرانية عَنْ كِتاب يتوارثونه كابرا عن كابر، فلما نزل رَكْبُ تجار قريش -الذين كان فيهم رسول الله مع عمه أبي طالب- بالقرب من صومعته صنع لهم طعاما، واستضافهم جميعا، فلما رأى الراهب رسول الله وهو غلام في الثانية عشرة منعمره قام إليه فاحتضنه، وأجلسه مع القوم، ثم اختلى به وصار يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره، والرسول يخبره، فيوافق ذلك ما عندبحيرى من صفته، ثم نظر إلى ظهره، فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده، وعندما تحقق منه قال لعمه أبي طالب : (ارجعْ بابن أخيك إلى بلده واحْذَرْ عليه يَهُود، فوالله لئن رأوه، وعرفوا منه ما عرفتُ ليبغُنَّهُ شرّا، فإنه كائنٌ لابن أخيك هذا شأن عظيم ، فأسرِعْ به إِلى بلاده)(1).
وفي رواية الترمذي لهذا الحديث قال :
(فَلمَّا أَشْرَفُوا -تجارقريش- على الراهب هَبَطوافحلوا رِحَالَهُم ،فخرج إليهم الراهبُ، وكانوا قبل ذلك يَمُرُّونَ به، فلا يَخرج ولاَ يَلْتَفتُ إليهم، فجاءَ الرَّاهبُ -وهم يحلون رِحَالَهم- فصارَ يَتَخَلَّلُهم حتى جاء فأخَذَ بِيَدِ النَّبيِّ وقال: هذا سَيِّدُ العَالَين ، هذا رَسُولُ رَبِّ العالمين يَبْعَثُه اللَّهُ رَحْمَةً للعَالَمِين..)(2).
• النجاشي:
كان انصياعه للحق واضحا عندما جاء وفد قريش الكافرة -آنذاك- ليطلب منه رَدَّ المهاجرين إلى ذويهم، وطردهم من دولته، ولكنه أَصَرَّ على الاستماع إليهم ومعرفة سبب مفارقه قومهم، وهجرتهم إلى بلده ، وعندما استمع اليهم وإلى ما يقوله القرآن العظيم في عيسى \ وأمه البتول الطاهرة، قال كلمته المشهورة >ما عََدَا عيسَى ابن مَرْيمَ مَا قُلتَ هذا العُودَ< وفي شهادة أخرى له قال : >إن هذا والذي جاء به عيسَى لَيَخْرُجُ منْ مشكاة واحدة<(3).
وعندما وصل اليه كتاب الرسول كان جوابه :
>بسم الله الرحمان الرحيم إلـــى محمد رسول الله. من النجاشي الأصْحَمِ بْنِ أبْحر : سلام عليك يا نَبِيَّ الَّلهِ ورحمةُ اللَّه وبركاتُ اللَّه، الذي هداني إلى الإسلام.
أما بَعْدُ : فقد بلغني كتابك يا رسول اللَّه فيما ذكرتَ من أمر عيسى، فوربِّ السماء والارض إنَّ عيسى ما يزيد على ماذكرت، وقد عَرَفْنا ما بَعَثْتَ به إليْنَآ، وقد قرَّبنا ابن عمك -جعفر بن أبي طالب- وأَصْحَابَهُ، فأشهد أنك رسول الله صادقا مُصَدّقاً، وقد بايعتك، وبايعت ابن عمك، وأسْلَمْتُ على يديه للَّه رب العالمين، وأرسلت إليكَ ابْنِي أرْهَا بْنَ الأصْحَمِ بْنِ أَبْجَرَ، فإني لاَ أَمْلِكُ إلا نَفْسي، وإن شِئْت أن آتيكَ فَعَلْتُ يا رسُولَ اللَّه<(4).
بل نجده يَدْعو عَمْرَو بن العاص إلى الاسلام فيسلم ُعلى يدَيْه ويُهاجِرُ إلى رسول الله ،فقد طلب عمرو من الملك النجاشي أن يعطيه رسول َرَسُولِ الله ليقتلَهُ -وهو عمرو بن أمية الضَمَّرِي- فغضب النجاشي وقال له : >أَتَسْألنِي أَنْ أعْطِيك رسولَ رَجلٍ يَأْتيه النَّامُوسُ الأكْبَرُ الذي كان يأتِي مُوسى عليه السلام لِتَقْتُلهُ ؟؟< فقال عمرو بن العاص : أكذلك هو؟ قال النجاشي >وَيْحَكَ يا عَمرو!!، أَطعْني، واتَّبِعْه، فإنَّهُ واللهِ لَعَلى اُلْحقِّ، وَلَيَظْهَرَنَّ على من خَالَفَه ُ، كما ظَهَرَ موسى عليه السلام على فرعون وَ جُنُدِه. قلتُ -عمرو بن العاص- أَفَتُبَايعُني لَهُ على الاسلام؟؟قال: نَعَمْ ،فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعَهُ على الاسلام<(5).
وفي صحيح البخاري عن جابر رضي الله عنه، أن النبي قال حين مات النجاشيُّ :>مَاتَ اليومَ رَجُلٌ صَالحٌ ، فقوموا فَصلَّوا على أخيكم أَصْحَمَة< رضي الله عنه.
• سلمان الفارسي:
عندما حضر الموت راهب عمورية قال لسلمان : >واللَّه مَاأعلمُ اليوم أَحَدٌاً عَلَى مِثلِ ما كُنَّا عَلَيه من النَّاس آمُرُكَ به أن تأتيهُ، ولَكِنَّه قدْ أَظَلَّ زَمانُ نَبِيٍّ، وهو مَبْعوثٌ بدين ابْراهيم عليه السلام ، يخرجُ بِأَرضِ العَرَبِ، مُهَاجَرُهُ إلى أرضٍ بين حَرَّتَينِ، بينهما نَخْلٌ، به علاماتٌ لاَتخْفَى، يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، وبين كتفيه خَاتمُ النُّبُوة، فإِن اسْتَطعْتَ أَنْ تلحقَ بتلك البلاد فَافْعَلْ< وقد التحق سلمانُ فعلا و أسْلَم(6).
• ورقة بن نوفل:
قال ورقة للرسول >يا ابْنَ أخي ماذَا تَرى؟؟ فَأَخْبَره رسول الله بِخَبَرِ ما رأَى، فقال لَهُ ورقةُ : هذا النَّامُوسُ الذي نزَّلَ اللهُ علَى مُوسى، يَا لَيْتَنِي فيها جَذَعاً، لَيْتَني أَكونُ حيَّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فقال رسول الله : أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ ؟؟ قال نعم لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بمثْلِ ما جِئْتَ به إِلاَّ عُودِي َ، وإنْ يُدْرِكْنِىَ يوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مؤزّرا. ثُمَّ لمْ يَنْشَبْ وَرَقة أن تُوفِّي، وفَتَر الوحْيُ(7).
——————
1- سيرة ابن هشام انظر الروض الأنف 206/1.
2- الراهب هنا هو نفسه المذكور في سيرة ابن هشام، واسمه <جرجيس< ولقبُه >بَحِيرا< كان عالما بالنصرانية انظر الروض الأنف 206/1.
3- ابن اسحاق.
4- ابن اسحاق، ص 341.
5- انظر ابن اسحاق، قال محمد رضا : وفي إسلام عمْرو لطيفةُ وهي : أن صحابيا أسلم على يد تابِعِيّ، ولا يُعْرف مثله.
6- انظر ابن اسحاق في الروض الأنف 249/1.
7- روى الحديث البخاري عن عائشة انظر التاج الجامع للأصول 254/3.