الثقة في الله


هذا المقال ملخص لمحاضرة  من سلسلة “حتى يغيروا ما بأنفسهم” للأستاذ عمرو خالد التي ألقاها على الفضائيات يوم السبت  26/3/2003

بعد ان تضرعنا جميعا ونتضرع كل يوم …. هل تصورتم ان هذا السيل من المطر الذى ينزل على البلاد العربية فى غير موعد صدفة .. والعواصف الترابية وأخطاء الميكنة الحربية فتضرب الأسلحة بعضها بعضا ….. لقد دعونا المولى سبحانه وتعالى وأراد أن يجبرخاطرنا بعطاء من عنده يخفف عنا ولو قليلا . اذن يجب أن نثق فى الله وهذا هو ما سنغيره فى أنفسنا من الآن ان نثق فى الله ثقة بلاحدود.. ثقة يقينية …. ثقة عالية جدا .. وألا نربطها بالنتائج، بمعنى إذا أعطانا الله نثق فيه سبحانه .. لا ..لا … الثقة واليقين بالله لا علاقة لها بالنتائج … نثق فى الله لأنه الله القادر المقتدر … الكون كله بيمينه بين الكاف والنون …

المؤمن حين تظلم الدنيا ويبدو للناظر أنه لم يعد هناك أمل تزداد ثقته بالله …. ويقول لبيك وسعديك الخير كله بيديك والشر ليس إليك ..

يا ترى أما زالت ثقتنا مرتبطة بالنتائج ؟ هل إذا تغيرت النتائج  تتغير ثقتنا فى الله ؟ يا جماعة ثقتنا فى الله فيها مشكلة … فيها هزة يجب ان نتخلص منها ..ومن أجل قانون حتى يغيروا ما بأنفسهم…. نستغفر الله العظيم من ذلك، ولكن هناك مشكلة : أصبحت الثقة بالأسباب والنتائج أكثر … يجب أن يتغير هذا، فالله سبحانه هو رب الأسباب وهو سبحانه لم يتركنا بل يعلمنا الثقة فيه عن طريق بعض المواقف التى تتغير فيها نواميس الكون … الكون فيه نواميس وقوانين ثابتة، لكن فى مواقف معينة يغير رب العزة القانون حتى يعلمنا الثقة فى ذاته. سيدنا إبراهيم ألقاه المشركون فى النار، فماذا حدث؟ أتته النجاة من قلب التهلكة . >وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين …< كان من الممكن ألا يمكنهم منه وينقذه أصلا من السقوط فى النار، لكن لا، هذا درس فى الثقة بالله .. من ذا يستطيع أن يخاطب النار ويغير من وظيفتها .. {قلنا يا نار كونى بردا و سلاما على ابراهيم}.

نموذج آخر لخرق القوانين :

تخرج النبوة من قلب الكفر : سيدنا موسى تربى فى بيت فرعون الذى يقول للناس {انا ربكم الأعلى} حين يصيب الناس العطش ويرفعون أيديهم الى السماء طالبين السقيا، من الطبيعى ان ينزل المطر منهمرا، ولكن هذه حالة خرق الله لنا فيها النواميس ليعلمنا أن نثق فيه وفيه سبحانه فقط : {واذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر} يضرب الحجر بالعصا المفروض ان تنكسر العصا ولكن ربنا احدث امرا آخر : {فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل اناس مشربهم}… انظر كمية الماء ووصفها بأنها انفجرت، سبعون الف شخص مع سيدنا موسى شربوا من الحجر.

تعالوا نغرس الثقة بالله فى نفوسنا .. تعالوا نزرعها بشدة حتى لا تقتلعها أي مشاكل ..الرسول كان يعلمها للعباس وهو غلام : قال  للعباس : واعلم ان الأمة لو اجتمعت على ان يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك واعلم انهم لو اجتمعوا على ان ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك.. الله سبحانه يريد أن يعلمنا الثقة فيأتى بأشياء مختلفة : يحيي الميت بالميت >واذ قتلتم نفسا فادارئتم فيها و الله مخرج ما كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى و يريكم آياته لعلكم تتقون …< قصة البقرة التى نعرفها، بنو اسرائيل عندهم قتيل ولا يعرفون قاتله فأمرهم الله ان يضربوه بجزء من البقرة المذبوحة. ربنا يغير أصل الأشياء لنعلم ونثق أنه يملك الأشياء ..

الأصل فى السكين الذبح و لكنها لم تذبح اسماعيل .. الأصل فى النار الحرق ولكنها لم تحرق ابراهيم… يجب ان نثق فى الله ونثق انه قادر على كل شئ … احيانا يرسل الله النصر على يد الأعداء من حيث لا نتصور يأتينا النصر .. هل تعرفون لماذا اسلم اهل المدينة .. كان اليهود المقيمون معهم وهم أهل كتاب يهددونهم بهذا النبي الذى سيظهر وانه سيبيدهم ابادة قوم عاد وإرم … فلما ظهر النبى ولكن من العرب لم تتبعه اليهود تكبرا ولكن عرب المدينة دخلوا جميعا فى الإسلام لأنهم كانوا مهيئين نفسيا لهذا الظهور وهذا الاتباع ..

قال لى شاب كلمة أعجبتنى جدا قال : إنهم بقتل إخواننا يحيون فينا ديننا …

هل مازالت الثقة فى الله مهزوزة ؟؟ اسمعوا معي هذه الآيات : {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}(المدثر : 31).

{وَعِندَهُ مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِين}(الأنعام : 59).

تصوروا حبة الرمل فى الصحراء الواسعة إذا تحركت أي حركة يعلمها الله سبحانه وتعالى والورقة التى تسقط من أى شجرة يتابع سقوطها و يعلم إلى اين تستقر … شئ غريب وكبير .. هل تخيلتم كيف يمسك الله الكون كله بإرادته وعلمه

وإليكم هذه الآية : {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}(الزمر : 42).

ومن هنا كان دعاء الاستيقاظ الذى علمه لنا النبى : الحمدلله الذى أحيانا بعد ما أماتنا واليه النشور…

وآية أخرى :{ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكتاب كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِين}(الأنبياء : 104).

وهذه الآية : {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون}(الزمر : 67).

أتشعرون … أتشعرون بعظمة مالك الملك سبحانه وتعالى …

{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(آل عمران : 26).

من يملكنا؟؟؟؟ الله .. من يملك كل ما حولنا وبالتالى لا يعجزه شئ و لا يخفى عليه شئ .. الله .. لو عندك هذا اليقين تتغير حولك أشياء كثيرة.

وسنعطى مثالين لأصحاب الثقة الكبيرة واليقين الذى لا يتزعزع :

رسول الله  مع سيدنا أبي بكر فى الغار لو مد أحد الكفار يده بالسيف ولو عفوا سيقتل أبا بكر .. لو نظر تحت قدميه لرآهما .. فماذا يكون رد رسول الله : مارأيك بإثنين الله ثالثهما : { إِذْْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(التوبة : 40).

هذه ثقة حقيقة

مثال آخر كبير وعظيم جدا … سيدنا موسى يهرب من فرعون و جنوده، و فجأة يجد أمامه بحراً عريضاً كبيراً ويلتفت فإذا بجيش فرعون يكاد يلحق به ويقضي عليه تقتيلا هو ومن معه … طبعاً بنو اسرائيل قالوها بالمنطق : انا لمدركون …. ما العمل، البحر أمامهم والعدو وراءهم، ولكن صاحب العزم من الرسل قالها بكل بساطة، بساطة من يعرف قدر إلهه الذى اتبعه، ويعلم انه الحق، قال : كلا {إن معى ربى سيهدين} … لم يفكر سيدنا موسى فى كيفية النجاة ولكنه كان واثقاً منها ….

سيدنا نوح أخبره الله أنه لن يؤمن إلا من قد آمن وأمره بصنع الفلك … تصوروا رجلا يصنع سفينة في الصحراء …يزرع شجراً وينتظر نموه ثم يكسر منه خشب المركب …. فى الصحراء … أهذه هى وسيلة النجاة؟ … نعم

إن صحراء نوح هى صحراء الواقع الذى نعيشه الآن، فهل نصنع سفينة ثقة و يقين كالتى صنعها نوح لننجو؟ إنها املنا فى الإنقاذ، الثقة بالله وبقدرته وسيطرته وقيوميته على كل الأسباب والمسببات …. اللهم امنحنا يقينا يعمر قلوبنا ويقوينا على ضعف نفوسنا

أنظر : www.Amrkhaled.net

ذ. عمرو خالد

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>