في رحاب السنة – وقفات تربوية نبوية في إعداد المرأة


قال رسول الله   في رواية للبخار ي: يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار، فقلن : وبم يا رسول الله؟ قال : تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من  إحداكن. قلن : وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال : أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن : بلى. قال : فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تُصَلّ ولم تصم؟ قلن : بلى، قال : فذلك من نقصان دينها<(رواه البخاري)

نقف مع هذا الحديث بعض الوقفات، لنرى مافيه من أمور تربوية، وإشارات للقيم التي ينبغي أن تصبح أساسا في إعداد النساء، وتحديد مسؤوليتهن في هذه الحياة.

1- لم تكن المرأة منزوية في بيتها، بعيدة عما يجري في مجتمعها الذي تكون في المدينة المنورة بعد هجرة المسلمين إليها. فالمرأة مع الرجل يصنعان هذا المجتمع الوليد على هدي هذا الدين الجديد وكلاهما يهمه أن يسمع ما ينزل من الوحي، أو يصدر عن رسول الله  لتتحول هذه النصوص إلى حياة حقيقية فاعلة، ولذلك كانت النساء تحضر الجُمَعَ والجماعات، وتسمع خطب رسول الله  وتوجيهاته ومواعظه، وتتلقى أوامره وتعليماته.

وهذا يوم عيد- وللمسلمين عيدان هما الفطر والأضحى- حيث حضر المسلمون صلاة العيد، ثم استموا إلى خطبة رسول الله في هذه المناسبة.

وكان مضمون هذه الخطبة كما وصفها راوي الحديث الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري حمدُ الله عزوجل،والثناء عليه بما أنعم وتفضل، ثم وعظ المسلمين بما يناسب الموقف، من تذكيرهم بفضل الله عزوجل عليهم، ومسؤوليتهم وواجبهم نحو ربهم ودينهم ومجتمعهم، وتذكيره بما عليهم من واجبات، وحثهم على طاعة الله  عز وجل، والتزام أمره، واجتناب نواهيه…

وكان في خطبته هذه، يتوجه إلى جميع المصلين من الرجال والنساء ويعظ فيما قال الجميع على السواء.

2- ومع ذلك فقد توجه رسول الله  إلى النساء ليخصهن بخطبة أخرى، فيها مافيها من المواعظ والأوامر ا لتي تهم النساء فقط، لما فيها من التأكيد على الأمور التي وردت في خطبته الأولى.

وهذا التخصيص للنساء يدل على أهمية المرأة في المجتمع، وأثرها في مسار الدعوة وصلاح الأجيال، ومسؤوليتها التي تجعلها أهلا للمكانة التي أعطيت لها . كما تشير إلى  خطورة الظواهر التي تبدأ من المرأة ثم تكبر وتستفحل حتى تصبح مشكلة اجتماعية، أو خطرا محدقا بالأمة، أو مرضا يقتك بأوصال الأجيال.

3- كان مضمون خطبته  كما وصفها راوي الحديث ]مشابها لمضمون خطبته الأولى، من البدء بحمد الله والثناء  عليه، والوعظ والتذكير… ولكنه زاد في هذه الخطبة أنه  أمرهن بتقوى الله، لتأكيد ما ينبغي لهن أن يفعلن أو يتجنبن، ولتأكيد الأساس الذي يوزن به المسلم – والمرأة بالذات- أعماله، والمنهج الذي يضمن استقامة العمل وهو تقوى الله، حيث يتميز المسلم- من دون الناس- بهذه الخاصية، في التماسه مرضاة  الله عزوجل في كل عمله، وحرصه على تقواه. والتقوى تدفعه لأداء واجبه، وطاعة ربه، كما تمنعه من اقتراف المعاصي، أو الاقتراب من المحرمات والشبهات.

تقوى الله حصن يحمي المسلم من المنكر والخطأ والعبث، لأنها ميزان دقيق وواضح وسهل، كما إنها سبيل مأمون وناجح في تحقيق الغايات.

والمرأة التي تغلب عليها العاطفة وشدة التأثر، وسرعة الانفعال، وكثرة التقلب، المرأة بحاجة إلى هذا الحصن والميزان لكي تُقوِّم أعمالها، وتؤدي واجباتها. فلهذا أمرهن رسول الله  بتقوى  الله تأكيدا، وتخصيصا، ووعظهن، وحثهن على طاعة الله.

4- انتقل رسول الله  إلى تخصيص أوسع وأدق عند النساء، وبادرهن بالإخبار عن حقيقة ربانية أعلمه بها ربه سبحانه وتعالى أو أراه إياها عيانا، كما ورد في رواية البخاري ” فإنيأريتُكُنّ أكثر أهل النار” أو في غيرها” فإن أكثركن حطب جهنم” أو ” فإنكن أكثر أهل النار”.

وهذه الحقيقة التي لايأبه بها الناس، ترتجف لها أوصال المؤمن وتهيج منها نفسه وقلبه، وتتحول حياته إلى  خوف وفزع وهلع. لأن المسلم يعلم يقينا، بأن الله عزوجل هو الخالق، وهو الرازق، وهو المحيي، وهو المميت، وبيده كل شئ. كما إنه رؤوف رحيم وعذابه عذاب أليم، ومايعد به يأتي يقينا لالين فيه.

وجهنم – ما جهنم عند المؤمن- وعند المرأة بالذات؟ هذه النار التي لانار مثلها ولا حريق مثلها، ولاألم كألم المعذبين بها، جهنم هذا المصير المفزع الذي يتوعد الله به الكفار والمشركين والعصاة فتنخلع قلوب العاقلين، ويحس لهيبها المتقون، فيرجفون إلى الله تائبين مستغفرين، ويعودون إلى الله طائعين.

والرسول  يقول للنساء المؤمنات الطائعات ا للواتي أتين لصلاة العيد، وسماع خطبته ومواعظه، يقول لهن ” فإن أكثركن حطب جهنم” ” وأكثر أهل النار” والمراد بذلك ليس من حضر من النساء، وإنما جنس النساء كلهن، وهذا سيثير اهتمامهن، ويجعلهن أكثر تطلعا وحرصا على معرفة الأسباب التي تؤدي بهن إلى النار، وتجعل منهن حطب جهنم. ولدى سماعهن هذه العبارة ستتوفز أحاسيسهن كلها، ويتفتح وعيهن كاملا لمعرفة السبيل إلى النجاة من هذا المصير، والفوز برضوان الله عز وجل وتحقيق معنى الإيمان، وسبيل التقوى العملية.

5-وتتساءل الصحابيات، وهن رسل النساء إلى رسول الله  وخيارهن في جميع العصور، عن سبب كثرتهن في النار.

فوضح لهن رسول الله  أهم الأسباب التي تتناسب مع طبيعة المرأة، وتلازمها وتخصها، فتركن النساء لذلك وتنساق مع هذه الصفات السالبة حتى ترديهن في النار.

” إنكن تكثرن الشكاة” : فالمرأة دائمة الشكوى، إلا من رحم ربي، كلما نالت شيئا طلبت آخر، وكلما حظيت من زوجها بشئ طالبته بأمر جديد، وحينما تعجز عن الوصول إلى ماتريد، تظهر الشكوى، فتبكي وتشتكي، وتندب حظها العاثر، وحرمانها  الدائم، وقلة ما يصنع لها الزوج، وكثرة مايمنعها منه.

وكذلك لو كانت في العمل، أو في البيت، فإن من طبيعتها أن تشكو التعب، وكثرة الواجبات، وقلة الراحة، وانعدام السعادة، الشكوى تكاد تكون ملازمة لأنفاس المرأة وتفكيرها وأحاسيسها.

والمؤمن لا ينظر إلى من هو أعلى منه، ولايتحسر على مايعجز عن تحصيله، وإنما يشكر الله ويحمده على ما أعطاه إياه، وأنعم به عليه، ويسعى وهو راض ومطمئن لتحقيق الأفضل والأحسن بدون لاحسرة ولاندم، وإنما بثقة وطمأنينة وجد حتى يحصل على مايريد.

ولا غرابة في ذلك، فأمهات المؤمنين اجتمعن ليسألن رسول الله زيادة النفقة، وهن في هذا المقام الذي لم تصله نساء الدنيا، وبهذا التكريم الذي جعلهن أمهات لكل المؤمنين إلى يوم الدين، ومن فضليات النساء في كل العصور. إنهن قرينات خاتم الأنبياء والمرسلين، وفيبيوتهن يصنع التاريخ الجديد، وتتصل الأرض بالسماء، ويتنزل الوحي، وتصدر أخطر القرارات والأحكام التي ستقلب وجه الدنيا.

ومع ذلك تطلعن إلى  متاع الدنيا الزائل، ونسين أن كل حركة أو عمل من أعمالهن سيغدو للمسلمين جميعا مثلا وقدوة : {يانساء النبي لستن كأحد من النساء، إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وقلن قولا  معروفا. وقرن في بيوتكن ولاتبرجن تبرج الجاهلية الأولى ، وأقمن الصلاة، وآتين الزكاة، وأطعن الله ورسوله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. واذكرن مايتلى  في بيوتكن من آيات الله والحكمة، إن الله كان لطيفا خبيرا}(الأحزاب 32- 34)

ولهذا خيرهن رسول الله بين متاع الدنيا وزينتها، وما عند الله عز وجل وعند رسوله  فاخترن ما عند الله ورسوله، وأصبحن المثل والقدوة لنساء الإسلام في كل العصور.

وإن الآيات السابقة تحدد المنهج السوي للمرأةالمؤمنة، والطريق الذي يجعلها أهلا للمكانة الكريمة، والمسؤولية العظيمة التي تحملها في المجتمع.

فلا غرابة بعد ذلك أن نرى هذه الشكاة عند النساء، وأن تتعاظم وتتكاثر كلما ابتعدت المرأة عن منهج الله، أونسيت أن طريق التقوى هو طريق الشكر والنعمة، والرضى بما يقدره الله والطمأنينة إلى ذلك. والقيام بالواجب، ومعاشرة الزوج والسهر على  الأسرة وتربية الأبناء وإعداد الجيل إعدادا صالحا واعيا.

وجاء في رواية البخاري رحمه الله : “تكثرن اللعن” وهذا أشد من الشكاة، لأنه يصل بالمرأة إلى الضجر والتأفف مما هي فيه، والمرارة مما لم تحصل عليه، فتلعن حالها، وتشتم مآلها وتخرج عن نظرتها السوية.

 ذ. محمد حسن بريغش

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>