خطب منبرية – لماذا كانت الهجرة؟


الحمد لله الذي جعل هجرة المعاصي والمنكرات أساس الفلاح والنجاح. أشهد أن لاإلاه إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خير من هاجر في سبيل الله لإقامة الدين وتشييد صروحه الشامخة صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فبمناسبة دخول العام الهجري الجديد نود أن نعيش لحظات مع هذه المناسبة السعيدة, مبتدئين ب :

معنى الهجرة:

الهجرة لغة هي  الترك، هَجَرَ الضَّحِك : تركه، وهجر الوطن : تركه وغادره لبلد آخر.

لكن الهجرة المعروفة في الاسلام هي : ترك بلد السكن لبلد خاص ولهدفٍ خاص,ٍّ أي المقصود بالهجرة هجرة الرسول  من مكة للمدينة, وهجرة المسلمين من مكة وغيرها للمدينة.

أما الهدف من وراء هذه الهجرة فهو نصرة الله ورسوله قال تعالى : {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله}(سورة الحشر).

وقال  : >إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله<.

والهجرة لهذا الهدف تعتبر من أفضل العبادات والقربات, ولذلك فهي تحتاج للإخلاص, ولهذا قال  :” فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله” أي فهجرته ماضية مقبولة مسجلة له في حسنات أعماله.

وللحرص على خلوص الهجرة من الشوائب نجد أن الله تعالى أمر رسوله  والمؤمنين بامتحان النساء المهاجرات, قال تعالى {ياأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المومنات مهاجرات فامتحنوهن.. }

وقد كانت المرأة إذا أتت النبي  حَلَّفَها بالله : “ماخرجت من بعض زوج, وباللَّه ما خرجتْ رغبةً بأرض عن أرض, وبالله ماخرجت التماسَ دنيا, وبالله ماخرجت إلا حبًّا لله ورسوله” رواه ابن جرير, والبزار وغيرهما.

 حكم الهجرة:

كان حكم الهجرة للمدينة قبل فتح مكة ألوجوب الذي لاترخيص فيه إلا للعاجزين عن الهجرة, ومن لم يهاجر وهو قادر لاحق له قي ولاية المسلمين ونصرتهم , أي يعتبر ساقط الاعتبار لأنه ليس عضوا كامل العضوية في المجتمع المسلم. قال تعالى : {والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق}(سورة الأنفال).

بل يصل الأمر إلى درجة كبيرة من الخطورة, حيث نجد أن الله تعالى توعد المُعْرِض عن الهجرة -وهو قادر عليها- بسوء المصير في الآخرة إذا  أدْرَكَه الموت قبل الهجرة. قال تعالى : {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا : كنا مستضعفين في الأرض قالوا أ لم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فاولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولايهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم}(النساء: 95).

لماذا شرعت الهجرة؟

إن الرسول  لم يخرج للهجرة فارا ولا هاربا, ولا خائفا, ولكنه خرج بأمر الله تعالى وفي حمايته لعدة حكمٍ منها :

1- التمحيص : فاللله تعالى جعل من سنته الثابتة الاختبار والامتحان للمومنين لتزكيتهم وترقيتهم {ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون}(سورة العنكبوت) ولقد أوذي الرسول والمومنون بأشد أنواع البلاء فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا, ثم كانت مفارقة الوطن قمةَ الامتحان إذ فيها يتحقق التجرد التام لله تعالى, والعبودية الكاملة لله تعالى, والطاعة المطلقة لله تعالى, {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يا تي الله بأمره والله لايهدي القوم الفاسقين}(سورة التوبة).

2- التخلص من الظلم قال تعالى : {والذين هاجروا في الله من بعدما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون} (النحل : 24).

3- إقامة الدين كاملا : في مكة كان يقام الركن الأول من الاسلام وهو ” لاإله إلا  الله محمد رسول الله” أما الركن الثاني وهو الصلاة فقد كانت تؤدى على خوف وفي استخفاء, وبدون آذان ولا مسجد ولا  جماعة ولا جمعة. أما الأركان الأخرى فلا وجود لها, فلا صيام, ولا زكاة ولاحج, كما أنه لاوجود للمجتمع المسلم المنظم على أساس الإسلام, ولا وجود للتشريع المنظم للاقتصاد, والسياسة, والفصل في الخصومات والنزاعات, ولاوجود للتشريع المحرم للمنكرات المفسدة للعقل والنفس والعرض والمال.

فكان لابد من الهجرة لإقامة الدين كاملا حتى إذا قال الله تعالى للمسلمين ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” سورة المائدة 4 . يكونون قد رأوه كامل البناء, ليبلغوه كما رأوه وعرفوه وتدينوا به, وبذلك تقوم الحجة على الناس.

4- حماية الدين : في مكة كان سلاح المقاومة للشرك هو الصبر, والثبات, وملازمة الصلاة وتلاوة القرآن الذي هو أكبر زاد للمسلم في كل الأحوال وبالأخص في الشدائد. فكان الله تعالى يقول لهم : {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} (سورة النساء : 76).

ولكن بعد الهجرة قال لهم الله تعالى : {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا} (البقرة : 190)

فلا معنى لأن يبقى المسلمون دائما في حالة الاستكانة والذل بدون الدفاع عن أنفسهم ودينهم, وتلقين الأعداء دروسا في البطولة والفداء لتقوم دولة الحق شامخة وسط الكفر والكافرين, تهدي الحائرين, وترشد الضالين التائهين.

اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك, نسألك أن ترزقنا الثبات على الاسلام حتى نلقاك وأنت راض عنا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين.

üüüüüüü

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيآت أعمالنا من يهده الله فلا مضل له. أشهد أن لا إله الا الله.

وبعد :

فأما ثمار الهجرة فتتمثل في تحقيق وعد الله تعالى للمؤمنين الصابرين المحتسبين من الاستخلاف في الأرض, والتمكين للدين, وإيجاد مجتمع صالح, ودولة نموذجية لاتسعى إلا لإقامة العدل بين الناس, وتوفير الحرية والكرامة لكل الناس بدون مَنٍّ أو اغترار وتكبر, قال تعالى :

{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لايشركون بي شيئا}(النور).

أما وظيفة المؤمنين الممكَّن لهم فقد رسمها الله تعالى في قوله : {الذين إن مكناهم في الارض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وللهعاقبة الأمور} ( الحج : 39)

أيها المسلمون : الهجرة بمعنى  الانتقال للمدينة انتهت بعد فتح مكة ولكن الهجرة بمعنى  الجهاد للنفس والهوى وكُلِّ المتربصين بهذا الدين باقية ٌإلى يوم الدين. قال  : “لاهجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية” وقال : ” المهاجر من هاجر ما نهى الله عنه, والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم” أو كما قال  .

فهل نحن اليوم في هذا المستوى  المطلوب من الفهم للدين, والفهم للهجرة, والفهم للمسؤوليات الملقاة على عاتقنا ونحن نقول صباح مساء : لاإله إلا الله محمد رسول الله.

هل نحن نؤدي حق الإقامة على الأرض التي ملكنا الله إياها, وأقامنا فيها؟! هل نقيم الصلاة حقا؟! هل نؤدي الزكاة حقا؟! هل نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر حقا؟! هل نقيم العدل بين الناس حقا؟! هل نمتلك الإرادة لاتخاذ القرار المستقل في شؤون تعليمنا؟ وأسرنا؟ واقتصادنا؟ وثرواتنا؟ وشغلنا؟ وحكومتنا؟!.

ألا يتفشي الظلم الفاحش المتفحش في مستوياتنا العليا والدنيا؟؟؟ ألا تتفشى المنكرات في البيوت والشوارع بدون رقيب ولاحسيب؟؟؟ ألا تتفشى العصابات الإجرامية المنظمة بمدننا؟؟ من يحميها؟؟ من هم المجرمون الكبار الذين يخططون لتدمير بنياتنا الفوقية والتحتية؟؟

أسئلة كثيرة تستحق منا الوقوف عندها لنراجع حسابنا مع الله, ونستأنف هجرة جديدة إلى الله تعالى  بنية خالصة وقلوب صافية عسى الله أن يبدل ما بنا من الصغار والهوان ويحمينا من طغيان المجرمين الظالمين.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>