ألم.. قلم – عقلاء الناس ومجانينهم


اعتاد الناس وتعارفوا منذ القديم على أن العاقل هو الذي يتميز بحسن السلوك، والتصرف والتدبير والتفكير، وأن المجنون أو الأحمق هو الذي يتميز بخلاف ذلك، أُقِرت قاعدة أن “أفعال العقلاء تصان عن العبث”.

ومنذ القديم تعارف الناس أجمعون على أن العاقل لا يمكن أن يقوم بفعل يفعله الحمقى، وأن الأحمق لا يمكن أن ينجز عملا ينجزه عادة العقلاء. ولذلك كان العقل دائما شرطا أساسيا في كل تكليف شرعي إسلامي.

ومعنى ذلك أن العاقل له حق التصرف والفعل ما دام تصرفه أو فعله يوصف بالعقلانية ويقف عند حدود العقل، ولا يتجاوز ذلك إلى ما يمكن أن يوصف بالحزق أو الجنون أو الحمق. وأحسب أن النظرة يتفق عليها جميع العقلاء في العالم.

لكن الذي يحدث في عصرنا الحاضر عكس ذلك تماما، سواء أتعلق الأمر بالأفراد أم المجتمعات والجماعات أم الدول.

حينما قام اليهود بإحراق المسجد الأقصى، نسبوا فعل ذلك إلى أحمق مجنون، ومن تم سقطت التهمة وسُكِت عن الاعتداء وكأن شيئا لم يقع.

لكن حينما رد المقاومون الفلسطينيون فرادى على هذا العمل الإجرامي بعملياتهم الجهادية لم ينسبهم أحد إلى الحمق، بل وُصِفوا بأشنع الصفات، وأُنزِل بهم أشد العقاب.

ومرت أحداث جسام على مستوى العالم، أغلبها كلما كان فيها الفاعل نصرانيا أو يهوديا نسب إلى الحمق والجنون، حتى وإن كان ضحاياه بالمئات، لكن إن كان الفاعل مسلما وصف بكمال العقل وتمام الرشد، وحوسب أشد الحساب، وبُحِثَ عن الجهات التي تقف خلفه حقا أو باطلا لكي يفرض عليها الحصار أولا ثم تستأصل ثانيا.

وفي هذه الأيام بالذات نرى مشهدين متناقضين بالذات وفي منطقة واحدة :

< مشهد العراق المحاصر المستعبد المستذل، الذي خضع رغم أنفه لجميع قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وما يلحق بهما، بما في ذلك تحليق طائرات التجسس فوق أراضيه بكل حرية واطمئنان.

< ومشهد دولة إسرائيل في فلسطين المحتلة، حيث تستباح الأرض، ويُهتك العرض، وتسفك الدماء، ويقتل الأطفال، وتشرد الأسر وتهدم المنازل، وتداس الكرامات وتخرق حقوق الإنسان والحيوان والجماد والأرض والجو والبحر، ولا يستجاب لأي قرار دولي أو أممي أومن مجلس الأمن. ومع ذلك يعيش اليهود في فلسطين آمنين مطمئنين من كل فرق تفتيش أو بعثة أممية، أو فرق تجسس عن طريق الطائرات أو السيارات.

فهل هذا يعني أن دولة العراق “دولة عاقلة” ينبغي محاسبتها على عقلها الذي جعلها تملك أعصابها وتبيح أرضها وجوها لفرق التفتيش والتجسس حتى إذا اطمأنت أمريكا تمام الاطمئنان على فراغ أرض العراق من الأسلحة الرادعة، وحددت مكان الأسلحة العادية، سهل عليها الانقضاض على أرض العراق، انقضاض الأسد الكاسر والذئب الماكر، لتفرض على المنطقة أنظمة جديدة على غرار ما حدث في أفغانستان، حتى تتمكن من الاستحمام في برك النفط بكل اطمئنان، وتحاصر دول المنطقة من كل جانب. لتأتي هي الأخرى لقما سائغة واحدة تلو الواحدة.

وهل هذا يعني أيضا أن إسرائيل “دولة حمقى”، يشفع لها حمقها بأن تفعل ما تشاء، في فلسطين ولبنان وسوريا، وأن تملك أسلحة الدمار الشامل والتخريب الكامل دون مراقبة أو محاسبة من قبل أمريكا أو أي هيئة دولية أو غير دولية، وأن تنشر الرعب والخراب والدمار في كل شبر من أراضي فلسطين، أن تكمم الأفواه وتكبل الأيدي حتى لا يتحرك حكام العرب والمسلمين، لا في قمة، ولا في غير قمة. لا لشيء إلا لأن ما يحدث في فلسطين من دمار وخراب وتقتيل من فعل الحمقى، وأفعال الحمقى عبث في عبث. وبما أن العرب عقلاء، فإن أفعالهم تصان عن العبث.

د. عبد الرحيم بلحاج

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>