افتتاحية: هل هي محاكمة القوانين الذكورية أم دعوة لتأسيس استبداد نسوي مدمِّر؟


إن المُهْلة التي أُعْطيت لأعضاء اللجنة الاستشارية المكلفة بالنظر في مدونة الأحوال الشخصية قَصْدَ اقتراح التعديلات التي تراها كفيلة بسدِّ بعض الثغرات الموجودة في قوانين الأسرة، ستنتهي هذه المهلة في آخر شهر دجنبر من هذه السنة.

ولإحداث ضغط سياسي بعيد عن النزاهة التامة في ابتغاءالمصلحة الوطنية العامة انعقدت بالرباط محاكمة رمزية للقوانين الذكورية المتخلفة في المحكمة النسائية السابعة، تدارس الجمع النسوي فيها المشاكل الأسرية التي يغرق فيها مجتمعنا برجاله ونسائه على مختلف الأصعدة والمستويات، ومختلف أنواع المآسي والتحديات.

ولا يهمنا التعرض للمطالب التي صدر الحكم بها لرفعها إلى الجهات المعنية بقضية الأسرة وحقوق الإنسان، فذلك أصبح معروفا منذ تَنَزَّلتْ مرجعياته في نيروبي وبكين ومؤتمر السكان بالقاهرة. وإنما الذي يهمنا هو الأجواء التي سادت المحاكمة الاحتجاجية، حيث تعطي انطباعات كثيرة منها :

1) إذا كان الاحتجاج على التخلف، فقد ساهم في صنعه الرجال والنساء على السواء، واكتوى بنار مصائبه الرجال والنساء على السواء.

2) إذا كان الاحتجاج على الإسلام فالإسلام بريء من ظلم الإنسان سواء كان رجلا أو امرأة، كافراً أو مومنا:ً، ومسؤولية الابتعاد عن مبادئه التي وحدها توفِّر السّكن والاطمئنان للأسرة هي مسؤولية الرجل والمرأة على السواء، فلماذا التغنِّي بالفقه الذكوري، والظلم الذكوري، والاستبداد الذكوري، فالرجل هو تربية المرأة أولا وأخيراً، إن ربَّتْه تربية صالحة كان المجتمع صالحا، وإن ربَّتْه تربية معوجة بعيدة عن خلُق الإسلام وتعاليمه كان المجتمع فاسداً منحرفا.

3) أَلم يَحِنْ الوقتُ لتعْرِفَ بعض نُخَبِنا النسوية أن خطاب التغريب أكل عليه الدّهر وشرب، وأن الشعب المغربي هو شعب مسلم بفطرته وتاريخه، وإذا كان في المجتمع عيوب -وهي موجودة قطعا- فإن ذلك يرجع للابتعاد عن الإسلام وليس للانتماء للإسلام، والحَلُّ يكمُن في الدّعوة للرجوع للإسلام روحاً وجوهراً، تطبيقا وتخلقا.

4) ألم يحن الوقت أيضا لتعْرِف بعضُ نُخبِنا النسوية أن التعقيدات التي يَسْعَيْن إليها من وراء إحداث ترسانات فقهية لضمان حقوق المرأة -في نظرهن- هي في نفس الوقت سُدُودٌ كبيرة لإغراق المرأة وإشقائها بحرمانها من حقِّها الطبيعي في الزواج، فأي رجل يستطيع المغامرة بزواج يُدْخِله في صراع أُسَري لا فكاك له منه إلا بالطلاق المعقَّد أو القتل الشيطاني الممهَّد؟؟

5) لقد كان الختام بالكلمة النارية للرئيسة : >فَلْتُبْعِدُونا عن حساباتكم وخلافاتكم، مشاكلُنا لن تَنْتظِر توافقاتكم< دَالَّةً على أشياء كثيرة، أولها ضيق الصدر بالرأي الآخر، وثانيها نزعة الاستبداد التي تعمل المرأة على محاربتها، وفي نفس الوقت تمارسها، فهل تهربُ المرأة من استبداد الرجل لتسقط هي والرجل في استبداد المرأة.

أين هذه الكلمة من كلمة المرأة المثالية >بلقيس الملكة< التي قالت لقومها : {يَا أيُّها المَلأ أَفْتُونِي فِي أمْرِي ما كُنْتُ قاطِعةً أمْراً حَتَّى تَشْهَدُون}(النمل : 32).

إن الاستبداد من أقبح عوائق التخلف والإذلال والإهانة سواء مارسه رجل أو امرأة، لأنه لاَ لَوْن لَهُ، فلماذا لا تتكاثفُ الجهود للعمل على دفْنِه وإهالة التراب عليه لننطلق جميعا في تشييد البناء الحضاري السليم؟؟.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>