أبحاث ودراسات : التعليم في سوس بين الأمس واليوم 4 الخزائن والأسر العلمية في سوس


اهتم أفراد القبائل في سوس بإنشاء المراكز العلمية، وتزويدها بكل ما تحتاجه لتسهيل الدراسة بها نوتلقين الطلبة العلم، والمعرفة، وتوفير لهم مصادر الدراسة، ومراجعها إما بالشراء أو بالنسخ حتى كونوا خزائن عديدة فأصبح عددها يفوق ثلاثة وعشرين خزانة كبرى، وهي في غالبها خزائن الأسر الـعلمية، أما خزائن الأفراد فالمعروف أن لكل عالم من علماء تلك الجهة خزانة خاصة به قد يفوق عدد كتبها ما في بعض تلك الخزائن ، وتضم أهم المؤلفات وأعظم المصادر النادرة والموجودة، وقد رآها المختار السوسي في رحلته إلى جزولة، وأشار إليها و إلى نسخها ، ومن أهم هذه الخزائن وأعظمها:

< الخزانة المحجوبية:نسبة إلى آل المحجوب، وهم الأسرة العالمة التي ابتدأ مجدها العلمي من العلامة سيدي محمد بن مبارك الكدسي. وأصبحت هذه الخزانة تحت عميد الأسرة العلامة الفهامة سيدي علي بن الطاهر الذي زادها كثيرا حتى أصبحت من الخزائن الكبرى في سوس إلا أنها تفرقت بعد وفاته، وتشتت كتبها واختفت آثارها .

< الخزانة اليزيدية:نسبة إلى اليزيديين الإيسيين من قبيلة إيسي، وهم أسرة علمية تسلسل فيها العلم والاعتناء بالكتب منذ عهد الأستاذ الجليل سيدي أحمد بن الحسن  المتوفى سنة ثمان وسبعين وألف، وانتقلت الخزانة إلى الأستاذين الكبيرين سيدي الحاج أحمد، ثم سيدي أحمد ابن محمد، ثم آلت إلى أولادهما، وهي لا تزال مصونة، وقد تفرقت تحت يدي الورثة بعد وفاة أصحابها .

< الخزانة الجشتيمية: نسبة إلى قبيلة أجشثيم من قرى قبيلة التمليين بدائرة تافراوت، وقد أسس هذه الخزانة جد الأسرة العلامة سيدي عبد الله بن محمد  المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة وألف، واهتم علماء الأسرة بهذه الخزانة، وحافظوا على قيمتها،  وتزويدها بالمصادر والمؤلفات المهمة حتى كثرت الكتب فيها، وأصبحت من أعظم خزائن سوس،  لكن دوام الحال من المحال حيث ضاعت الخزانة وتفرقت المؤلفات والمصادر، وأصبحت في خبر كان تحت وقوعها في أيدي الورثة .

< الخزانـة الجرسيـفــية: نسبة الى العلامة الشيخ أبي يحيى الجرسيفي  المتوفى سنة خمس وثماننين وستمائة، وتميزت بوجود مصادر مهمة وعظيمة، وجامعة لفنون علمية .

< الخزانة الحضيكـيـة: نسبة الى الإمام الولي الشيخ الهمام العالم العلامة محمد بن أحمد الحضيكي المتوفى سنة تسع وثمانين ومائة وألف، الذي تجول في مختلف مناطق العالم، ورحل للأخذ والتلقي عن فطاحل علماء زمانه، في الأقطار السوسية والمشرقية، وجلب اليها مؤلفات مختلفة ومتنوعة. لكن هذه االخزانة تفرقت بعد وفاة القائمين عليها، فبيعت كتبها وتشتت .

< الخزانة الكرامية: نسبة إلى شيخ الطريقة العلامة سيدي سعيد الكرامي  الذي تجول في أنحاء المغرب للأخذ والتعلم، فبرع في الفنون، واالعلوم ففاق فيها رواية ودراية حتى جمع في خزانته مؤلفات ضخمة ومصادر عظيمة قل وجودها في خزانة أخرى لكنها ضاعت بعد وفاة صاحبها والقائمين عليها وأصبحت خاوية على عروشها كأنها لم تكن أمس.

وهناك خزائن أخرى كخزانة اليعقوبيين، وخزانة الحاج بن بلقاسم السوقـي الإفراني  ،  ثم خزانة الأداو محمدي الهشتوكي ، وخزانة القائد عياد الجرارية  وخزانة الشريف السيد الحاج عابدين بن عبد الله بن عمر البوشواري  المتوفى سنة أربعين وثلاث مائة وألف وغيرها من الخزائن .

وعلى كل حال فإن الخزائن السوسية القديمة كثيرة، ولكن قد مرت على جلها يد العهد وبعد مدى الأزمنة  الخالية من أصحابها، ولأن غالب أصحابها لم يترك ورثة ممن ينهج طريقته العلمية المثلى  فنشأ الخلاف بينهم ودب الصراع في صفوفهم ففرقت الكتب والمصادر وشتت الخزائن، وأخذ كل نصيبه فضاعت الخزائن بذلك وضاع العلم معها، قال المختار السوسي : ” وبعد فإن أكبر آفة على خزائن البادية أن الأحفاد الجهلة يغلقون عليها صيانة لها فيما يزعمون حتى تضمحل بين الأرضة وبين كف السقوف فإن آنس لا آنس ما رأيته بين آثار الشيخ محمد بن إبراهيم التمانارتي حين أجد الأوراق متناثرة في تابوت علاه الأوراق ما وجدته أثرا فيها، وعهدي بالبقايا هناك، وكذلك مررت بدار آل تشلحيت هناك في تامانارت فأخبرني أحدهم أن خزانة جدهم قد أغلقوا عليها حتى صارت دقيقا، وقال :فقمت -صيانة لما فيها من أسماء الله واحتراما لها -فصرت أنقل فتاتها في قفة، وألقيه في بحر صبيحة يوم”.

هذا هو الحال الذي آلت إليه الخزائن العلمية السوسية ذات المكانة العالية، والدرجة الرفيعة، والتي كانت أمس متدفقة علما، ومعرفة أصبحت اليوم خاوية على عروشها مهجورة من أهلها، وضاعت مخطوطاتها.

وفي السنوات الأخيرة من هذه الفترة بدأ الاهتمام بهذه المؤسسات، والمراكز العلمية بدعمها من بعض المحسنين، والغيوريين من أبناء المنطقة الذين شعروا بضرورة الحفاظ على هذه المراكز مما أدى إلى نوع من البعث والإحياء حيث بدأت تستعيد نشاطها من جديد فضمت أزيد من مائتي طالب داخلي مضمون الإقامة، والتمويل. فأنشئ المعهد الإسلامي بتارودانت الذي اهتم بالثقافة العربية، والإسلامية اهتماما كبيرا، وبارزا، وجعل منه مؤسسة رائدة لمواصلة الرسالة التي قامت بها المدارس العلمية حتى أصبح مؤسسة نموذجية  في التعليم الأصيل فنتجت عنه نتائج طيبة في تقدم المجال الثقافي في هذه المنطقة  .

وأما الأسر العلمية السوسية فهي أكثر من أن تحصى حيث لا تقل عن ثمان وخمسين ومائة أسرة انتشرت في مناطق سوس بين الجبال، والسهول، والفيافي ضاربة في أعماق التاريخ العلمي، والثقافي لجنوب المغرب الأقصى .

وهذه الأسر تبدو أهميتها في تتبع سيرة رجالات العلم وأخبارهم، والذين توارثوا الثقافة الإسلامية في تلك المناطق حتى أصبح لكل أسرة أفراد كلهم أ دركوا نصيبا من تلك الثقافة، فاستحقوا بذلك أن تدرج أسرهم في هذا الإطار العلمي، ولا يقل أفراد تلك الأسرة العلمية عن أن ينحدروا في ثلاثة أجيال على الأقل، أو جيلين إن تعدد فيها العلماء فتجاوزوا الأربعة  .

وهذه الأسر تأخذ نسبتها من أشهر العلماء الذين يمثلونها، وكانوا أعلاما بارزين .

ومن أهم هذه الأسر :

< الأسرة الجشتيمية :نسبة إلى مؤسسها العلامة عبد الواحد بن محمد  دفين الحجاز، ثم سارت قدما تنبع بالمعارف، والصلاح إلى العهد الأخير  .

< الأسرةالناصرية :نسبة إلى الشيخ ابن ناصرالدرعي ،حيث نبغ من هذه الأسرة رجال عظماء صلاحا،وعلما،وأدبا،واستمر العلم في صفوف أبنائهاإلى العهود الأخيرة  .

< الأسرةالحضيكية :نسبة إلى الإمام الحضيكي وقد تسلسل فيهم علماء من بينهم أفذاذ إذ لم ينقطع منهم العلم إلا في هذا الجيل فقط  .

< الأسرة التازولتية :نسبة إلى قبيلة تازولت، ومن علمائها القاضي عبد الحق الذي يعد من المنتقدين في تلك الناحية  .

وهناك أسر أخرى عديدة كالأسرة الييبوركة، والأسرة البلوشية، والتادرارتية، والإيريكلية، والأقاريضية، وغيرها مما هو مشهور من هذه الأسر العلمية في سوس  .

وعلى كل حال فإن هذه الأسر العلمية كانت لها أهمية عالية، ومكانة خطيرة في قيام الخزائن العلمية، والمراكز الثقافية، إذ كان رجالها، وعلماؤها مسؤولين، ومدعمين لها، ولمصالحها، وتوفير لها وسائل التعليم، والتدريس فكان لهم الفضل في سيرها، واستمرار عطائها طيلة  وجودها، وبقائها؛ لكن بوفاتهم، وعدم وجود من يسير على نهجهم ضاعت المراكز العلمية وضاع معها العلم .

ذ. لطيفة الوارتي

باحثة كلية الآداب وجدة

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>