فضاءات دعوية : الصحوة الإسلامية ونجاعة طرق العمل الإسلامي 3 – التوعية الفكرية والتربية الجهادية


التوعية الفكرية من ألزم اللوازم للدعوة في كل وقت، وفي وقتنا الحاضر هذا أكثر من كل الأوقات، فالغبش الذي أحاط بالإسلام وحقائقه في نفوس الناس في الغربة الثانية للإسلام غبش كثيف شامل، يحتاج إلى توعية شاملة بحقائق الإسلام ومفاهيمه، بدءا بمفهوم لا إله إلا الله، وتوعية مركزة بمقتضيات لا إله إلا الله، ونواقض لا إله إلا الله، لأن الغبش لم يحط بشيء من مفاهيم الإسلام أكثر مما أحاط بمفهوم لا إله إلا الله، ومقتضياتها، ونواقضها،  وإن كانت التوعية مطلوبة بالنسبة لكل المفاهيم على السواء كمفهوم العبادة، ومفهوم القضاء والقدر، ومفهوم الدنيا والآخرة، ومفهوم عمارة الأرض، ومفهوم التربية، ومفهوم الجهاد..

والتوعية مطلوبة كذلك لمعرفة واقع الأمة والأسباب التي أدت إليه، فبغير هذه المعرفة لا نستطيع وضع المنهج المناسب للدعوة، ولا وسائل العلاج، وكثير من أحوال الأمة لا يدركه كثير من الناس على حقيقته، وإن عرفوا عموما أن الأمة منحرفة عن الصورة الصحيحة، و عزوا ذلك عموما إلى البعد عن حقيقة الإسلام، و لكن مدى البعد يخفى على كثيرين، وخطورة الانحراف لا يقدرها  حق قدرها كثيرون !

والتوعية مطلوبة مرة أخرى لمعرفة مكائد الأعداء ومخططاتهم للقضاء على الإسلام. وكثير من الناس  – من الدعاة أنفسهم- لا يتابعون ما يحدث على الساحة، وما يجد من مؤامرات، اعتمادا على معرفتهم العامة بأن اليهود والنصارى أعداء، وأنهم لن يكفوا عن الكيد للإسلام !  وهذا وحده لا يكفي ! وكثير مما تستدرج إليه الجماعات الإسلامية من المواقف التي لا تخدم الدعوة سببه هذا الجهل بما يدبره الأعداء من صنوف الكيد، بينما الأعداء – بوسائلهم – يعرفون كل ما يسره الإسلاميون وما يعلنونه، ويتابعون متابعة دقيقة كل ما يدور في العالم الإسلامي من حركات وأفكار، فيخططون على علم، ونحن فقط نتلقى الضربات !

حقا إن التوعية الفكرية من ألزم اللوازم للدعوة في وقتها الحاضر، ولكنها – وحدها-  لا تؤدي إلى شيء حقيقي في واقع الحركة، ما لم تكن زادا لعقيدة صحيحة وحركة واعية، تزيدها المعرفة وعيا وتبصرها بمزالق الطريق، أما حين تتحول إلى  ثقافة -مجرد ثقافة – فهي ترف عقلي لا يغير واقع النفوس.

التربية الجهادية من لوازم الحركة، فالنفوس الرخوة التي لا تقدر على تكاليف الجهاد لا تصلح لحمل الدعوة، ولا للتحرك في وسط الأشواك، وفي مواجهة الوحوش الضارية التي تفتح أفواهها وتمد مخالبها لتنهش من تطوله من جنود الدعوة، وتفتك به بعد أن تذيقه العذاب الأليم.

ولكن التربية الجهادية – وحدها – لا تكفي لإقامة دعوة، بل لا تكفي حتى لحماية الدعوة من الأعداء، بل كثيرا ما تكون سببا في ضراوة الضربمن قبل الأعداء حين تنقصها الخبرة السياسية والخبرة الحركية، والوعي بحقيقة المعركة وحقيقة الأعداء،  وحقيقة الجهد المطلوب للمواجهة، ونوع الجهد اللازم للصراع.  وأخطر ما يقع من الحركات التي تعتمد التربية الجهادية وحدها، أو تركز عليها أكثر من متطلبات التربية الأخرى، أنها تسارع إلى الصدام – أو تستدرج إلى الدخول في صدام – قبل أن تتضح للناس حقيقة القضية، قضية لا إله إلا الله، وقبل أن تستبين سبيل المجرمين كما فصل كتاب الله، فتتعرض الحركة للضرب المميت والناس يتفرجون، ويتاح للطغاة أن يضحكوا على “الجماهير” فيقولوا لهم: إننا لا نحارب الإسلام، وإنما نحارب الإرهاب !

من أجل ذلك  كله نصر على التربية البطيئة الشاملة التي تبدأ بإنشاء القاعدة الصلبة ثم تتوسع على مهل، ولو استغرق ذلك عدة أجيال !

إن مجموع الأمراض التي أصابت الأمة وحولتها إلى غثاء كغثاء السيل، ثم جلبت إليها الأعداءيتداعون عليها كما تتداعى الأكلة على قصعتها أخطر من أن تعالج علاجا سطحيا، بالوعظ أو التوجيه الروحي أو الشحن العاطفي أو التوعية الفكرية أو التربية الجهادية، إذا استعملت أي واحدة من هؤلاء بمفردها على أساس أنها علاج سريع ينقذ الأمة من واقعها، وينقلها من حال إلى حال.

لسنا بصدد ترميمات جزئية في بناء قائم.. ولكننا بصدد تجديد الأساس لبناء كان قد أوشك على الانهيار، وكل ترميم يفقد قيمته ويفقد فائدته إذا لم يجر  تجديد الأساس.

أساس هذا الدين لا إله إلا الله !

{ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون} (إبراهيم:  23-25).

وسؤال واحد، تحدد إجابته القضية تحديدا  واضحا حاسما لا لبس فيه: هل الناس – إلا من رحم ربك- على وعي بحقيقة لا إله إلا الله.؟

الجواب عندي واضح..

إن كثيرا منالدعاة أنفسهم ما زال لديهم غبش كثيف حول مقتضيات لا إله إلا الله وبالذات حول نواقض لا إله إلا الله، لأنهم هم أنفسهم لم يتخلصوا بعد من آثار الفكر الإرجائي، الذي  أخرج العمل من مسمى الإيمان.

وكثير  من الدعاة لم يدركوا بعد مشكلة “الجماهير” الحقيقية، ومدى بعدهم عن حقيقة الإسلام، ومن أجل ذلك تعجلوا في تجميعهم، وفي التحرك  بهم، قبل أن تتضح لهم حقيقة القضية التي يدعون إليها، ويجمعون من أجلها !

من أجل ذلك نصر على نقطة البدء هي إنشاء القاعدة الصلبة على ذات المنهج الذي أنشأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدته الصلبة، وإن كان من المستحيل أن تصل هذه إلى المستوى الذي وصلت إليه تلك !  وليس مطلوبا من أي جيل أن يصل إلى مستوى   ذلك الجيل.. أما المنهج فشيء آخر.. المنهج ثابت لا يتغير، والتربية على أساسه واجب دائم لا تتغير، أيا كان المستوى الذي يصل إليه المربون والمتلقون، ولكل درجات مما عملوا..

والدرس الأول في بناء القاعدة الصلبة هو درس لا إله إلا الله، علما بها، وتربية على مقتضياتها، لإعداد الدعاة الذين يوجهون القاعدة الموسعة، حين يأتي دور توجيه الدعوة إلى الجماهير.

< ذ محمد قطب

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>