ملف العدد : تعليمنا بين الأمس واليوم


كلما جلست لأفكر في مشكلة تدهور مستوى التعليم ببلادنا الحبيب، وأحاول وضع مقارنة بين التعليم في عهد جيلنا، جيل السبعينيات، وجيل التسعينيات، أجد فرقا شاسعا في مستوى التعليم بين الجيلين، وكلما فكرت في الأسباب والمسببات وجدتها متعددة وربما متعمدة، لماذا؟ لست أدري : أليبقى الفقراء -أي عامة الشعب- فقراء ولا يصلون إلى مناصب عالية يضايقون فيها أبناء الخاصة الذين يلجؤون إلى مدارس خاصة؟ أم هي فقط اجتهادات غير أهل العلم؟ أم أسباب أخرى لا أعرفها؟

لن أستطيع تحديد الجواب لهذا السؤال وكثير من التساؤلات، لكن سأحاول أن أشير إلى بعض أسباب انحطاط العملية التربوية بالمغرب واضعا مقارنة بين التعليم في العهد القديم والعهد الجديد.

1) البرامج : رغم سلبية الطريقة التلقينية، كانت البرامج ا لقديمة جد قيمة، وكان التلاميذ يستفيدون جدا من كتب القراءة -التلاوة- على سبيل المثال، التي تحتوي على مواضيع جيدة وتعالج مشاكل حقيقية وتحكي قصصا هادفة تجعل التلاميذ متشوقين لقراءة النص ليعرفوا الحكاية الجديدة، أما مع كتب القراءة اليوم، فلا نصوص مشوقة، ولا أساليب جادة ولا مواضيع هادفة، بل كلام بلا روح، وهذا ينطبق على النصوص العربية والفرنسية معا. وكانت البرامج تهدف إلى الوصول بالتلميذ -في المرحلة الابتدائية- الى القدرة على القراءة والكتابة والنطق السليم، وكان يَصل إلى ما خُطِّط له وكان مُهِما  وكافيا لهذه المرحلة، أما الآن، وقد امتلأت محفظة التلميذ بكراسات لا أرى لها أهمية في المرحلة الأساسية، خصوصا في الأقسام الثلاثة الأولى، كالتربية الفنية والنشاط العلمي ومع ذلك لايصل التلميذ إلى الهدف المنشود، خصوصا في البادية حيث لا يستطيع تلميذ القسم السادس أساسي تركيب جملة مفيدة باللغة العربية، أما باللغة الفرنسية،فلا تسأل.

2) الالتحاق بالأقدمية : بالله عليكم، هل من لم يستطع تجاوز مرحلة دنيا بسلام، هل يمكنه تجاوز مرحلة أعلى وأصعب؟ لا يمكن طبعا، فلماذا لا نترك التلميذ في مستواه حتى يتمكن من اجتيازه بمعدل كامل بدلا من السير و راء الخريطة المدرسية التي ساهمت ولازالت تساهم بشكل كبير ومثير للانتباه في تدني المستوى التعليمي.

أذكر أننا كنا في الابتدائي لا ننجح إلا بمعدل كامل، ولو رسب ثلثا القسم أو أكثر، فكنا في مستوى جيد، وكان للتعليم قيمة، وللنجاح حلاوة، فلا ينجح إلا المجد المجتهد، وكان يشار له بالأصبع، أما الآن فقد تساوى الوضع بين المجتهد والكسول، بين من يحصل على معدل 7 ومن يحصل على معدل 2 مادام الكل في الأخير ناجحا “والله يجعل البركة في الخريطة المدرسية”.

3) “العقاب البدني” : هنا لن أتكلم عن الضرب المبرح الذي يترك آثارا أو يسبب عاهة، فهذا النوع من الضرب غير مباح شرعا وقانونا، إنما أتكلم عن العقاب البدني الذي يخوف أكثر مما يؤلم، لماذا مُنع من المدارس وقد كان له الدور الأسمى في رفع مستوى التعليم ببلادنا، زيادة على أنه كان يعطي المعلم هيبة، فيحترمه التلاميذ ويجتهدون خوفا من عقابه. أما الآن، وقد علم التلاميذ والآباء بمنع الضرب في المدارس، أصبح المعلم مهددا كلما حاول استعمال “العنف” في القسم، زيادة على أن التلاميذ أصبحوا لا يقومون بفروضهم المنزلية، بل حتى في القسم حاملين شعار حرية الطفل.

4) قيمة المعلم : كانت للمعلم قيمة اجتماعية وأدبية وسط المجتمع، حيث يحترم من طرف الكبير والصغير، أما الآن، فلم تعد له تلك القيمة لا في المدينة ولا في البادية، بل في البادية أكثر حيث يعامل معاملة سيئة؛ فلا يُكرم كما كان من قبل حتى في الدواوير النائية، ولا يجد حتى الخبز في بعض الأحيان ولا من يعطيه إياه بدعوى أنه يتقاضى مرتبا عن عمله.

5) وضعية المعلم : كان المعلم في بداية السبعينيات يرتدي ملابس أنيقة، ويعيش عيشة هنيئة، حتى أنه يستطيع أن يوفر من مرتبه لشراء منزل أو سيارة، أما في هذه السنوات الأخيرة، فلا يستطيع حتى الحصول على الضروريات لحياة بسيطة، أما المنزل فلا يحلم به إلا عن طريق قروض تنهكه وتنهك أولاده فيصبح أسيراً في مجتمعه لا حول له ولا قوة، فكيف تكون مردودية من لا يأكل جيدا ولا يسكن مرتاحا ولا يلبس أنيقا.

فيا أيها المسؤولون عن هذه الوزارة، وزارة التربية الوطنية، اتقوا الله في تلاميذنا، هيئوا لهم برامج جيدة مناسبة لكل طبقات الشعب ولخصوصيات بلدنا الدينية والوطنية والسياسية والطبيعية، فكروا بجد ومسؤولية في معايير الانتقال من مستوى إلى آخر، أعيدوا النظر في “العقاب البدني”، انظروا إلى حال رجل التعليم، ارفعوا من معناوياته، فهو محور العملية التعليمية وبدون راحته وسعادته لا يمكن النجاح في أي عمل تربوي تعليمي، فكروا في المُغَرّبين في وطنهم، اجمعوا شمل الأسر، لا أقصد الموظف بالموظفة، فهذا عبء ثقيل على فئة عريضة من رجال التعليم  -قربوا رجال التعليم ونساءه من أسرهم وذويهم لترتاح نفسيتهم ويكثر عطاؤهم، ولا تفكروا في الجانب الاقتصادي فقط، فإننا وإن حركنا العجلة الاقتصادية بالتعيينات البعيدة لتنشيط وسائل النقل ووسائل الاتصال وكثير من المصالح على حساب رجل التعليم، فإن العملية التربوية هي الخاسرة في النهاية، لأن المُتعب والمُعذب لا يمكن أن يصدر منه عمل كامل متكامل.

ذ. محمد رفيق

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>