خطب منبرية : تدمير الأسرة في الغرب


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

إن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، نسأل الله لنا ولكم النجاة من النار.

أما بعد،

أيها المؤمنون يتوارد في هذه الأيام العمال القاطنون بالخارج، وتتوارد معهم شكاوى كنا نحسب إلى عهد قريب أنها خاصة بهم وببلادهم فإذا بنا نجد اليوم أن شكاواهم تكاد تتطابق -مع الأسف الشديد – مع شكاوى المغاربة القاطنين ببلادهم. ومن أهم ذلك وأخطره، الشكوى من سوء تصرف الأبناء، بل من عصيان البنين وتمرد البنات على الآباء وعلى الأمهات، عصيان ينم عن قيم خلقية مستوردة لا علاقة لها بالإسلام ولا بسلوك  المسلمين ،وببلاد المسلمين كثير من الناس الذين يأتون من أروبا أو ممن لحق منذ زمان يشتكون شكوى تكاد تكون متواترة فيما بينهم أجمعين، الذين يعملون بالخارج يشتكون من تصرفات أبنائهم وبناتهم، قلت هذه الشكوى وهذا المشكل الذي يحصل بالخارج لأسباب تتعلق بتلك البلاد وبأخلاق تلك البلاد وبطبائع تلك البلاد، أصبح اليوم يوجد لدى الناس هنا، الذين لم يخرجوا قط إلى الخارج، بسبب أن القيم الفاسدة صارت تقريبا مشتركة بين الداخل والخارج بسبب سوء التعليم وانحداره وانحطاطه وانتشار الإعلام الضار، السحر الفتاك الذي يخرب البلاد والعباد ويهدم الأسرة، هذا الأمر يرجع أساسا إلى  هذه الأخلاق الناشئة النابتة كالسم – الحشائش الطفيلية مثل ذلك النبات الهلوك حينما يصل إلى جذور الورود والأشجار الطيبة فيحشها ويحصدها من داخل تربتها. هذه الأخلاق هي أساسا أخلاق اليهود والنصارى – مع الأسف الشديد -، إن المسلمون الذين يقطنون هنا قرروا أن يعيشوا على طريق اليهود والنصارى من حيث التقليد، أما بالنسبة إلى الذين هناك في بلاد الغرب، فهذا أمر معروفأنه مفروض عليهم رغم أن الإنسان يحاول أن ينبت أبناءه نباتا حسنا، فمع ذلك ظروف أروبا وأمريكا ظروف سيئة جدا ومحيطة ومهيمنة بسبب أن الأب أو الأم، ليس لهما قدرة،  إذ هم في غالب الأحيان لا علاقة لهم بالعلم والتعلم، هذا من جهة، وحتى إن كانت لهم هذه العلاقة ولهم حظ من العلم لا بأس به بل كاف في التربية ليس لهم القدرة على مواجهة الآلة المدمرة: آلة التعليم بالشكل السيىء، وآلة الإعلام في الوسط الاجتماعي الغربي وبذلك يكبر أبناؤهم نصارى، يمكن أن لا تكون عقيدتهم عقيدة النصارى على التمام، ولكن إحساسهم إحساس النصارى وأخلاقهم أخلاق النصارى، وأقول لهؤلاء إنما ذلك حصيد أعمالكم، يوم قرر الرجل أن يأخذ زوجته وأبناءه إلى أروبا، بل قرر أن يلد أولاده في بلاد النصارى لا ينتظر إلا هذه النتيجة، ولذلك كان لابد لكل مسلم له الغيرة على أولاده أن يربي أسرته هاهنا، ليس حراما عليه أن يذهب ليعمل، لكن ليس معقولا أن ينشئ أسرة في بلاد الكفر وفي دار الحرب، لتكون بعد ذلك في خلقها وسلوكها حربا على الإسلام والمسلمين بقصد أو بغير قصد، فتدخل إلى البلاد والعباد لتثير ما تثير من أخلاق هي الآن تتفشى بين الذين لم يعرفوا الخارج من قبل، ولا قربوا منه ولا من أفكاره ولكن التغطية الشاملة مع الأسف للفكر الفاسد أنشأ ما أنشأ من عصيان وتمرد، أقول إن هذه الأخلاق هي من صميم العقيدة الأروبية التي قامت على أساس عقلية المال فتقطعت أوصالهم الاجتماعية، لم يعد شيء يسمى الأسرة عند النصارى، في هذا الزمان، لذلك نشأت عندهم ما يسمى بدور العجزة {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا} والتدمير ليس دائما يكون بالزلازل والحروب والأمراض بل يكون – وهذا أخطره – بتدمير التماسك الاجتماعي، وتدمير الاستقرار النفسي، لما تتدمر الأسرة في المجتمع، فذلكمن أقسى صور الدمار الذي يلحق بالمسلم، وبالمجتمع المسلم أو غيره من المجتمعات، حيث ما حصل  ما حصل من مقدمات، فأمرنا مترفيها ففسقوا فيها، فالفسق يؤدي إلى دمار المجتمع، ومن أخطر أوجه الدمار: الدمار الاجتماي والدمار النفسي، ظاهرة دور العجزة المنتشرة في أروبا التي بدأت -مع الأسف- تتسرب إلى البلاد الإسلامية، هذه الظاهرة سلبية. لا تحسبوها ظاهرة إيجابية، يعني أن الإنسان كبر في سنه، اعتنَوَا به ورَحِموه، وحَمَلوه يأكل ويشرب في دور العجزة، نعم يتصور هذا إذا كان الإنسان منقطعا عن أصوله وفروعه ليس له والدان ولا مولودون، فمثل هذا المجتمع يجب أن يتولاه، ولكن المصيبة أن الأمر في أباء لهم أبناء وفي جدود لهم حفدة، فهم يفكرون أن الآباء إذا كبروا يرموا، هكذا يفكرون، وقد قرأت بنفسي -ويا للعجب – كتابا استخرجته من مكتبة فرنسية هنا بالمغرب، عنوانه “كيف تتخلص من والديك” هذا كتاب يكتبه الفرنسيون بل يكتبه الأدباء الفرنسيون، الناس الذين يخططون للمجتمع الفرنسي، كيف يعيش. وظننته أول مرة أنه كتاب أدب، يمكن أن يكتب كلاما ويقصد غيره، لكني وجدته يقصد حقيقة لا يزيغ عنها قيد أنملة، ويتحدث فعلا على أن الوالدين حينما يكبران يصبحان أكثر ثرثرة، أكثر تعليقا، ويلاحظان كثيرا، يستهلكان كثيرا… فيفكرون كيف يتخلصون من آبائهم وأجدادهم، سبحان الله.

هذه الثقافة التي ذَهَبْتَ بأولادك إليها هي التي أنتجت تمرد الطفل، فيتربى منذ 6 سنوات و 7 سنوات على التمرد وعلى نقض أقوى آصرة في الأسرة وهو الأب والأم، لأن الوالدين يمثلان الاتصال والتواصل مع الجذور التاريخية والدينية لنا، كل أمر يتعلق باستمرار التدين في المجتمع، فصمام أمانه إنما هو الوالدن، إنه لن تستطيع حماية الإسلام مؤسسة مهما كانت إن لم توجد أسرة قائمة على كتاب الله وسنة رسوله وخلق الإسلام، إن لم يكن مرجع الرأي فيها إلى الوالدين، فالأسرة عندما تلد الأولاد فهي تلد معهم أفكار الدين وأبناء الدين، اسمعوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم {كل مولود يولد على الفطرة فأبواه  يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه<وبالأصالة والقياس كذلك يسلمانه الدين، بعض الناس يعترض ويقول : وإذا كان الوالدان أميين غير متعلمين أقول ولو كان ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم يتكلم بصدق.

اللهجة العامية المغربية هي لهجة مسلمة، الكلام الذي نتكلم به من حيث لا ندري في كثير من الأحيان تكون فيه معاني الدين ولو لم نشعر، فالبيئة والمحيط، السلوك والوجدان، التقاليد ا لتي بقيت في المجتمع من آثار الدين الأصيل، كل ذلك يلعب دورا أساسيا في تلقين اللاشعور والوجدان الإنساني، في السلوك الإسلامي للأطفال ويكبرون مسلمين بدون أن يتعلموا في المدرسة، فالإسلام لم نأخذه من المدرسة أو من الجامعة أو من المسجد، فهذه أشياء تأتي من بعد، فالإسلام نأخذه أولا من الرضاعة التي نرضعها من أمهاتنا ومن البيئة الأولى، والطفولة الأولى هي التي تطبع في الإنسان كونه مسلما أو كونه يهوديا أو كونه نصرانيا أو كونه مجوسيا أو كونه لا دين له.

إذاً بيئة مجتمعنا مهمة جدا لأن يلد الإنسان فيها أبناءه، أما ثقافتنا نحن التي ترجع إلى العقيدة الإسلامية كونك مسلما يعني (مرضي الوالدين)، لأن الله عز وجل ربط في أكثر من آية بر الوالدين بتوحيد الله وكذلك رسوله الكريم، فالتوحيد الذي هو أصل الدين {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما..}. {إن  تكونوا صالحين فإنه كان لأوابين غفورا}، عقيدة عجيبة، الله عز وجل حينما شرع بقضائه ،  وهو من أعلى مستويات التشريع، و{قضى} من القضاء التكليفي التشريعي الذي لا مرد له {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} محور التوحيد الموحد بين جميع الأنبياء والرس،ل هذه العقيدة بها قرن بر الوالدين والإحسان إليهما.

قال النبي صلى الله عليه وسلم – كما جاء في الصحيحين  (أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله)، فانظر – حفظك الله – كيف جعل الجهاد مرتبة ثانية بعد بر الوالدين. والحديث المتفق عليه الآخر قال صلى الله عليه وسلم (ففيهما جاهد) شاب تشوق للجهاد في سبيل الله. وما أدراك ما الجهاد في سبيل الله، ، فجاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل لك والدان؟ فقال له: نعم، فقال له ففيهما فجاهد، هذا هو جهادك: اخدمهما، أطعهما وقد دخل الدمار إذ سار الابن يتسبب لوالديه في دخول السجن هناك – في أروبا- وهنا أيضا مع الأسف، أصبح الإبن يضرب أباه ويضرب جده، فما ينبغي أن تنتشر أخلاق الكفار بيننا، يجب علينا أيها المؤمنون محاصرتها ليس بأن تمنعها من دخول بيتك فقط، وإنما تمنعها من الانتشار بين جيرانك، حينما تسمع أن ابن جارك، عقّ أباه وانتهر أمه أو ضربها، والعياذ بالله، فوجب عليك أن تغير هذا المنكر بما استطعت إلى ذلك سبيلا.

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن العاق للوالدين هو من أول من يغضب الله عليه يوم القيامة، وذلك في حديث صحيح الإسناد رواه الإمام أحمد والنسائي والحاكم، عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: >ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: أولهم العاق لوالديه والرجلة من النساء أو المترجلة من النساء والديوث<، وكل هذه من أخلاق اليهود والنصارى.

لذلك قلنا ولا زلنا نقول يجب أن نرتبط بكتاب الله وسنة نبيه في زواجنا وبناء أسرتنا والتخطيط لأبنائنا.

أنت أيها الأخ الكريم، عندما كنت ذاهبا إلى أروبا وذهبت بأولادك فكرت في المال، ولنكن صرحاء، فكرت في ذلك المدخول المادي الذي ستأخذه على أبنائك، ولم تفكر نهائيا عندما يبلغون سن المراهقة أن ابنتك ستتزوج نصرانيا بدون علمك وأن ابنك  يسبب لك الكوارث رغما عنك، ورجع بعضهم ولم يرجع أبناؤهم، وبقي آباؤهم هنا، وقد رأيت بعيني أن رجلا يملك عمارة بكاملها يسكنها هو وكلبه، أين أبناؤه؟ هناك رفضوا  العودة ، هذه مصيبة المصائب.

üüüüüü

حينما يريد الإنسان أن يبني أسرته ينوي نية أساسا لا يحيد عنها، يبقى مستقيما عليها، عسى أن يرزقه ربه ذرية صالحة بناء على ما نوى وعلى ما استقام عليه. فلماذا نخطط لكل شيء إلا ما تعلق بالأمور الدينية؟ إذن نخطط لبناء أسرة تكون ذريتها عابدة لله في الأرض، وهاته النية قليل من ينوي بها.

النية الأكثر انتشارا أن الإنسان عندما يلد الأولاد يفكر مثل تفكير من يربي قطيع الأغنام: أنه يكثر من الأولاد لينتجوا، تفكير مادي محض، وهذا التفكير هو الذي جعل  كثيراً من بناتنا يتزوجن بالنصارى هنا ببلادنا. لماذا؟ لأن النصراني سيأخذها إلى الخارج فتحصل على أموال كثيرة، والأمهات لم يمتنعن عن تزويج بناتهن – وكذلك الأباء- للنصارى، ولو لم يسلموا، حتى ذلك النطق بالشهادتين الصوري، لم يطلبوا منهم ذلك، وهذا حصل فعلا.

قلت: الذي أراد أن تنبت ذريته -بإذن الله {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي  خبث لا يخرج إلا نكدا} لابد له أن ينوي نية حسنة. الله نبه في القرآن الكريم أن للأبناء حقا على الآباء من أعلى مراتبه، أن ينشئ الأب والأم أبناءهما وبناتهما على الإسلام وأن يحرصا على تربية أبنائهما على مقاييسه. أما أن تفكر أنك في بعض الأحيان تفرض على أبنائك شيئا سيؤول في النتيجة إلى الفساد، فهذا تدمير، لذلك قال عز وجل: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمهما} رأيت بأم  عيني في شريط وثائقي أبا مسلما بفرنسا عرض عليه الخمر هو وابنته عند عائلة فرنسية، فلم يشرب الأب الخمر ولكنه قال لابنته اشربي أنت، سبحان الله! لماذا لم يشربه؟ لا بسبب حرمته، فلو كان ذلك كذلك ما طلب من ابنته أن تشربه، ولكن لم يشربه عادة، فهو لم يتعود على شربه تقليدا فقط، صعب عليه أن يغير عاداته بعد أن كبر في السن. فلما أصبحت ابنته محامية، أول مستهدف كانت تحاربه هو العرب  والمسلمين وأخلاقهم، فصارت عدوا للإسلام، وهي تذكر بنفسها هذه القصة وتسخر من أبيها.

ولذلك الإنسان عندما يفكر في الإنتاج المادي للحياة يجب أن يأخذ في حسبانه قول الله تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآل}.

نفكر في حسن المآل، في خير من ذلك، هذا التفكير علىه نبني الإنتاج الدنيوي، فهذا لا يعني أن نطلق الدنيا، لكن نبنيها على منطق الآخرة، على منطق التوحيد، ينبت نباتك صالحا إن شاء الله، وبعد ذلك إن حدث انحراف في أولادك، فلا لوم عليك لأنك قمت بالواجب.

وفي النهاية نقول: من كانت له في أوربا طفولة صغيرة فليعمل على ردها إلى بلاد المسلمين، أما إذا كبر على الانحراف فقد وقع ما و قع، فقط يبقى عليك أن تدعوهم إلى الله، عسى أن يجعل في قلوبهم خيرا في وقت ما لأنه في ذلك العمر لم تبق لك طاقة عليهم، وقد رأيت من رجع بنصف أبنائه، والنصف الآخر ضاع، ومنهم من رجع بلا شيء، ومن كان حظه عنده حسن رجع بكل أبنائه.

ولا يفهم من هذا أني أقول لا تعملوا بالخارج، بل اعملوا ولكن احتفظوا بأبنائكم هنا.

والحمد لله رب العالمين.

د. فريد الأنصاري

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>