إشراقة : السفر المبرور


السفر رحلة بين آيات الكائنات للنظر في روعة الصنع الإلهي، والاعتبار والتفكر في ملكوت السماوات والأرض، قال تعالى : {وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون}(الذاريات : 21).

والتنزه في جمال المخلوقات، والتفكر في عظيم المصنوعات من أهم مقاصد السفر والتنقل بين البلدان والأقطار، قال تعالى:{وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون}( يوسف : 105).

والسفر محك يظهر فيه معدن الإنسان، وتتكشف فيه حقيقة نفسه، قال الغزالي: “وإنما سمي السفر سفرا لأنه يسفر عن الأخلاق، ولذلك قال عمر رضي الله عنه للذي زكى عنده بعض الشهود: (هل صحبته في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ فقال: لا ، فقال: ما أراك تعرفه). الإحياء ج2، ص: 269.

وأول ما يهتم به المسافر، الرفقة الصالحة، فهي زاد لابد منه لمن أراد النجاة من وعثاء السفر، قال صلى الله عليه وسلم: >لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل وحده<(رواه البخاري).

ثم ترتيب السفر وتنظيمه، وجعل أمير حكيم عليه، للتغلب على ما يظهر في السفر من ضجر، قال صلى الله عليه وسلم : >إذا كنتم ثلاثة في السفر فأمروا أحدكم<(رواه الطبراني بإسناد جيد).

لأن في السفر يفارق المرء مألوفه من الطعام والشراب و الراحة، قال صلى الله عليه وسلم: >السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجل إلى أهله<(متفق عليه).

ويبدأ الرحلة باكرا رفقا براحلته وبنفسه، عن جابر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم رحل يوم الخميس وهو يريد تبوك وقال: “اللهم بارك لأمتي في بكورها” (رواه الترمذي).

ثم يودع إخوانه وأهله قالصلى الله عليه وسلم:”من أراد أن يسافر فليقل لمن يخلف : أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه” رواه أحمد.

والمسافر إذا لم يسخط، وتحمل ما في السفر من وعثاء، كان مستجاب الدعاء، قال عمر رضي الله عنه : استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة، فأذن لي، وقال: >ولا تنسنا يا أخي من دعائك< فقال :>كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا<(الترمذي وقال حسن صحيح).

وليحرص على أن يكون السفر للطاعة، إما لطلب العلم، أو صلة الرحم، أو لطلب الراحة والاستجمام لتسترجع النفس نشاطها، وليحذر أن يكون السفر للمعصية، مثل السفر لشواطئ العري والمجون… قال صلى الله عليه وسلم: >ما من خارج يخرج من بيته إلا ببابه رايتان: راية بيد المَلَكِ، وراية بيد شيطان، فإن خرج لما يحب الله عز وجل اتبعه الملك برايته، فلم يزل تحت راية الملك، حتى يرجع إلى بيته، وإن خرج لما يسخط الله، اتبعه الشيطان برايته، فلم يزل تحت راية الشيطان حتى يرجع  إلى بيته<(رواه الطبراني بإسناد جيد).

وينبغي ألا ينسى عند رجوعه الهدايا لأهله وإخوانه، لأن العيون متطلعة لما  سيرجع به المسافر، والسنة إدخال السرور  والفرح على الأهل، نسأل الله أن يجعل صيفنا وسفرنا مليئا بالطاعات والمبرات.

عبد الحميد صدوق

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>