يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟! قراءة تفسيرية لنبوءات التوراة عن نهاية دولة إسرائيل


2- منظور عقدي

الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى ولكنه جل شأنه يطلع بعض عباده على شيء منه لحكم عظيمة.

وأعظم وسائل الاطلاع : الوحي وهو خاص بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، والرؤيا الصادقة وهي للأنبياء وحي ولغيرهم بشارة أو نذارة ، فهي تقع للمؤمن والكافر والبر والفاجر ثم تأتي وسائل أخرى كالتحديث والإلهام والفراسة .

وكل خبر عما يحدث مستقبلاً يحتاج لأمرين :

1 -  صحة الخبر.

2- صحة التأويل.

وأهل الكتاب هم أكثر الأمم اشتغالاً بالملاحم وأحداث المستقبل ، وقد شغلوا بها طائفة من المسلمين منذ القدم ، والعلماء يعللون قلة حديث أهل الشام ومصر بالنسبة لأهل الحجاز والعراق باشتغالهم بالملاحم والسير. وروي عن كعب الأحبار في ذلك عجائب لا يتسع المجال لذكرها. ومصدرهم في ذلك كتبهم المقدسة وتأويلاتهم وشروحهم عليها ولاسيما الرموز والأرقام وما أكثرها في الأسفار وشروحها.

وتبعاً لما جبل عليه الإنسان من التلهف لاكتشاف المستقبل اشتغلوا بذلك في العصور كلها. ولم يقتصر ذلك على رجال اللاهوت ، بل شـمل ولا يزال : مفكرين علمانيين وعلماء طبيعة مشهورين من أمثال “نيوتن” في الماضي. وطائفة من العلماء في الكمبيوتر والرياضيات في العصر الحاضر ، ومؤلفاتهم في هذا تصعب على الحصر وسيأتي بعضها ضمن مصادرنا.

وكان لتشتت اليهود وأسرهم واضطهاد الرومان للنصارى الأثر الكبير في اشتغال أهل الكتاب بأخبار المخلِّص أو المنقذ ، وافتعال النبوءات عنه ، وتأويل أي نص ليدل عليه . ومن أعظم ما فعلوه بهذا الشأن تحريف البشارات والنبوءات لكي توافق عـصر المفسِّر أو المؤول وحالة قومه حينئذ . ومن هنا اختلفت التأويلات ، وتناقضت فوق اختلاف المذاهب والفرق. ولكن أكثرهم ارتكب جناية كبرى ، وهي طمس أو تحريف أي بشارة لنبي آخر الزمان وأمته والتعسف في تأويلها وصرفها إلى مسيح اليهود المسمى “ملك السلام” أو إلى المسيح \ .

كما أن اختلاف النسخ وتعاور الترجمات وتعدد التفسيرات زاد الركام ركاماً، حتى أصبحت الحقائق المطمورة تحتاج إلى عناء ضخم وصبر طويل ، هذا مع الاستنارة بنور الوحي المحفوظ (القرآن والسنة).

فبسبب تنكب أهل الكتاب عن هذا النور حرموا أنفسهم مصادر اليقين وظلوا في ظلمات ليسوا بخارجين منها إلا به.

وموقفنا من نبوءات أهل الكتاب هو نفس الموقف من عامة أحاديثهم وأخبارهم فهي ثلاثة أنواع :-

أولاً : ما هو باطل قطعاً :

وهو ما اختلقوه من عند أنفسهم أو حرفوه عن مواضعه، كدعوى أن نبي آخر الزمان سيكون من نسل داود ، وأن المسيح الموعود يهودي، وطمسهم للبشارة بالإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وعموماً هو كل ما ورد الوحي المحفوظ (الكتاب والسنة الصحيحة) بخلافه.

ثانياً : ما هو حق قطعاً ، وهو نوعان :

أ )- ما صدقه الوحي المحفوظ نصاً ، ومن ذلك إخبارهم بختم النبوة ، وإخبارهم بنـزول المسيح \ ، وخروج المسيح الدجال وإخبارهم بالملاحم الكبرى في آخر الزمان بين أهل الكفر وأهل الإيمان، ومن هذا النوع ما قد يكون الخلاف معهم في تفصيله أو تفسيره.

ب)- ما صدقه الواقع ،كما في صحيح البخاري عن جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال : >كُنت باليمن ، فلقيت رجلين من أهل اليمن : ذا كلاع وذا عمرو، فجعلت أحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ذو عمرو : لئن كان الذي تذكره من أمر صاحبك فقد مرَّ على أجله منذ ثلاث . وأقبلا معي حتى إذا كنا في بعض الطريق رُفِع لنا ركب من قبل المدينة ، فسألناهم ، فقالوا قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم واستُخلف أبو بكر والناس صالحون ، فقالا : أخبر صاحبك أنا قد جئنا ولعلنا سنعود إن شاء الله ورجعا إلى اليمن. فحدثت أبا بكر بحديثهم، فقال : أفلا جئت بهم. فلما كان بعدُ قال لي ذو عمرو : يا جرير إن بك عليَّ كرامة ، وإني مخبرك خبراً ، إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمَّرتم في آخر ، فإذا كان بالسيف كانوا ملوكاً يغضبون غضبَ الملوك ويرضون رضى الملوك<(1).

ثالثاً : ما لا نصدقه ولا نكذبه :

وهو ما عدا هذين النوعين كما قال صلى الله عليه وسلم: >لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم<(2)، ومن ذلك إخبارهم عن الآشوري ورجسة الخراب وأمثالها. وكوننا لا نصدقه ولا نكذبه يعني خروجه عن دائرة الاعتقاد والوحي إلى دائرة الرأي والرواية التاريخية التي تقبل الخطأ والصواب والتعديل والإضافة . أي أن النهي لا يعني عدم البحث فيه مطلقاً ولكنه بحث مشروط وضمن دائرة الظن والاحتمال.

واليوم والعالم كله تقريباً يتابع الأحداث الجارية على أرض فلسطين في وسائل الإعلام نجد أن الناس في أمريكا وبعض البلاد الأخرى لهم شأن آخر .

فها هنا سوق آخر غير سوق الإعلام المنظور والمقروء ، إنه سوق النبوءات والتكهنات ، وهو سوق لا يهدأ ولا ينقطع ، بضاعته أسفار العهدين القديم والجديد وشروحها ، وتجاره كهنة الأصوليين الحَرْفيين ، أما زبائنه فهم من كل طبقات المجتمع ابتداءً من حكماء البيت الأبيض والبنتاجون وانتهاءاً برجل الشارع ، وهذه الفئة طوائف شتى :  فمنهم من ينتظر نـزول المسيح !

ومنهم من ينتظر خروج الدجال !

ومنهم من يتوقع معركة هرمجدون !

ومنهم من يتنبأ بنهاية دولة إسرائيل تبعاً لقيام الانتفاضة وانهيار عملية السلام !

وهذا هو المهم عندنا لأن نهاية هذه الدولة هي أكثر القضايا إلحاحاً من حيث الواقع وأبعدها عن الغيب المطلق والدخول في أمر القيامة التي لا يعلمها إلا الله تعالى.

وبالتالي فإن أي دراسة استراتيجية علمانية قد تصل إلى مثل أو قريب من النتائج التي تقود إليها النبوءات الكتابية عن نهاية هذه الدولة.

والعنصر الحاسم الذي تنفرد به النبوءات هو تحديد نهاية دولة إسرائيل بالسنوات، الأمر الذي يجعل ذلك عقيدة للمؤمنين بالتوراة والأناجيل ، وليس مجرد رأي أو اجتهاد لباحث من الدارسين ، ومن هنا نأمل أن ينتفع كثير منهم بالحقيقة التي سنحاول الكشف عنها خالصة لوجه الحق !!.

ولما كانت الصهيونية النصرانية هي أكثر حركات العصر خطراً على الجنس البشري ! وكان الأساس الذي قامت عليه عقائدهم وخططهم الجهنمية هو تحقق النبوءة بقيام دولة إسرائيل ؛ كان لابد لكل محب للعدل والسلام في الأرض أن يعرف الحقيقة عن نبوءات هؤلاء، وأن يمد يده لمن ينسف بالحق والعقل الأصول التي بنوا عليها أصوليتهم ، قبل أن ينسفوا هم السلام العالمي ويحولوا كوكبنا المضطرب إلى كتلة من اللهب !!.

إننا في وضع كوني يدرك فيه كثير من العقلاء أن منظمة إرهابية في أوربا أو روسيا قادرة على تهديدالسلام العالمي كله ، فكيف نتغافل عن هذه الحركة الكبرى التي تستحوذ على عقول ثلث الشعب في أقوى دولة في العالم ، وتسعى بكل إصرار للسيطرة على مقاليد الأمور في هذه الدولة ، وتضخ كل طاقتها وحماسها لتأييد أكبر عصابة إرهابية في الأرض -ألا وهي دولة صهيون- ؟!.

إننا نأمل -في حال قيام العقلاء في أمريكا وغيرها- بواجبهم أن يفيء هؤلاء إلى رشدهم وأن يفيق كثير من المخدوعين أو الغافلين، وحين نعمل معاً من أجل تبصير هؤلاء بضلال تصوراتهم وخطأ نبوءاتهم فإننا نكون قد واجهنا الباطل بالحق ، والعدوان بالعدل، والإرهاب بالمنطق ، وهذا أحد الغايات العظمى في دين الإسلام كما قال تعالى في كتابه المجيد لرسول الرحمة و(أركون السلام)” محمد صلى الله عليه وسلم :  {وما أرسلناك إلا رحمة  للعالمين}.

(1) البخاري ، المغازي حديث رقم 4359 مع الفتح.

(2) البخاري ، التفسير حديث رقم 4485.

الشيخ سفر الحوالي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>