آيات ومواقف : {إن الله اشترى من المومنين أنفسهم وأموالهم}


قال تعالى : {إن الله اشترى من المومنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيَقْتُلون ويُقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن، ومن أوفى بعهده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم}(التوبة : 111).

حضر عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ليلة العقبة، وكان من بين ما قال للنبي صلى الله عليه وسلم : اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال : أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون به أنفسكم وأموالكم، قالوا : فمالنا إذا فعلنا ذلك؟ قال : الجنة< قالوا : ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل فنزلت : {إن الله اشترى من المومنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة..}

أعظم بها من تجارة رابحة : الفضل الإلهي فيها ظاهر،والعطاء الرباني الكريم واضح، فقد وهب سبحانه الأنفس بفضله، وأعطى الأموال بكرمه، ثم ها هو ذا يشتريها ممن وهبهم إياها بالجنة! فأي فضل هذا؟ وأي كرم؟ وأي انعام؟ الثمن والمثمن جميعا من الله عز وجل، ولذلك لم يكد عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يعلم بنود عملية البيع والشراء هذه حتى أسرع قائلا : ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل، أي والله، لقد ربح البيع وفار التجار.

فأين من يبيع نفسه وماله لله تعالى بجنة عرضها السماوات والأرض، أين من يسمع قول الله جل وعلا في سورة الصف {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تومنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن، ذلك الفوز العظيم، وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب، وبشر المومنين}(10- 13).

لقد أدرك عبد الله بن رواحة، ومن معه من الصحابة رضي الله عنهم حقيقة هذه الصفقة، فباعوا أموالهم وأنفسهم  لله وهم : {يرجون تجارة لن تبور، ليوفيهم الله أجورهم ويزيدهم من فضله، إنه غفور شكور} وقالوا : ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل، وظل قول الحق سبحانه {إن الله اشترى من المومنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة..} يتردد على الأسماع المؤمنة، والقلوب الواعية، ومن المواقف التي سجلها التاريخ لسلفنا  الصالح رحمهم الله مع هذه الآية ما يلي :

1) موقف أبي الحجاج يوسف بن دوناس الفندلاوي الفقيه رحمه الله :

يقول د. أحمد البوشيخي : لقد كانت بلاد الشام كلها -زمن وجود الفندلاوي بها- تتعرض لهجمات شرسة متتالية من قبل الصليبيين الأوربيين، وكان من بين هذه الهجمات، زحف ملك الألمان كنراد الثالث وملك فرنسا لويس السابع في جيش جرار على مدينة دمشق لاحتلالها مدعومين من قبل الكنيسة ونصارى الشام. وقد خرج سكان هذه المدينة للدفاع عن عقيدتهم ووطنهم بقيادة أميرهم معين الدين أنـر مملوك طغتكين، وكان فيمن خرج صاحبنا الإمام المجاهد العالم العامل القدوة أبو الحجاج يوسف الفندلاوي وهو يومئذ شيخ طاعن في السن، لا يكاد من شيخوخته يقوى على المشي! فحاول الأمير معين الدين -رأفة به- أن يثنيه عن عزمه، ويصرفه عن قصده لما رأى معين عليه من أثر المشقة، فقال له : >أيها الشيخ الإمام، ارجع فأنت معذور للشيخوخة< >ليس لك قوة، أنا أكفيك< فأجابه جواب الواثق بوعد الله، الراغب فيما عنده، قائلا : >لا أرجع< >لقد بعت واشترى مني، فوالله لا أقلته ولا استقلته< يريد قول الله عز وجل : {إن الله اشترى من المومنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة.. إلى قوله.. وذلك هو الفوز العظيم.

وفي يوم السبت 542/03/6هـ التقى الجيشان : جيش الصليبيين، وجيش المسلمين المجاهدين.. فقال الإمام الفندلاوي لصاحبه الزاهد المجاهد عبد الرحمن الحلحولي >أما هؤلاء الروم؟< قال : بلى، قال : >فإلى متى نحن وقوف؟ قال : سر على اسم الله تعالى< ثم تقدم إمامنا نحو الماء يمنعه منه الأعداء، ويقاتل بصدق واحتساب، فما انسلخ اليوم -كما قال تلميذه ابن عساكر- : >حتى حصل له ما تمنى من بلوغ الشهادة، التي توصله إلى ما يرجو من السعادة، فسقط في ساحة الشرف والكرامة، زكيا طاهرا، مقبلا غير مدبر، مستبشرا ببيعه الذي بايع به، رحمه الله وتقبل منه وكثر من أمثاله<(1).

2) موقف أعرابي :

قال القرطبي : قال الحسن : ومر أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية : {إن الله اشترى من المومنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} فقال : كلام من هذا؟ فقال : >كلام الله< قال : بيع والله مربح، لا نقيله ولا نستقيله، فخرج إلى الغزو واستشهد(2).

امحمد العمراوي

مدير مجلة رسالة المعاهد

——-

1) انظر : كتاب تهذيب المسالك  في نصرة مذهب مالك 89/1- 90 الدراسة. تح: د. أحمد بن محمد البوشيخي.

2) الجامع لأحكام القرآن.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>