قمة بيروت.. إخفاقات ونجاحات


رغم الغيوم والأمطار الطبيعية -والسياسية أيضا- التي غلفت أجواء قمة بيروت السابعة عشرة، فقد نجحت القمة لأول مرة منذ سنوات في وضع حل للمشكلة العراقية الكويتية، وهو ما قد يعرقل بعض الترتيبات الأمريكية لضرب العراق، وتمكنت من تضمين بيانها الختامي نصا حول “الحالة بين العراق والكويت” يحظى بموافقة الطرفين.

ومع أن بقية المسائل الكبيرة مثل قضية فلسطين والسلام مع الدولة الصهيونية لم يصدر عنها أي جديد، فإنه يمكن القول بأن ما خرجت به القمة عموما بحالتها العرجاء التي جرت بها (9 زعماء حضروا، وغاب 13 غير الفوضى والانسحابات!!) يتناسب مع الواقع العربي.

فلسطين

فقد أكد القادة في مشروع البيان الختامي “استمرار دعمهم للاقتصاد الفلسطيني وبنيته التحتية لتثبيت صمود الشعب الفلسطيني على أرضه.. ودعم ميزانية السلطة الوطنية الفلسطينية بمبلغ إجمالي قدره 330 مليون دولار بواقع 55 مليون دولار شهريا”. وأن يستمر الدعم لمدة ستة أشهر من أول إبريل قابلة للتجديد تلقائيا طالما استمرت الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

وقرر القادة العرب تقديم دعم إضافي 150 مليون دولار لصندوقَي الأقصى والانتفاضة. ولكن لم تقدم القمة الدعم الآخر الذي يطلبه الفلسطينيون -وطالب به بعض القادة – وهو حمايتهم من العدوان الصهيوني المستمر، وتقديم أي عون تسليحي، وهو الأمر الذي يُغضب الشعب الفلسطيني الذي كان ينتظر المزيد، وربما لهذا قالت كتائب القسام في بيان عملية ناتانيا الأخيرة بأن “عمليتنا التي تأتي في وقت انعقاد القمة العربية في بيروت لهي رسالة واضحة المعالم تقول للحكام العرب بأن شعبنا المجاهد عرف طريقه وكيف يسترجع أرضه وحقوقه كاملة ولا يقبل غير خيار الجهاد والمقاومة خيارا واحدا!”.

مبادرة السلام السعودية

رغم أن هذه المبادرة أثارت جدلا وأخذا وردا، فقد أقرها بالإجماع القادة في بيانهم الختامي بعد إدخال تعديلات سابقة عليها ألغت بمقتضاها عبارة (التطبيع الشامل) وحل محلها عبارة (علاقات طبيعية)، وقد تم تغيير اسمها من مبادرة الأمير عبد الله، إلى (مبادرة السلام العربية)، وكان السعوديون يريدون عدم ربطها بهم بعدما صدرت بيانات تندد بها من بعض القوى الإسلامية سواء داخل السعودية (بما فيهم بن لادن) أو خارجها (حزب الله وغيره).

وتدعو المبادرة إلى إنشاء (علاقات طبيعية) بين الدول العربية وإسرائيل مقابل انسحاب الدولة العبرية من كافة الأراضي العربية المحتلة منذ الرابع من يونيو حزيران 1967، وإلى قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، والسماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين.

ومن الواضح أن المبادرة تلافت عيبا خطيرا ارتبط بها وقت صدورها وهو عدم نصها صراحة على عودة اللاجئين الفلسطينيين، وساعد على ذلك تولي سوريا ولبنان ودول ما كان يسمى (الصمود والتصدي) سابقا دفة التحركات بعد غياب القادة الذين تقيم دولهم علاقات مع إسرائيل، وهو ما خفف الحرج عنهم.

ويبدو أن أجواء القمة السياسية التي أمطرت خلافات قد انعكست على صياغة المبادرة السعودية بشكل عام، لتصبح نسخة من المبادرات العربية السلمية السابقة التي أعلنت في قمة 1996، وربما لهذا سميت مبادرة “السلام العربية” لا السعودية!

تنشيط المقاطعة

ويرتبط بهذا التحرك السوري أيضا ما جاء في مشروع البيان الختامي حول تنشيط المقاطعة ووقف التطبيع، خصوصا أن مكتب المقاطعة يقع في سوريا ويعاني الإهمال؛ حيث قال البيان الختامي: “يؤكد القادة في ضوء انتكاسة عملية السلام التزامهم بالتوقف عن إقامة أية علاقات مع إسرائيل، وتفعيل نشاط مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل حتى تستجيب لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ومرجعية مؤتمر مدريد للسلام”.

وتأكيد البيان أن القادة العرب يُحمِّلون إسرائيل “المسؤولية الكاملة لعدوانها ولممارساتها الوحشية على الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية، وما أحدثته من دمار وخسائر في البنية الأساسية للمدن والقرى والمخيمات والمؤسسات والاقتصاد الوطني الفلسطيني”. ويؤكدون على ضرورة إلزام إسرائيل بمسؤولية التعويض عن جميع هذه الأضرار والخسائر.

العراق والكويت.. إنجاز كبير

ولا شك أن الملف العراقي – الكويتي هو الملف الأكثر حظا في القمة، بعدما أمكن التوصل إلى اتفاق تاريخي بين العراق والكويت لأول مرة منذ عشر سنوات، في ضوء التغير الملحوظ في الموقف العراقي الذي أكده مسئول بالوفد الكويتي بقوله: “لاحظت تغييرا في اللهجة وفي تصرف الوفد العراقي”، وهو تغيير حرص العراقيون على تأكيد أنه ليس خوفا من أمريكا ولكن لتحقيق التضامن العربي.

وربما كان إعلان وزير الخارجية العراقي ناجي صبري أن العراق تعهد خطيا بعدم تكرار اجتياح الكويت عبر موافقته على الصياغة النهائية للبند الخاص “بالحالة بين العراق والكويت” في البيان الختامي للقمة – أمرا هاما يطمئن الكويت.

فقد نص البند عن الحالة بين العراق والكويت -الذي وافق عليه البلدان- على “الترحيب بتأكيد العراق على احترام استقلال وسيادة الكويت وضمان أمنها؛ وهو ما يؤدي إلى تجنب كل ما من شأنه تكرار ما حدث في عام 1990″. كما دعا النص إلى “تعاون الطرفين في مسألة المفقودين”.

ولا شك أن الحرص العراقي على الوصول لاتفاق مع الكويت واكبه حرص كويتي بالمثل؛ ليس فقط لتفويت الفرصة على أمريكا التي ستطلب -لا محالة- من الكويت تسديد جزء كبير من فاتورة ضرب العراق مرة ثانية، ولكن لرغبة الكويتيين في استقرار المنطقة وعدم زعزعتها، خصوصا أن تغيير نظام الحكم في العراق على مر السنوات كان دائما يجر المشاكل على الكويت.

ومن الواضح أن الأجواء الإيجابية بإمكان التوصل إلى صيغة نص توافقي بين العراق والكويت تعززت بعد الخطاب الذي ألقاه نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي “عزة إبراهيم” أمام القمة العربية، وقال فيه بأن العراق “يحترم أمن الكويت، ويأمل في إقامة علاقات معه”، وأنه “يأمل التوصل إلى اتفاق أخوي مع الكويت، وإعادة العلاقات بين العراق والكويت”.

وقد أعرب القادة العرب عن “حرصهم البالغ على وحدة وسلامة العراق الإقليمية، ورفضهم أي استخدام للقوة أو التهديد باستخدامها ضده أو ضد أي دولة عربية أخرى، واعتبار ذلك مساسا بأمن المنطقة واستقرارها”. كما دعوا إلى “رفع العقوبات عن العراق بصورة نهائية”، وأكدوا ضرورة احترام قرارات مجلس الأمن والتعامل الإيجابي مع المسائل الإنسانية المتعلقة بالأسرى والمفقودين الكويتيين والعراقيين وغيرهم وفقا لقرارات الشرعية الدولية باعتبار ذلك يمثل انفراجا حقيقيا يقود إلى المصالحة العربية.

11 سبتمبر ورفض ضرب العراق

ويبدو أن حرص القادة العرب على تجديد إدانتهم للهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة في سبتمبر أيلول الماضي، والمطالبة بضرورة عقد مؤتمر دولي “لبحث موضوع الإرهاب ووضع تعريف دقيق له” استهدف إرضاء واشنطن، وفي الوقت نفسه سوريا ولبنان وفلسطين الذين يطالبون بتحديد الفارق بين الإرهاب، والكفاح  المسلح.

هذا بالإضافة إلى العراق الذي يطالب برفض عربي جماعي صريح لأي عدوان أمريكي جديد ضده.

ولهذا قال القادة العرب في بيانهم الختامي بأنهم “يؤكدون على ضرورة التمييز بوضوح بين الإرهاب الذي يدينونه وحق الشعوب المشروع في مقاومة الاحتلال الأجنبي.. وحق الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني والشعب السوري في مقاومة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي باعتبار ذلك حقا تكفله الشرائع والمواثيق الدولية، ويرفضون الخلط بين هذا الحق المشروع في مقاومة الاحتلال وإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية.

ويعتبرون أن الإرهاب ظاهرة عالمية لا ترتبط بجنس أو دين أو وطن، ويؤكدون رفضهم التام لمحاولات بعض الأوساط ربط ظاهرة الإرهاب بالإسلام والعرب.

كما أكدوا رفضهم محاولة استغلال الحملة ضد الإرهاب في توجيه تهديدات باستخدام القوة ضد أية دولة عربية، ويعتبرونها عدوانا ومساسا بأمن المنطقة واستقرارها، وهو ما يتنافى مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي

< محمد جمال عرفة

إسلام أون لاين.نت

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>