نصائح وتوجيهات تربوية : أهمية ترشيد الوقت مع قرب موعد الامتحانات


لا ريب أن الحديث عن الفضاءات التي يختارها التلاميذ والطلبة لتهييء امتحاناتهم أمر له أهميته، باعتبار أن هذه الفضاءات تفسح المجال أمام التلميذ/الطالب للانطلاق والتفاعل مع دروسه، مما قد يبعده عن الرقابة التي ألفها في البيت، ويبدد عنه الشعور بالملل الذي ينتابه.

وما من شك في أن القيام باستطلاع للرأي بخصوص هذه الفضاءات أمر له أهميته، لأنه يشكل مناسبة للوقوف على إيحاءات ودلالات أجواء التحضير، وما يرتبط بنفسية التلاميذ/الطلبة الذين يبقى النجاح بالنسبة إليهم هو ذلك الحلم المراد تحقيقه، غير أن الأهم من ذلك كله هو “الوقت” كغلاف زمني يتعين أن يغطي حصيلة معارف ومعلومات سابقة، ومن هنا يصبح حسن تدبيره أو تضييعه أمراً يحسب لصاحبه أو يحسب عليه.

ولهذا مع اقتراب موعد الامتحان، يصبح عنصر الزمنله قيمة موضوعية، ومسؤولية إنسانية كبيرة لدى المتعلم، إلى الحد الذي يصبح فيه غير حر في وقته يبدده كما يحلو له، بل إن كان مالكا له في وقت، فقد يصبح مملوكا له في وقت آخر، وإذا ماحاول تبديده، فإن الوقت بدوره يبدده ويقتله، حتى شاعت بين الناس مقولة : “الوقت كالسيف  إن لم تقطعه قطعك”.

من هنا يأتي اختياري للحديث عن أهمية الوقت بالنسبة للمتعلم الذي يعتبر بالنسبة إليه أغلى وأثمن شيء يملكه في حياته الدراسية، فهو رأسماله الحقيقي الذي يجب أن يستثمره ويدخره، لا أن يضيعه ويفنيه، وقد لا ينتبه لهذه الحقيقة إلا بعد فوات الأوان، فيتمنى ساعتها أن يعطى فرصة من العمر، ولكن هيهات هيهات أن يجاب لذلك.

ومن ثم فإذا تبينت لنا أهمية الوقت في حياتنا اليومية، أدركنا السر من قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عباس أنه قال : >نعمتان مغبون فيها كثير من الناس الصحة والفراغ<(1).

وعرفناكذلك المراد مما جاء في الحكمة : “من كان يومه كأمسه فهو مغبون، ومن كان يومه شرا من أمسه فهو ملعون”.

لكن مسألة التعامل مع الوقت، باستغلاله وحسن اغتنامه، تظل مطلبا أساسيا يراد بلوغه من كل تلميذ/طالب لا سيما كلما بدأ العد العكسي لوقت الامتحان، الذي قيل عنه بأنه : “يوم يعز فيه المرء أو  يهان”. خاصة في ظل زحمة المواد الدراسية وكثافتها، وانتشار الوسائل الصارفة والشاغلة عن عملية التحصيل، وما يرافق ذلك من عملية ا لتسويف وتأجيل عمل اليوم إلى الغد.

لذلك فإن التلميذ/ الطالب الواقع  في مثل هذه الظروف، غالبا ما تختلط عليه الأوراق، ولا يعرف كيف يتعامل مع المقرر، وهو يقوم بعملية التحضير والتهييء، فتضيع مجهوداته أدراج الرياح.

وعلى هذا الأساس  “يبقى الهدف الرئيسي من العملية التعليمية -التعلمية هو تزويد المتعلم بمجموعة من الآليات والتقنيات التي ستمكنه من التزود بما يحتاجه من المعارف والخبرات”(2).

إن الاستيعاب الجيد، والتحصيل الرصين، يبقيان رهينين بمدى اكتساب المتعلم للأدوات الموصلة لهدفه، وهذه التقنيات هي عصارة ما تلقاه في الفصل الدراسي، انسجاما مع المثل الصيني الذي يقول : “لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد”.

“فليس الغرض من التعليم هو شحن ذهن المتعلم بركام المعلومات، مادامت هذه الأخيرة تتقادم، بل تمليكه من الأدوات التي تؤهله لممارسة التكوين الذاتي”(3).

وإن امتلاك هذه التقنيات والأدوات هي الجسر الذي عبره يصل المتعلم إلى بر الأمان، وبالتالي فالمجهودات المتوالية، والأعمال المتواصلة منه، متى تكللت بالنجاح فإن هذا يشعر المتعلم بالثقة في نفسه، ويدفعه إلى مضاعفة الجهود وتحسينها والبحث أكثر عن أنجع الطرق لتحصيل أفيد. وللاشارة فإن الطريق إلى ذلك لن يكون مفروشا بالورود، بل لابد من تجشم المشاق وتحمل الصعاب التي تقتضيها طبيعة التحصيل، وهذاما يملي على المتعلم أن يضع نفسه في ظروف تجعله قادرا على النجاح، من خلال الجهد الذي يبدله طيلة الموسم الدراسي، وما من شك في أنها ظروف قد تتحداه، لأنها تتطلب منه صبرا ومصابرة، ولكنها مع ذلك لا تعجزه، وهذه أمور ينبغي أن يكون على علم بها، لأن ثمار هذه المعاناة، ونشوة هذا التعب، لا تظهران إلا عند اعلان النتيجة بالنجاح.

ولنعلم أن الصبر على التحصيل لا يكون إلا بحرمان النفس من الأمور التي تهواها، لا سيما إذا وافقت فترة التحضير بعض المناسبات التي قد تأخذ بلب المتعلم وعقله، كهستريا كرة القدم، أو حمى الانتخابات..

ولا ينبغي أن نفهم من هذا أن الدعوة إلى اغتنام الوقت، يجب أن تحمل على الحرمان الجارف، كلا، إنما هي غاية إلى ترشيده بشكل أليق.

لأن الكل منا تلميذا كان أو أبا أو مدرسا له الحق في وقت ليعيش حياته، بمعنى أن يأخذ مكانه ويتفاعل داخل بيئته، بالقدر الذي يجعله يفهم العالم المحيط به، أي : أن يمتلك ذوقا فنيا يعرف بواسطته كيف ينتقي مواده، ويروح عن فلجات نفسه، سالكا في ذلك مسلك الاعتدال.

إن “الزمن” أو “الوقت” كوحدة قياس نعد به حصيلة أعمالنا ومنجزاتنا كان هاجسا حاضرا بثقله عند المفكرين المسلمين القدامى، فلا غرو إذا وجدنا فيلسوفا كبيرا من مستوى ابن رشد يشكو من ضيق الوقت، الذي ربما كان حائلا بينه وبين إتمام مشاريع علمية كان يرى أهميتها.

“فلم يكن عامل الزمن يسعفه كثيرا، إلى درجة أننا نجده في أخريات أيامه يتحسر على مشروع علمي كان يأمل أن يتمه حتى يئس من ذلك”(4).

ومن منطلق أن التلميذ/الطالب لازال في بداية الطريق، وأن ثمة محطات تنتظره في مساره الدراسي، لذلك فإن الرغبة فى إتمام هذا المشوار، هي التي توقظ فيه جذوة الاحساس بقيمة الوقت، وهذا ما يمكن أن يخلق فيه نوعا من الحرص على المنافسة مع الزمان، ليستفيد من كل دقائقه إيمانا منا بأن الصناعة طويلة والعمر قصير، وأن “ما لا يدرك كله لا يترك جله”.

فلنكن حريصين على ترشيد أوقاتنا بما يكفل لنا تحقيق آمالنا وأحلامنا تأسيا بأسلافنا، نترك على الأقل بعضا من بصماتنا شاهدة على جهودنا، لتبقى أكبر معبر عن أعداء رسالتنا كمتعلمين، متملين بقول الناظم :

تلك آثارنا تدل علينا  <<  فانظروا بعدنا إلى الآثار.

ذ. حسن بلباكري

—–

1- أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب : الرقاق، باب : ما جاء في الصحة والفراغ.. ج 8، ص 453، ط 87 دار القلم.

2- خالد المير/ إدريس قاسمي، “بيداغوجيا الدعم”، “التعلم والأساليب المعرفية” عدد 6، ص 77، ط 97.

3- خالد المير/ إدريس قاسمي، نفس المرجع والصفحة السابقين.

4- مجلة فكر ونقد، أنظر مقال حول : “الزمن” والمشروع العلمي لابن رشد ابراهيم بورشاشن، العدد 15 يناير 99 ط دار النشر المغربية.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>