من هدم بيت العنكبوت..؟!


ابتداءا نقول “اللهمّ لا شماتة” لأن ما وقع في أمريكا قد يقع في أي دولة أخرى سلكت مسلكها ونهجت نهجها.. وما وقع في أمريكا -استنادا للأسباب- قد يكون مصير الكثير من الدو ل الغربية منها وحتى العربية.

لماذا أمريكا بالذات؟!

الجواب، وبكل بساطة، لأنها مثلت الحكم المنحاز في الكثير من القضايا العالمية العالقة، وكانت لها صولات وجولات سوداء في جبين تاريخها الطويل العريض.

لكن مهما كان، ومهما قيل في الموضوع، يبقى النبض الإنساني الحساس هو الحكم الأول والأخير في القضية. وأيّ إنسان -مهما كان انتماؤه ومهما كانت درجة حساسيته مع أمريكا- لن يرضى بما وقع، إذا استفتى قلبه وحكم ضميره.. هذا بالرغم من أن الشعب الأمريكي الذي نتعاطف معه في مصابه الجلل، إلا أننا لا نبرّئه مائة بالمائة هو الآخر، وذلك إذا علمنا ما للشارع الغربي عامة والأمريكي خاصةمن تأثير إيجابي وبناء في توجيه دفتي القرار هنا أو هناك في بلدانهم، على خلاف الشعوب العربية المغلوبة على أمرها، ومع ذلك -وللأسف- الشعوب الغربية عامة لا توظف هذه الورقة الضاغطة على حكوماتها، كلّما تعلّق الأمر بقضايا شعوبنا العربية والإسلامية، المستهدفة شرقا وغربا.. ولعلّ هذا الأمر هو الذي يترجم، لماذا المرء -في بعض الأحيان- يساوي بين الشعوب وحكامها في مثل هذه الظروف، أو على الأقلّ تلك التي تنعم بمناخ ديموقراطي عام.. فيكاد معها هذا الحسّ الإنساني ينتفي، ويكاد أيضا نبض التعاطف معها يتوقف.. ومن خامره هذا الإحساس فعذره فيما سلف.

وقد لا يكون هذا هو صلب الموضوع.. فبعد ما حدث ما حدث. حيث لا يُغني حذر من قدر.. كان اللافت للانتباه حقا، والمقلق المقرف معا.. هو حال الشارع والإعلام الغربيين الذين وجّها -ومنذ الساعات الأولى للحدث- سهام اتهامهما وسموم انتقاداتهما.. نحو صدور العرب والمسلمين، دون أدنى تأنّ أو رويّة.. وهذا أمر كان من المفروض أن تردّه الحكومات العربية وتنتقده بشدّة.. لأنه في الأصل ضرب لهويّتها وتشويه لسمعتها وعقيدتها، لأن مثل هذه العمليات أصبحت في عرفهم -وللأسف الشديد- حكرا على المسلمين، أو إن شئت فسمّيها بلغتهم المتحضرة : (style musellement).. فاتهام “أفغانستان” أو غيرها، هو في الأصل اتهام للعرب والمسلمين جميعا؛ لأن “المتهم بريء حتى تثبت إدانته” لكن الغرب، ومن فرط صدمته، فقد صوابه واتزانه، وطغى على لغة العقل والتعقل لغة الأعراب والعنترية.. وهذا -بطبيعة الحال- لا يتناسب مع دولة عظمى و”متحضّرة” مثل أمريكا، تدّعي أنها تحمل راية الزعامة الدولية أو تكاد..

إذا كان الزعيم أرعنا

فماذا نقول عن الرعية؟!

والدليل؛ أن توصيات “دير بن” لم تجف بعد، وإذا بإعلامهم الجارف يطالعنا بنعوت جديدة تكيد للعرب والمسلمين، على ألسنة قادة وسياسيين؛ من قبيل : مخلوقات غريبة مخلوقات منحطّة، برابرة، متوحّشون، أعداء الحرية، أعداء الحضارة، أعداء الديموقراطية..وهلمّ شرّا..

والغريب المريب -أيضا- أن المكتب الفدرالي للتحقيقات، والذي كان من المفروض أن يتعامل مع الحدث بحذر ورويّة، خرج -هو الآخر- عن صمته مبكّرا، وركب الشكّ بدل اليقين، والعاطفة بدل التعقل.. فبمجرّد حصوله على لائحة بأسماء ركاب الطائرات المختطفة، و-أيضا- بمجرّد العثور على أسماء عربية فيها، انقلب الشك يقينا والاتهام حقيقة.. مع العلم أن إجمالي ركاب الطائرات المتفجّرة قد تجاوز ثلاث مائة راكب، من بينهم حسب ما يدّعون 18 عربيا فقط، فأين الباقون من سلّة الاتهامات؟ ولماذا اتجهت مباشرة عيون المحققين إلى هؤلاء وغضّوا الطرف عن الآخرين؟؟ ألأنهم غربيون متحضّرون، ويستحيل قيامهم بمثل هذه الترّهات، أم أنهم طبّقوا في حقهم قاعدة؛ “إذا حضر الماء بطل التيمّم”؟؟ وأمام هذه النظرة الأحادية والعدائية للعرب، بات من الواضح الأكيد أن أمريكا حتى وإن عثرت على الجاني الحقيقي فعلا (شخصا كان أو جماعة، عربيا أو غربيا…) فلن تكتفي به ثأرا لما وقع.. بل سيظلّ مُقنّعا و لربّما حوكم سريا وراء الكواليس، أما الغرض الحقيقي الذي تسعى إلى تحقيقه أمريكا وحلفاؤها هو فرصة العمر ومصيدة العصر التي من خلالها ستلبّي رغبات شتى وتشفي قلوب الكثير من حلفائها التقليديين، وعلى رأسهم إسرائيل.

هي فرصتهم إذن، وعلى العالم العربي والإسلامي أن يؤدّي فاتورة أعراسهم الدموية.

من أجل ذلك، لن يكشفوا عن الفاعل الحقيقي، حتى و إن وجدوه حقيقة، ليظلّ الوزر الثقيل قائما تؤدّي ضريبته كلّ جهة يريدون تصفية حساباتهم معها؛ وعلى رأسها أفغانستان في شخص “بلادن” وباكستان الداعمة، والعراق في شخص “صدام” وفلسطين في شخص مقاومتها الباسلة، الضاربة في عمق إسرائيل، وسوريا في شخص “حزبالله” الذي طالما أوجع الصهاينة، وجرّعهم مرّ الهزيمة.. بالإضافة إلى السودان وإيران.. والبقية تأتي..

هي فرصتهم إذن، ولعلّها نضجت تحت نار صهيونية هادئة، أَوْقَدَتْها الموساد وستبقيها الـ FBI مشتعلة إلى أجل غير مسمّى.. والأغرب ممّا سبق؛ الموقف العربي الصامت المتفرّج؛ ففي اللّحظة التي تحركت فيها حكومات دول العالم تقيم التجمعات والمؤتمرات لمدارسة الوضع، والخروج بمواقف وقناعات اتجاه القضية. لم نسمع لقادة العرب حسا ولا ركزا، بل تفرّقوا ودخلوا مضاجعهم كالنمل في انتظار الطوفان.. وتركوا الساحة السياسية والإعلامية للحاقدين والمتنطّعين، {ليتبّروا ما علوا تتبيرا}؛ يتهمون هذا ويهدّدون ذلك ويتوعّدون الجميع. وقادتنا فيما يظهر لاذ كلّ واحد منهم بصمته إلا من رحم ربك..

نعم، إننا نتصرّف حيال الموضوع وكأن الأمر لا يعنينا في شيء؛ سواء ضربت أفغانستان أو باكستان أو إيران أو السودان.. المهم نفسي أو الطوفان لكن ماذا لو قصفت السعودية مثلا، أو قصفت أراضي فلسطين؟؟ وماذا لو قصفت سوريا أو مصر أو العراق مجدّدا..؟؟ فهل سنبقى مكتوفي الأيدي، أم ساعتها فقط، نهرول كعادتنا إلى عقد قمّة طائرة رقم 727..؟؟ لست أدري، وكلّ ما أدريه أنّ أمتنا أسلمت ثغورها، وأسلست للذل جناحها.. فلا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.

والمؤسف في الموضوع حقّا، يحدث كلّ هذا في الوقت الذي تجني فيه الأمة العربية والإسلامية حصاد البؤس والقهر والاستعمار والتكالب والتهميش الذي مرّ بها.. بل أكثر من ذلك خسرنا كلّ شيء؛ خسرنا مواقعنا ومواطن نفوذنا، وحتى مكاسبنا الآنية والمرحلية…

وصارت أمريكا ومن ورائها إسرائيل، تجني التطاول والتعاطف الدولي، وتكسب مواقع جديدة حتى في قلوب أولئك الذين كانوا بالأمس القريب أكثر عداء لها؛ فهل ينسى عبدة الأبقار أصنامهم التي حُطّمت في أرض التوحيد..؟ وهل تنسى دول أوروبا محاكمة أبنائها على أرض الإسلام..؟ وهل تنسى أمريكا ما قض مضجعها من ذلك الوعل  المتحصّن بجبال أفغانستان..؟ وهل تنسى إسرائيل ما أوجعها من أيدي حزب الله وأطفال الحجارة.. وفضيحتها في مؤتمر “دير بن” الأخيرة؟؟

من أجل ذلك كلّه، سالت دموع التماسيح أودية، ودقت ساعات الصّمت وقوفا وإ جلالا للفتح الجديد، وسخت مخازن العالم بذخائرها الحية ودسائسها المر عبة، بل وفتحت قواعد ومطارات العالم أحضانها لكلّ من هبّ ودبّ من ترسانة أمريكا وحلفائها..

- وكلّ هذا ضدّ من؟؟ ضدّ العرب والمسلمين…!!

فكم قتل من شباب العرب والمسلمين في العراق وفلسطين..؟ وكم هدمت من البيوت في المدن الفلسطينية..؟ والتي لو جُمع بعضها فوق بعض لاعطتنا أكثر من ناطحات سحاب.. ومع ذلك لم تُنكس من أجلهم أعلام، ولم تُقَم من أجلهم صلوات.. فعن أيّ عنصرية يأتمرون، وعن أيّ إرهاب يتحدّثون..؟!

هي فرصتهم إذن، فاحذروا.. {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.

ذ. المداني عدادي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>