دور الأسرة في التحسن الدراسي للتلميذ


يقول فكتور روبنصن : >كان أشراف أوربا لا يستطيعون توقيع أسمائهم بينما كان أطفال المسلمين في قرطبة يذهبون إلى المدارس، وكان رهبان أوربا يلحنون في تلاوة سفر الكنيسة بينما كان معلمو قرطبة قد أسسوا مكتبة تضارع في ضخامتها مكتبة الاسكندرية العظيمة<

لقد بعث الله نبيه  في أمة أمية وذلك لإخراجها من الظلمات إلى النور ومن الجهل إلى المعرفة قال تعالى {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} (سورة الجمعة : 2).

والتعلم عملية ذاتية نشيطة في الانسان يقوم بها تلقائيا مسترشدا بتوجيهات الراشدين حوله وذلك لتحقيق حاجاته وإشباعها.

وإذا كانت المدرسة تسد أبوابها في العطل وبعض الساعات من كل يوم، فإن مدرسة الأسرة لا تعرف عطلة ولا توقفا، ولكن للأسف الشديد فإن كثيرا من الأسر اليوم تعرف عطلة مستمرة، فلا تعهد ولا رعاية ولا تربية وإنما أصبح الأمر موكولا إلى البيئة والمحيط الخارجي، ولهذا لا نستغرب إن حصل أبناؤنا على نتائج سيئة في دراستهم وأخلاق سيئة في معاملاتهم وسلوكهم. إن هناك نسبة كبيرة من التلاميذ (في مختلف المستويات التعليمية) ليس لهم تخلف عقلي ولكنهم رغم ذلك يرسبون بل منهم من يطرد وذلك لكسلهم وعدم اجتهادهم ومثابرتهم في دراستهم

وإذا حاولنا البحث عموما عن سبب التأخر الدراسي عند التلميذ فإن معظم الآباء يلقون السبب على غيرهم ويزكون أنفسهم، ولهذا نطرح هذا الموضوع بكل صراحة للمناقشة والخروج بحلول عملية.

- لماذا لا يحصل أبناؤنا على نتائج حسنة؟

- لماذا لا يملكون الرغبة في الدراسة وحب المذاكرة؟

- لماذا لا يحصل انسجام بينهم وبين مدرسيهم؟

- لماذا أصيبوا باليأس من جدوى الدراسة؟

- لماذا لا ينتفعون بما يدرسون؟

- لماذا ؟!! لماذا؟!!

أسباب  التخلف  الدراسي

1)- عامل مقصود : وهي كل الوسائل المدبرة التي يقوم بها الكبار حيال الصغار للتأثير في عقولهم وأجسامهم وأخلاقهم تأثيرا يساعدهم على نموهم نموا طبيعيا ومتوازنا.

2)- عامل غير مقصود : وهي الوسائل التي تؤثر في نمو الأطفال جسميا وعقليا وخلقيا بدون أن يكون للكبار -آباء أو مدرسين- دخل في توجيههم نحو هذه الغاية.

وينقسم هذان العاملان إلى ظواهر طبيعية من وراثة وبيئة محيطة ومؤثرات اجتماعية -كحضارة الأمة وتقاليدها وأعرافها ومعتقداتها الدينية والتربوية وسلوكات فطرية داخلية يقوم بها الطفل مدفوعا ومجبولا بميولاته وغرائزه واستعداداته الفطرية.

يقول الدكتور علي عيسى عثمان : كل جيل من الآباء مُطالب بالنظر  في ملاءمته ما تعارفوا عليه من قيم وعادات وأفكار… أو عدم ملاءمة تربية أطفالهم، ومطالب الآباء وأوليائهم بتغيير ما يلائم حاجات الفطرة وباكتساب ما يلائمها، ففي هؤلاء الكبار -آباء ومربين- يجب أن تحدث التغيرات اللازمة في نظرتهم للقيم والأخلاق ليصيروا هم بعد ذلك نموذج البيئة الصالحة من أجل تشكيل ما جُبِل عليه أولادهم لينموا نموا سليما، فالأولاد لا حول لهم وهم في هذه المرحلة مرحلة المرونة في التشكل  والتبدل العقلي والخلقي”.

وهناك فئة عريضة من الآباء تُرجع أسباب تخلف أبنائهم في الدراسة إلى العامل الوراثي، نعم فعامل الوراثة له دور في التربية والتعليم وهو مطلوب لذاته، ولكن ليس هو كل شيء فبالتربية والتوجيه المبكر يمكن تقويم ما قد يكون  معوجا من انحراف أو غلو أو تخلف عقلي نتيجة الوراثة، وهذا من اختصاص الأبوين ببذل الجهد في اكتشاف هذه الوراثات السيئة في وقت مبكر قبل أن تكون لها السيطرة على نفسية الطفل  فيصعب علاجها وهذا من شأنه أن يحدث التعديل المطلوب بقدر نسبي من اليُسر وليس الأمر مستحيلا كما هو شائع -المربي من عند ربي- فأين هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه من جاهليته بعد إسلامه والأمثلة كثيرة

ليس من صواب الرأي أن نلقي بكل المسؤولية -في التخلف الدراسي عند الطفل – على عاتق الأبوين فقط دون غيرهم من المؤثرات الخارجة عن إطارهم كالمجتمع والشارع والمدرسة فالمسؤولية مشتركة بين هذه التفاعلات خاصة في هذا العصر الذي تعقدت فيه الأمور وأصبح الهدم والبناء في آن واحد قال الشاعر قديما :

فلن يبلغ البنيان يوما تمامه

إذا كنت تبني وغيرك يهدم

وبناء على استفساراتنا للآباء والمدرسين والتلاميذ تعددت الأسباب إلى ما يلي :

- غياب جانب القدوة من الآباء والأمهات في الحياة اليومية وانشغالهم عن أبنائهم

- كثرة مشاهدة التلفاز وما يحمله من برامج لا تصلح للأطفال

- تأثير الرفقة السيئة من الأصدقاء

- ضيق السكن وارتفاع عدد أفراد الأسرة مما يسبب الصخب والازعاج

- الفقر والعوز مما يصعب تدعيمالأبناء بدروس الدعم وشراء الكتب الإضافية

- أمية الآباء أو بعضهما

- كثرة الملاهي ونوادي اللعب في جل الأحياء المحيطة بالمنازل وحتى قرب المدارس والمعاهد

- هوس كرة القدم لعبا ومشاهدة وتشجيعا

- جو الأسرة المكهرب نتيجة العلاقة السيئة بين الأبوين وحتى الأخوة فيما بينهم

- الصعوبة في إنجاز المهام الدراسية وعدم وجود القدرة للدعم والارشاد والاهتمام

-السهر الكثير وقلة النوم مما يؤثر على عقل التلميذ في عدم الاستيعاب والفهم الجيد

- شرب الدخان وتعاطي المخدرات عند البعض

- العلاقات العاطفية مع التلميذات مما يشغلهم عن الهدف من الدراسة

-ارتباط الدراسة بالحصول على الوظيفة والمنصب والجاه عند التلميذ والوالدين سواء

- الشغب واللامبالاة في البيت وفي المدرسة وانعدام العقوبات التأديبية

- خطأ اختيار التخصص المناسب للتلميذ والتدخل السيء من طرف الآباء

الحلول المقترحة

لكي يتبوأ أطفالناوفلذات أكبادنا مكانة مرموقة في مجتمعهم وجب تشجيعهم على طلب العلم وحب الدراسة والاجتهاد فيها منذ نعومة أظفارهم وذلك بالإنفاق والتأديب والتشجيع قال  : >حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتاب والسباحة وألا يرزقه إلا طيبا< رواه البيهقي.

فالتعليم واجب لأنه يبصر المرء بما لَهُ وما عليه من الحقوق والواجبات، والتعليم أهم المؤثرات في شخصية الطفل سواء من الوالدين أو المعلم، فهو في هذا السن -أي الطفل- كالعجينة يسهل تشكيلها والتأثير فيها، وقد كتب الجاحظ في وصية أب لمعلم ولده فقال : “ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح بُنَيَّ إصلاح نفسك فإن أعينهم معقودة بعينيك فالحسن عندهم ما استحسنت والقبيح عندهم ما استقبحت”

فالقراءة والدراسة كما يقول الحكماء سبيل العلم، والعلم مصدر المعرفة والمعرفة نور العقول والقلوب وإلا ضَلَّ الطفل -إن لم يتعود القراءة منذ الصغر- والعلم المقصود والذي نقصدههو كل علم ينتفع به الفرد في دينه ودنياه وينفع به قال  :>طلب العلم فريضة على كل مسلم< ويقول الحكماء أيضا : الناس ثلاثة : عالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة وهمج رعاع -أي من لا قلب لهم- أتباع كل ناعق مع كل ريح يميلون لم يستضيئوا بنور العلم

-وتعلم العلم حسنة وطلبه عبادة وبذله لأهله قربة وهو منار أهل الجنة والأنيس في الوحشة والصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة…

ومما يجب على الآباء والمربين أن يفهموه للأبناء ويحفظوهم الحديث المشهور الذي قال فيه المصطفى  :>من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر< رواه أبو داوود والترمذي.

وقد فهم العقلاء الأوائل الذين استفادوا وأفادوا أن أول العلم : الصمت والثاني : الاستماع، والثالث : الحفظ، والرابع : الفهم، الخامس : العمل والسادس : نشره بين الناس

انطلاقا من النصوص المذكورة والأقوال المأثورة يبدو أن الغاية من بذل الجهد من أجل اجتهاد أولادنا في الدراسة : ليكونوا أداة في بناء مجتمعهم في كل الميادين الثقافية والصناعية والعلمية والزراعية والتجارية وغيرها

توجيهات عملية

< تحبيب مجالس العلم للأبناء بالتشجيع والترغيب وبالقدوة

< تعويدهم منذ الصغر على الإكثار من المطالعة في الكتب والمجلات والجرائد…

< يُقرن دائما للأبناء طلب العلم بالخُلق فهو تاجه ووقاره وأنه غاية وليس وسيلة

< تحذيرهم من الغش في الامتحان وتأديبهم على ذلك

< مراقبتهم ومتابعة أحواله الدراسية بالسؤال عنهم في مدرستهم

< تجنيبهم رفقاء السوء فأغلبهم كسالى ولا يبالون بدراستهم

< تكوين مكتبة خاصة بهم في البيت تستجيب لحاجياتهم

<لا يسمح لهم بمشاهدة التلفاز إلا حينما يخلصوا من مذاكرتهم أولا مع تجنيبهم مشاهدة ما لا يليق بهم ولا بسنهم ثانيا.

< تخصيص جوائز تحفيزية للمتفوق والقيام بحفلات النجاح إن أمكن ذلك ولو رمزية.

<توفير الجو الهادئ في الأسرة.

< أن تعلمه آداب احترام المعلمين وهي :

- أن يتواضع لمعلمه وأن يحترمه ويقدره

- أن يخضع لنصيحته وتوجيهاته

- أن يطلب رضاه والاسراع إلى مساعدته

- أن لا يسأله إلا بعد إذنه

- أن لا يقطع حديثه عند إلقاء الدرس

- أن يحسن الاصغاء إليه وأن يجلس مستيقظا فاهما

-   عبد الحي بن عبد الجليل

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>