إن مسؤولية البيت في تربية الطفل وصياغة شخصيته، مسؤولية جسيمة وعظيمة كما أسلفنا. فالأسرة هي أول عالم يفتح الطفل عينيه عليه ويرتبط به، ويترعرع في أجوائه. وبقدر ما تكون الأسرة في المستوى المطلوب من الوعي والقدرة على تجسيد النموذج المثالي في السلوك، بقدر ما تستطيع أن تنجح في تربية سليمة وصحيحة، والعكس بالعكس..
فالأبوان يملكان أهم شروط ومؤهلات التربية. ولكن أي نوع من التربية يجب أن نهتم به؟ وماذا نريد أن نصنع من الطفل في المستقبل؟ هل نريد أن نصنع إنسانا يعتبر امتدادا لواقع المجتمع على علاته؟ أم نريد أن نصنع إنسانا يساهم في تغيير الواقع، ويسعى إلى تنمية المجتمع في الاتجاه الإيجابي.
إن تحديد نوع الهدف الذي تسعى إلىه الأسرة من وراء تربية الطفل يحدد نوع التربية ومنهجها وشكلها، ولكن هناك مجموعة من العوائق تقف في الطريق دون تحقيق الهدف الشامل، أهمها :
أولا : الجهل وفقدان الوعي وانعدام الرؤية الواضحة، ذلك أن جل الآباء والأمهات يفتقدون للفقه التربوي الضروري والذي بدونه لا يمكن للأسرة أن تؤدي الدور المنوط بها..
والمقصود بالفقه التربوي هنا الاطلاع على الأساليب التربوية والتكوينية التي تتعلق بالطفل وتنشئته، فهناك عشرات الأسئلة والاستفسارات نزعم أنها غير مدروسة لدى جل الأسر المسلمة، أو أن معلوماتها مشوشة ومشوهة معتمدة على التقليد والاقتباس غير المبني على التمحيص والدراية الصحيحة.. كيف نربي أولادنا في المنزل؟ وما الدوافع والوسائل التي نستخدمها للاستثارة والحفز؟ وفي أي المواقف يظهر تأثير الأب أكثر وفي أي المراحل يظهر تأثير الأم أكثر؟ وما أنواع واتجاهات العواطف والمشاعر بين الوالدين والأبناء؟ وفي أي مرحلة تبدأ المقارنة بالآخرين من الأقران أولا ثم الكبار ثانيا؟ وفي أي مرحلة يبدأ الصغار في السلوك بطريقة الكبار؟ وما الأساليب التي يعتمد عليها الطفل لاكتساب معارفه وتغيير اتجاهاته؟ وما الأساليب التي يعتمد عليها الآباء والأمهات لكي يساعدوا أولادهم على إنجاز واجباتهم المدرسية، وهل أمية الأم أو الأب عائق أمام هذا الجانب؟.. كيف نعالج “الدلال” والخجل وفقدان الثقة عند أطفالنا؟ كيف نستثمر دور الأسرة في التحصيل الدراسي؟ كيف نقلل من العوامل المؤثرة على القراءة عند أطفالنا؟ كيف ننمي حب القراءة عند أطفالنا؟ كيف نساعدهم على بناء شخصية متوازنة؟ هل لدينا القدرة على حل المشاكل الجنسية لأطفالنا وإيجاد حلول ناجعة لها؟ كيف نبني وننمي صناعة القرار عند أطفالنا؟..
من هنا نقول إن هناك إشكالية حقيقية نواجهها في هذه الأمور.. ومنطق العقل يطلب منا الاهتمام بهذه القضايا، بل إن مسؤولياتنا أمام الله أعظم وأجل..
فالواجب أن يعلم الأبوان أن القيام بالتربية أحسن قيام رهين بالتزود بالقدر الكافي من الفقه التربوي الضروري (المعلوم من التربية بالضرورة)..
ويمكن تلخيص هذه النقطة في قولنا إن تربية الآباء والأمهات ضرورة لنجاح تربية الأبناء..
ثانيا : اختلاف الأبوين وعدم اتفاقهما على منهج التربية الواجب اعتمادها داخل البيت..
ثالثا : صراع الأبوين نتيجة عدم تفاهمهما، وتشاجرهما أمام الأطفال.. وهنا نشير إلى قاعدة تربوية جليلة : أمام الأطفال نعم للحوار لا للصراخ..
رابعا : تدخل عناصر أخرى في تربية الطفل بشكل يخالف منهج الأبوين، كالجدة والجد وغيرهما من أفراد الأسرة، مما ينتج عنه بناء مشوه لشخصية المتربي..
خامسا : عدم تجسد القدوة في الأبوين أو أحدهما.
سادسا : تسرب المؤثرات الخارجية بما تحمله من سلبيات ومحتويات تخالف ما يطمح إليه الوالدان خاصة في حالة غياب فعل الأبوين داخل مملكتهما الصغيرة.
هذه بعض العوائق التي تفسد العملية التربية وتؤدي بها إلى الفشل وتفويت بلوغمقاصدها.
فكيف تستطيع الأسرة أن تتصدى لها وتتجاوزها؟
إنه موضوع جدير بالتأمل والبحث والتفكير..
إن الآباء والأمهات يعرفن أن أسلوب التعامل سهل دائما في حالة فهمهم للابن، ويعرفون أن أسلوب التعامل دائما صعب ومتعب ومعقد حين لا يفهمون الطفل. ويعاني الأمهات والآباء من محاولة الطفل كي يبدو إنسانا مستقلا، إنه يحاول أن يؤكد دائما أنه يميز بمفرده بين ما هو صحيح وبين ما هو خاطئ وهو يحاول دائما أن ينال إعجاب المجتمع وحبه وأن “يطير بجناحيه”. والآباء والأمهات لا يعاشرون الأبناء طوال اليوم، إذ أن هناك مجتمعا يرتبط به الأبناء ومن هذا المجتمع يختار الطفل لنفسه ألوان السلوك التي يفضلها، فهو يتعلم من أبناء الحي ومن أصدقاء المدرسة ومن المدرسين ومن قواعد الدين الذي ينتمي إليه…
فلابد إذن للمسلم الذي يريد أن ينشيء أولاده تنشئة إسلامية على أساس من الإيمان والتقوى والجهاد المتكامل في الحياة، أن يعيد النظر في موقعه، وذلك بمعايشة الفكر الإسلامي، والمطالعة المستمرة فيه، والاطلاع على كل جديد حسب ثقافته وطاقته الفكرية ومعرفة الطرق الهادمة لمقومات الأسرة المسلمة. فالأسرة المسلمة اليوم تحتاج إلى رب أسرة مسلم مثقف متنور صادق، يربط بين الفكر والعمل في تناسق إسلامي واضح هادف..
وإلى الورقة المقبلة بحول الله تعالى.