من وثائق الخارجية البريطانية الوثيقة رقم 22390 – 371 Fo مذكرة سرية أمريكية تكشف حقيقة الموقف الأمريكي -الصهيوني، تجاه العرب(*)


تقدم المحجة بعض وثائق وزارة الخارجية البريطانية، التي أفرجت عنها عام 1985م.

ونحن ننشرها لنضعها بين يدي القارئ والباحث المهتم، دون أي تدخل أوتعليق، وهذا يعني بداهة أننا لا نتبنى وجهات النظر والتحليلات الواردة فيها، باعتبارها تمثل آراء ومصالح أصحابها.

قراءة عامة في الوثيقة

تمتاز هذه الوثيقة، بأنها صورة معبرة عن حقيقة الموقف الأمريكي المجسد تماما للموقف الصهيوني تجاه العرب منذ مطلع الخمسينات أولا..

وانها تمثل أسلوب الضغط الأميركي على بريطانيا، الذي جاء في شكل دراسة مطبوعة العام 1954م رفعتها وزارة الخارجية الأميركية إلى الحكومة البريطانية.

وهذه الدراسة أعدت أصلا من قبل مجموعة من الشخصيات السياسية والدينية الأميركية، ورفعت إلى الرئيس الأميركي دوايت ايزنهاور، ويتوضح فيها كيف يقوم “اللوبي” الصهيوني المتغلغل في الإدارة الأميركية بالتأثير على الرئيس عبر دراسات، لاتحاول حتى مجرد التظاهر بالحياد، وكل ما تفعله أنها تبدأ بتقديم معلومات عامة عن أوضاع المنطقة، وتقترح الحلول، التي لا يخفى موالاتها للصهيونية واسرائيل، ورؤساء الولايات المتحدة لا يجهلون ذلك، ولكنهم لا يستطيعون مخالفتها بسبب النفوذ الصهيوني وتأثيره على انتخاب الرئيس نفسه، وهو غير مضطر لخوض معركة لصالح العرب الذين لا يقومون بأي ضغط حقيقي يهدد مصالح أميركا. وأبلغ الدلائل أن بعض الرؤساء يتحولون إلى أصدقاء للعرب بعد ترك مقعد الرئاسة، ويتحدثون بموضوعية أكثر وبتفهم للمشكلة على عكس ما يفعلونه عندما يكونون في سدة الحكم.

وبداهة، لا يخلو التقرير من بعض الحقائق فيما يتعلق بأوضاع العرب في بداية الخمسينات، وبعض هذه الأوضاع ما يزال سائداً للأسف، على الرغم من مرور ما يقرم من خمسين عاماً..

ففي المقدمة، يعترف التقرير باستنزاف الثروات العربية، من قبل الغرب وأميركا، وبعدم استفادة الشعب العربي من ثروات بلاده، واستنزافها من قبل فئات قليلة.

أما الحلول المقترحة، فإن أبرزها، إعادة توطين اللاجئين في البلاد العربية، وهذا ما يجري تكراره وبشكل ممل ومفضوح الأهداف التي تخدم اسرائيل أولا.

وأخيرا، فإن تقريرا كهذا، يلقي الضوء على آلية العمل في قمة القيادة السياسية، وقوى الضغط في مواقع اتخاذ القرارات، وخاصة لدى دولتين كبريين كأميركا وبريطانيا.

ومن الواضح أيضا، أن واضعي التقرير، انطلقوا من اعتبارات >استراتيجية< تتعلق بمصالح أميركا والغرب ظاهرا، إلا أن التحليل والمعالجة بعد ذلك تنحرف باتجاه خدمة اسرائيل، وبما يتعاكس تماما مع مصالح أميركا والغرب، وهذا ما أدى إلى موجة العداء الشعبي لهما خلال العقود الخمسة الماضية، ولم يكن أمامأميركا إلا طرق القوة والإكراه، أدى إلى مواجهة سياستها بالقوة أيضا كلما تمكنت الشعوب العربية والإسلامية من ذلك وآخرها ردها على التحيز الأمريكي خلال الأحداث الأخيرة في الشارع العربي والاسلامي التي صاحبت انتفاضة الأقصى.

وإليكم الجزء الأؤل من الوثيقة :

الحلقة الأولى : >المعضلة وحلها<

>إلى رئيس الولايات المتحدة :

يعتبر العرب البالغ تعدادهم 40 مليون نسمة (سنة 1954)، والذين يعيشون في حالة بائسة، مصدر تحدي لاحترام العالم الحر، كما وأنهم مصدر تهديد للأمن، وأن القيام بتسليح حكوماتهم في الوقت الحاضر قد يحول المنطقة إلى حالة فوضى واضطراب.

إذ سيتم استخدام هذا الاسلحة بطريقتين : داخليا ضد شعوبهم حيث أن الانتفاضة ضد الجوع ستؤدي إلى العنف، وخارجيا ضد اسرائيل لتحويل انظار الشعوب العربية عن مأساتها ومعاناتها الحقيقة وهو الفقر المدقع، ولم تؤد المساعدات التي تم تقديمها إلى منطقة الشرق الأوسط إلى كسب صداقة العالم العربي، حيث كان العرب يستغلوننا لفائدتهم ولم يفهمونا.

وقد تمكنا من ادخال روح القرن العشرين إلى القليل منهم، حيث لازال النظام الاقطاعي قائما في العديد من هذه الدول، وفي الوقت الذي يشق فيه العالم العربي طريقه إلى العصر الحديث، فإن أنظاره، تتجهه نحو الشرق وليس الغرب، ويتحمل العالم الحر جزءا من هذه المسؤولية، وفي الوقت الذي تزداد فيه حدة الحرب الباردة، بدأ اعتماد الولايات المتحدة  وحلفاؤها يزداد أكثر فأكثر على امكانية تطوير القواعد العسكرية المنتشرة حول العالم.

ونظرا لأهمية منطقة الشرق الأوسط الاستراتيجية من الناحية الجغرافية، ووجود منابع النفط فيها، فقد أخذت الولايات المتحدة تحاول كسب ود العرب للحصول على الامتيازات النفطية، وأخيرا لعقد معاهدات وتحالفات عسكرية معهم، وبذلك فقد شجعنا حكومات تلك الدول على اهمال شعوبها، وقد تمكنتالدول العربية من ممارسة نفوذها الكبير في المجالس الدولية وخاصة داخل أروقة الأمم المتحدة تحت الرعاية الغربية. ولقد أصبحت الدول العربية النفطية غنية بفضل العوائد النفطية الناجمة عن اكتشاف وتطوير الغرب للنفط العربي، إلا أن الشعوب العربية لم تستفد إلا قليلا من هذه المنافع.

ما هو الحل؟

تعتبر منطقة الشرق الأوسط امبراطورية ثرية، وقد كانت مهملة لعدة قرون، تبلغ مساحتها 1.500.000 ميل مربع وتعداد سكانها أقل من أربعين مليون نسمة حيث يعيش 75 – 90 بالمائة منهم على الزراعة، وفي العصور الغابرة كانت منطقة الشرق الأوسط مخزون العالم من الخبز (لانتاجها الغزير من الحنطة) حيث كان سكانها المتحضرون في تلك العصور يعيشون بمستوى أحسن مما هو عليه في الوقت الحاضر. وأن للفقر والفاقة التي تعيشها أكثرية هذه الشعوب أكبر الأثر في نفوس الغرب، بالرغم مما تتمتع به من وفرة مياه وسعة أراضي ونفط وموارد أخرى. ولم يزدد الانتاج الزراعي خلال 15 سنة في البلدان التي تعيش فيها أغلبية السكان على الزراعة. وأن 90 بالمائة من السكان يعانون من الفقر بالنسبة إلى عدد قليل من ملاكي الأراضي ومقرضي الأموال. كما أن الأمية سائدة ووفيات الأطفال أعلى نسبة في العالم. وهناك تضخم سكاني في بعض الأقطار ونقص كبير في السكان في دول أخرى. ولازال هناك 75 ألف لاجيء فلسطيني مشرد وعاطل عن العمل بعد مرور خمس سنوات على انتهاء حرب فلسطين مما زاد الأحوال سوءا. ومن ناحية أخرى فإن المنطقة تزخر بالثروة الحقيقية والمحتمل وجودها. حيث تكمن في هذه المنطقة 53 بالمائة من الاحتياطات النفطية في العالم، كما تم اكتشاف ثروات كبيرة من الغاز الطبيعي والذهب والمعادن الأخرى.

وبالإضافة إلى ذلك هناك الانهار العظمى والأراضي الخصبة التي تنتظر الانماء والتطوير لأغراض الزراعة والصناعة.

وقد تم استخراج قسم من هذهالثروة، حيث حقق استثمار مبلغ 2 بليون دولار من قبل المصالح الأميركية والبريطانية والهولندية والفرنسية عوائد هائلة.

إذ حققت خمس دول عربية، السعودية والعراق والكويت وقطر والبحرين والتي يبلغ عدد سكانها جميعا أقل من 11 مليون نسمة أرباحا بلغت 440 مليون دولار من العوائد النفطية سنة 1952 وكانت أرباحهم لسنة 1953 أكثر بكثير.

وقد تم اكتشاف احتياطيات نفطية جديدة في السعودية في منطقة تبلغ مساحتها 130 ميل مربع والتي تضاهي بذلك الاحتياطيات النفطية الأميركية البالغة 28 مليون برميل.

ومن تطوير النفط يمكن الحصول على مصدر جديد للدخل في الغاز الطبيعي، وقد كان هذا الغاز يذهب هباءً من قبل، وهو يعادل احتياطي الغاز في الولايات المتحدة (حوالي 5.500.000.000 متر مكعب)، حيث أن استغلال الغاز سيؤدي إلى ايجاد مصدر جديد للوقود وللطاقة والاسمدة.

وقد قامت شركة النفط العربية الأمريكية باستثمار 19 مليون دولار في هذا المشروع الجديد في السعودية منذ سنة 1952م.

وقد قرر البنك الدولي للانشاء والتطوير بأن عوائد النفط لفترة خمس سنوات قادرة على تمويل مشاريع إنمائية كبرى في العراق.

ولم تتم مشاركة الشعوب العربية في هذه الثروة الضخمة على أساس داخلي أو اقليمي. حيث تم استخدام هذه العوائد في التبذخ من قبل الحكام وكرواتب تدفع للشيوخ لدعم وتأييد الحكومات ولظهور مجموعة جديدة من ملاكي الأراضي.

ففي كافة الأقطار العربية لا تتواجد المشاريع الانمائية إلا على الورق، وتبقى كذلك، ونظرا للبون والفرق الشاسع بين الغنى والفقر، فقد نجم عن ذلك عدم الاستقرار بشكل هائل. فقد تمكن الفلاح، الذي لا يقرأ ولا يكتب من الاتصال بالعالم الخارجي من خلال المذياع ليعلم بأن مصيره قابل للتغيير. وأن انتفاضة محتمة. وبسبب أن العالم الغربي قد ساعد على ايجاد هذه الثروة والتي لم تستفد منها إلا الطبقةالحاكمة بشكل رئيسي، لذا فقد بدأ الفلاحون يعبرون عن كراهيتهم للغرب، إذ أصبح اسم الغرب مقرونا بالوضع الراهن، وأصبح التغيير هو ما يسعى إليه الفلاح، كما أصبح الخلاص مرتبطا بروسيا التي لم يسبق لها أن كانت في منطقة الشرق الأوسط وهذا الأمر لم يعرف من قبل.

وقد شجعت الحكومات العربية الاعجاب بروسيا وذلك من خلال شجبها لبريطانيا والولايات المتحدة والغرب والأمم التحدة، على أساس أنهم وافقوا على قيام وتواجد اسرائيل. كما أن الدعم الروسي لافشال الجهود الرامية إلى ايجاد حل للقضية الفلسطينية قد زادت الحمى الاعلامية في الصحافة والاذاعات التي تخضع لسيطرة الحكومات العربية.

فبالإمكان إنقاذ هذه المنطقة العظيمة وشعبها من الجمود الطويل الذي تعانيه.

ولدى العالم الحر لذكائه السياسي وانسانيته ومهاراته ومبادراته فرصة وحيدة لاستغلال الديمقراطية وجعلها تعمل بأقصى طاقاتها. فبالإمكان مساعدةهذا الشعب العريق الذي ساهم في بناء حضارة العالم في الماضي ليبني لنفسه مستقبلاً زاهرا، إذ لازالت الفرصة متاحة، وإذا لم يتم استغلالها في الوقت الحاضر فقد نفقدها إلى الأبد.

ويجب اتباع مسلك جديد في ختام زمن الترضية، فقد جئنا إلى العرب فارغي الأيدي، ويقترح الموقعون أدناه أن تعلن الولايات المتحدة عن رغبتها تحت شروط معينة أن تدعم وتساعد على نطاق واسع برنامجا اقليميا تحت رعاية الأمم المتحدة لتطوير موارد الشرق الأوسط لصالح الشعب وأن تخصص لمثل هذا الالتزام الأموال والخدمات اللازمة.

وأن الشروط اللازمة لتقديم مثل هذا الدعم الأميركي تتلخص في حل وتسوية الحرب الفلسطينية والموافقة على إعادة توطين اللاجئين العرب في الأقطار العربية، حيث تعتبر هذه المتطلبات والشروط المسبقة الحد الأدنى اللازم للاستقرار.

ولحين التوصل إلى مثل هذه الاجراءات فإننا نقترح ألا تقوم الولايات المتحدة بتقديم أية مساعدات عسكرية لاية دولة عربية.

في العدد المقبل :

الحلقة 2 :ال مقترحات لحل “المعضلة”

(ü) لقد سبق لمجلة المجتمع أن نشرت الوثيقة نفسه

في عددها 89.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>