عاجلا أو آجلا ستزول اسرائيل الصهيونية أداة استعمار


لقد ولدت اسرائيل بقرار اتخذته منظمة الأمم المتحدة عام 1948م، وإذا ما استطعنا أن ندرك ونفهم على وجه أفضل طبيعتها وصفتها المؤقتة الانتقالية غير الطبيعية، واستطعنا بالتالي أن نحسن مكافحة ما تمثله هذه الدولة من رأس جسر زرعه الاستعمار في العالم العربي.

 

إن قيام دولة اسرائيل سبقته (مدة حمل) كانت بمثابة التمهيد إليه، شأن جميع الأحداث التاريخية، لم تكن مناقشات الأمم المتحدة هي التي أدّت إلى قيام دولة إسرائيل، بل ما فعلته المنظمة الدولية هو أنها أعطت صفة شرعية لأمر واقع مهّد له الاستعمار منذ نصف قرن من الزمن تحت ستار عقيدة وحركة سياسية تدعى الصهيونية. ومنذ المؤتمر الأول الذي انعقد عام 1897. حدّدت هذه الحركة هدفها وهو (اقامة وطن للشعب اليهودي في فلسطين يؤمّنه القانون العام). لقد استطاعت الصهيونية تحقيق هذا الهدف بعد تحديده بخمسين سنة وباقامة دولة اسرائيل، فأصبح الدفاع عن هذه الدولة وضمان تطوّرها علّة الوجود بالنسبة للحركة الصهيونية.

كانت متطلّبات الاستعمارهي التي خلقت الصهيونية، تلك الأداة السياسية المكلّفة بزرع (رأس الجسر) هذا في المشرق العربي، تحقيقا لأحلام تيودور هيرتزل، ذلك الرجل الذي أطلق عليه الصهاينة اسم (مخترع اسرائيل).

سوف تزول اسرائيل، تلك الدولة العميلة المصطنعة، ذلك القرح الاستعماري على أطراف آسيا وافريقيا، سوف تزول اسرائيل بفضل الضربات التي سيوجهها اليها العمل الثوري للشعوب، سوف تمّحي اسرائيل كما تمّحي جميع (رؤوس الجسور) الاستعمارية.

في إطار التوسع الاستعماري

لم تكن الصهيونية حركة جماهيرية، شأنها في ذلك شأن جميع الحركات السياسية المندمجة في المخططات الاستعمارية، بل إن الأغلبية الساحقة للدوائر الدينية اليهودية قد كافحتها بشدّة على الأقل حتى أقيمت دولة اسرائيل. يتضح من هذا أن العمل الذي قامت به الحركة الصهيونية كان منذ البداية عملا (من القمة) شديد التشخّص ببعض القادة الذين أسندت إليهم مهمة توفير المبررات التي بحث عنها الاستعمار في سبيل سيطرته على الشرق العربي.

ولا يرتقي مولد الصهيونية إلى الحركات المتصوّفة والخفية أمثال (عشاق صهيون) والتي راحت تهزّ بعض الأحياء في روسيا وبولندا عام 1880م، لقد ولدت الصهيونية عن حفنة من الرجال (الغربيين)، وبصفة خاصة عن العمل الذي قام به تيودور هرتزل بعد صدور كتابه (الدولة اليهودية) عام 1896م.

ولا يمكن شرح مولد هذه الحركة أثناء مؤتمرها الأول عام 1897م إلا إذا أعيد وضعها داخل السياق التاريخي لتلك الفترة الذي بلغ فيه التوسع الاستعماري للامبريالية ذروته.

وإن أحسن تميز لتلك الفترة هو الذي ورد في كتاب لينين (الامبريالية، أعلى مراحل الرأسمالية) والذي نورد منه الفقرات التالية :

(بالنسبة لانكلترا، كانت مرحلة تشديد الفتوح الاستعمارية حافلة بين عام 1860 وعام 1880م كما أنها تميزت بالنشاط الكبير طوال العشرين سنة الأخيرة من القرن التاسع عشر. أما بالنسبة لفرنسا وألمانيا، فإن فترة العشرين سنة الأخيرة من القرن التاسع عشر هي التي يعتد بها خصوصا… ذلك أن المدّ الكبير للفتوح الاستعمارية بدأ يظهر بعد تلك الفترة ما بين 1860 و1880م، وهي الفترة نفسها التي بلغ فيها الصراع من أجل تقسيم العالم درجة تكاد لا تقاس من العنف والشراسة.. وفي كتابه عن الامبريالية، يميز هوبسون الفترة الواقعة بين عام 1884 و1900م على أنها اتّسعت بما أسماه (التوسع الشديد) لأهم الدول الأوروبية. فوفقا لتقديراته، حصلت انكلترا خلال هذه الفترة، على مساحة قدرها 3.8 مليون من الأميال المربعة يبلغ عدد سكانها 57 مليون نسمة، وحصلت ألمانيا على مساحة قدرها مليون ميل مربع يبلغ عدد سكانها 14.7 مليوننسمة، وحصلت فرنسا على مساحة قدرها 3.6 مليون من الأميال المربعة وعدد سكانها 36.5 مليون نسمة.. وأن السعي وراء المستعمرات الذي شغل جميع البلدان الرأسمالية ليشكّل حدثا دوليا معروفا في تاريخ الدبلوماسية والسياسة الخارجية).

وفي أواخر هذه الفترة، كانت عملية تقسيم العالم وتوزيع مختلف أجزائه على الدول الاستعمارية تبدو وكأنها انجزت بالفعل، إلا أنه تبقّى ما أسماه لينين بـ(شبه المستعمررات) (الصين، وبلاد فارس، وتركيا).. وكتب لينين في هذا الشأن يقول : “من المتوقع أن يشتد الصراع حول هذه البلدان الخاضعة نصف خضوع، وبصفة خاصة خلال فترة الثروة المالية وبعد أن تم بالفعل تقييم بقية أجزاء العالم”، ومن ضمن هذه البلدان، كانت تركيا (أو الدولة العثمانية) تسيطر على الجزء الأكبر من الشرق الأوسط بما في ذلك فلسطين، وفي عام 1882م، كانت انجلترا قد انتزعت منها السيطرة على مصر، ثم أصبحت ألمانيا تمارس سيطرتها الاقتصادية والسياسية على هذه الامبراطورية الشاسعة في أواخر القرن التاسع عشر، ولكن دون أن تستطيع تحويلها إلى مستعمرة حقيقية. وكانت فلسطين تبدو حينئذ وكأنها قاعدة فعالة لتأمين إشراف مزدوج، بفضل ارتكازها على البحر الأبيض المتوسط على المشرق وعلى المغرب العربي، إذ أنها تشكّل ممرا طبيعيا بين هاتين المنطقتين وحيث أنها فضلا عن ذلك تشرف على طريق آسيا البري.

وبعد ما تقدمنا به من تذكير نرى أنه لزام علينا أن نشير إلى أنه من ضمن الأسباب المزعومة التي حاولت الامبريالية بواسطتها تبرير عمليات النهب الواسعة النطاق التي قامت بها، كانت (حماية الأقيات الدينية) تحتل مكانا متفوقا، هذا يجعلنا نفهم تلك الأهمية الكبرى للمدارس الكاثوليكية أو اليهودية التي حاولت مختلف النظم الامبريالية أن تقيمها في المناطق التي تنوي غزوها لتمّهد لها السبيل، كما يجعلنا نفهم أيضا أهمية (المبشرين) في الأسطورة الاستعمارية الفرنسية، وبهذا التحديد للاطار التاريخي، يبدو ظهور الصهيونية المطالبة بأرض فلسطين كي تقيم عليها مجتمعا أوروبيا، لا كحادث تاريخي يتعلق بالشعور المناهض للسامية بل كأحد المتطلبات المرتبطة بالسياسة الامبريالية.

لذلك، اتصل تيودور هيرتزل ببيسمارك قبل أن ينتهي من كتابة مؤلفه (الدولة الصهيونية) ليعرض عليه مشروعاته ثم يحاول بعد اصدار كتابه مقابلة القيصر وليم الثاني. وأثناء مقابلته لعمّ القيصر، الحّ هيرتزل على ضرورة (اقامة دولة نموذجية تكون بمثابة جسر بين الشرق والغرب، ونقطة الانطلاق للمجهود الحضاري الغربي العظيم في آسيا)، وقد أضاف هيرتزل يقول : “إننا في حاجة إلى حام يصون هذه الدولة اليهودية في فلسطين ونحن نرحب بالحماية الألمانية أكثر من أي حماية أخرى”.

وفي عام 1898، انتهز القيصر هذه الفرصة المتاحة له، وقابل هيرتزل على الأرض الفلسطينية واستمع إلى مرافعته من أجل (رأس الجسر المقام بين آسيا والعالم الغربي، ذلك الطريق المفتوح بين البحر المتوسط والخليج الفارسي)، ولكن الامبريالية الالمانية اكتشفت في ذلك الوقت أنها لن تستطيع تحقيق أهدافها إلا إذا هزمت انكلترا أولا.. فراحت ألمانيا تعدّ العدة بسرعة فائقة لشنّ الحرب العالمية الأولى.

كان لابد للصهاينة إذن من البحث عن حام آخر، وهكذا قامت أولى العلاقات بين الحركة الصهيونية والامبريالية الانكليزية، وسرعان ما انبثق من هذه العلاقة الأولى مشروع يرمي إلى اقامة الصهاينة في صحراء سيناء بالمنطقة المحيطة لمدينة العريش، ولقد تقدم هيرتزل بجميع الضمانات المرغوب فيها إلى شامبرلين الذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب وزير المستعمرات في الحكومة البريطانية، إذ قال له : (حينما يجيء الوقت الذي نعيش فيه تحت ظل العلم البريطاني في العريش، فمن المؤكد أن فلسطين ستقع بدورها في فلك النفوذ البريطاني).

إلا أن هذا المشروع لم تكتب له الحياة، فتوجه الصهاينة عام 1903م إلى الاستعمار الروسي وعرضوا خدماتهم عليه. وقابل هيرتزل وزير داخلية القيصر، بليهف، ذلك الرجل المعروف بعداوته لليهود.. وقد طالب هيرتزل القيصر بالتدخل لدى السلطان الذي كان يحكم الدولة العثمانية وبالتالي فلسطين، ومن جانبه، طالب بلهيف بأن يعمل المؤتمر الصهيوني القادم على اخماد ما أثارته الحركات الأخيرة المناهضة لليهود في كيشينيف، وتفاهم الطرفان وبعد أن انعقد المؤتمر الصهيوني، بعث هيرتزل برسالة إلى بليهف كانت بمثابة تقرير لما دار في المؤتمر من مناقشات، وأن هذه الرسالة الموجهة من قطب الحركة الصهيونية إلى أحد أشدّ الرجال عداوة لليهود، تكشف القناع عن وجه الصهيونية الحقيقي. تقول الرسالة : (كانت عملية ادارة شؤون المؤتمر أصعب من أي وقت مضى، فإن جميع المندوبين كانوا في حالة توتر لم أشهد له مثيلا من قبل نتيجة للأحداث المؤلمة التي تعرفونها، وعلى كل، فقد نجحت في الحافظ على النظام وفي اعادة الهدوء..).

وينهي هيرتزل رسالته بانذار موجه إلى ا لحكومة الروسية، هذا نصها :

(إن كل ما قد تفقده الصهيونية سوف تكون أرباحا صافية للثوار)…

إلا أن هذا السعي لم يأت بأي نتيجة. وكان لابد للصهيونية من أن تصبر حتى يحين موعد قيام الحرب العالمية الأولى، ويجيء سقوط الدولة العثمانية، حتى يتسنى للأداة التي ابتكرها هيرتزل مساندة المطامع الامبريالية في فلسطين العربية.

الصهيونية في خدمة الامبريالية البريطانية

منذ بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914م، بذلت الامبريالية البريطانية المزيد من الجهود بهدف تأمين سيطرتها على المنطقة العربية من الامبريالية العثمانية. وقد فرضت الامبريالية البريطانية حمايتها رسميا على مصر والكويت، كما أنها قامت بغزو العراق. وبعد مساومات طويلة، تركت سوريا ولبنان للمنافس الفرنسي إلا أن لندن كانت تنوي أن تحتفظ بفلسطين لنفسها. وفي الوقت الذي احتلت فيه فرنسا كلا من سوريا ولبنان بدعوى أنها تسعى لحماية طائفة الموارنة، وهي احدى الطوائف الكاثوليكية، ضد الدروز راحت انكلترا تفرض سيطرتها على فلسطين لتوفر (الحماية) للسكان اليهود ولتعمل على نقل المزيد من اليهود إلى هناك.

وفي عام 1914م كتب حايم وايزمان الذي أصبح فيما بعد المسؤول الأول عن الحركة الصهيونية ثم الرئيس الأول لدولة اسرائيل، كتب في رسالة بعث بها إلى أحد الصحفيين المقربين إلى حكومة لندن : “يمكننا القول عن صواب بأنه إذا سقطت فلسطين في فلك النفوذ البريطاني، وإذا ما شجعت بريطانيا إقامة اليهود هناك سيصبح لدينا بعد 25 أو 30 سنة مليون يهودي أو أكثر وسوف يقوم هؤلاء اليهود بتطوير البلاد وانمائها، وسيعيدون اليها الحضارة كما أنهم سيشكلون خير دفاع فعلي لقناة السويس”.

كانت الاداة الصهيونية موجودة في متناول من يريد استخدامها، وكان استخدامها هذا من نصيب “وعد بلفور” ذلك البيان الحكومي بتاريخ 2 نوفمبر 1917 والموجه إلى لورد روتشيلد والذي يعلن (أن حكومة جلالته تنظر بعين الرضى إلى اقامة موطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين). وبعد أن ظلت السياسة المنبثقة من “وعد بلفور” سجينة بسبب الحواجز الناتجة عن معارضة الدوائر الدينية اليهودية البريطانية لها، جاءت أحداث روسيا فوفرت لهذه السياسة مدا جديدا استطاعت بواسطته أن تنطلق.. فإن القيصر قد سقط وبدأت حكومة كيرنسكي تتزعزع، وأخذت سلطة السوفيات تفرض نفسها… ومما لا شك فيه أن الثورة الروسية كانت تشكّل خطرا مخيفا بالنسبة للامبرياليين وعملائهم، وكان لابد إذن من المضيّ في تنفيذ المشروع الصهيوني باقامة (موطن قومي يهودي) في فلسطين يكون بمثابة رأس جسر في الشرق الأوسط.

ولقد كشفت السياسة البريطانية فيما بعد عن طابق النفاق الذي اتسمت به تلك الأهداف الانسانية التي وردت في وثيقة “وعد بلفور”. ففي عام 1917م، وفي الوقت الذي سجل فيه المد الثوري تقدما كبيرا في أوروبا، وفي الوقت الذي سجلت فيه الحركة المناهضة للسامية نكسة كبيرة تقدمت الامبريالية البريطانية لتقيم (موطنا قوميا يهوديا) في فلسطين.. ثم بعد ذلك بعشرين عاما، وفي الوقت الذي بلغت فيه الحركة المناهضة للسامية بدفع من ألمانيا الهتلرية ذروته،ا راحت الامبريالية البريطاينية تغلق أبواب الهجرة إلى ذلك (الموطن القومي اليهودي). إن هذه التقلبات التي تميزت بها عملية غرس الصهيونية في فلسطين لم تكن في الواقع إلا نتيجة مباشرة لمتطلبات السياسية الامبريالية. فمنذ عام 1917م وحتى الحرب العاليمة الثانية، لم يفقد المشرق العربي من أهميته بالنسبة للامبرياليين بل العكس هو الصحيح، فأمام الضغط القوي المتصاعد للقوى العربية، قررت الامبريالية البريطانية في نهاية الأمر مضطرة وآسفة أن تتخلى عن الورقة الصهيونية حتى تستطيع أن تستند بطريقة أفضل على بعض الأقطاب من الاقطاعيين العرب.

وفي خلال الفترة من عام 1917 حتى عام 1939 صدرت أربع (كتب بيضاء) بريطانية عن المسألة الفلسطينية (1922 و1930 و1937 و1939) والكتاب الأخير يسلم بقيام دولة فلسطين عربية مستقبلا، ويتخلى بالفعل عن فكرة الأمة (موطن قومي يهودي). كان يبدو إذن أن كفاح الشعب الفلسطيني من أجل استرداد وطنه في وسعه أن ينتصر، وكانت الدلائل تشير إلى أن الصهيونية كتب لها الفناء، ولكن التفكير بهذا المنطق لم يكن بالتأكيد قد أخذ في الاعتبار مطامع طرف جديد، الامبريالية الأميركية التي راحت تقضي -لصالحها هي- على السيطرة البريطانية في هذه المنطقة من العالم، عاما بعد عام.

الصهيونية أداة الامبريالية الامريكية

لقد دخلت الامبريالية الأميركية على المسرح العالمي، بعد شركائها الأوروبيين بفترة طويلة، فهي لم تبادر إلى احتلال مراكزها في افريقيا وآسيا إلا ابتداء من الثلاثينات، ثم استفادت كثيرا من الحرب العالمية الثانية ومضاعفاتها، فأخذت تقيم امبراطوريتها على حساب فرنسا وانجلترا بصفة خاصة.

ففي المملكة العربية السعودية، قامت الاحتكارات البترولية الامريكية مقام منافسيها من البريطانيين إلا عام. وفي الكويت اضطرت بريطانيا إلى اخلاء المكان هناك للولايات المتحدة الأميركية، أما بالنسبة لفلسطين فقد أصبحت الصهيونية تحت رعاية واشنطون قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية.

في مواجهة القدرة المتصاعدة للمعسكر الاشتراكي والنمو المتزايد للكفاح الثوري للشعوب، وبصفة خاصة في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة، أصبحت الولايات المتحدة في أواخر الحرب العالمية الثانية، بمثابة سيدة العالم الامبريالي وحارسه، ومنذ ذلك الحين دخلت كل قضية يعالجها قادة الولايات المتحدة في اطار الاستراتيجية الدولية للثورة المضادة، وبذلك يصبح الشرق الأوسط على حد قول احدى الشخصيات الرسمية الاميركية، منطقة (حيوية) بالنسبة للولايات المتحدة، (حيوية) لا لأسباب اقتصادية تتعلق بالحاضر، (الأرباح الهائلة التي تحققها الاحتكارات البترولية) فحسب بل وخصوصا لأسباب استراتيجية، ففضلا عن موقعه الجغرافي، جنوب المعسكر الاشتراكي الأوروبي، يحتوي المشرق العربي على ثلثي المستودع العالمي للبترول، وفي اطار هذه الاستراتيجية، لم يبق ذكر لإقامة (محميات) فإن زمن المحميات قد مضى.

يجب إذن التركيز والاعتماد على نظم ينبغي أن تكون خاضعة خضوعا تاما لاسيما اقتصاديا، وأن يمكنها تأدية دور (الكلب الحارس) للامبريالية على الصعيد المحلي.

ولكن في فلسطين، تزايد عدد السكان اليهود عام 1947 حتى بلغ 629.000 نسمة بعد أن كان عددهم عام 1914 لا يتجاوز 85.000 نسمة. ومنذ عام 1943أصبح لدى السكان اليهود جيش قوي يخوض حربا دائمة من التحرشات سواء ضد الادارة البريطانية أو ضد الشعب العربي، كان هذا المجتمع يتمتع بكافة الضمانات المطلوبة، وعليه حققت الولايات المتحدة هدفين بوسيلة واحدة، بمساندتها التامة للصهاينة في مشروعهم الرامي إلى ارهاب الشعب العربي وطرد انكلترا التي رأت واشنطون أنها مازالت تحتل مركزا كبير الأهمية في هذه المنطقة.

وعمليا، فإن قضية انتقال الصهاينة إلى أحضان أميركا تمّت بأكبر قدر من السهولة، فمنذ عام 1917 كانت الحكومة الأميركية تموّل الهجرة -أو معظمها- إلى فلسطين، بل فقد ضغطت حكومة واشنطون على بريطانيا في سبيل إصدار وعد بلفور، لقد كتب بن غوريون يصف مشاعره عام 1940 فقال : “أما أنا، فلم أكن أشك في أن مركز الثقل بالنسبة لعملنا السياسي كان قد انتقل من بريطانيا إلى الولايات المتحدة التي كانت قد احتلت المرتبة الأولى في العالم كدولةكبرى)، وفي شهر فبراير عام 1940 قابل وايزمان الرئيس روزفلت، وتلبية لدعوة منه أقام بضعة شهور في الولايات المتحدة عام 1942. وفي نهاية زيارته هذه، قابل الرئيس الأميركي مرة ثانية وحضر المقابلة سامر ويلز. ويقول وايزمان في كتابه (مولد اسرائيل) صفحة 490  : “كان موقف الرئيس روزفلت ايجابيا للغاية، كان بالطبع ملمّا بالمسألة العربية إلماما تاما، إلا أنه ركّز كلامه على ابن سعود الذي اعتقد أنه متعصّب وأنه ليس من السهل التفاهم معه.. ومن ناحية أخرى، عبّر السيد ويلز عن اعتقاده بأن أميركا على استعداد للإسهام في اقامة الوطن القومي اليهودي، اسهاما ماليا”.

وفي الفترة نفسها، وافقت المنظمة الصهيونية الاميركية على “برنامج بالتيمور” الذي طالب باقامة دولة يهودية على الأرض الفلسطينية كلها، وببناء جيش يهودي، وبرفض الكتاب الابيض البريطاني لعام 1939 وبتيسير الهجرة دون حدود أو قيود تحت الاشراف الوحيد للوكالة اليهودية، وبعد ذلك بقليل أصبح هذا البرنامج : الصهيونية العالمية.

وفي خريف عام 1945 لم تكن الحكومة العمالية في بريطانيا تصرّح بالهجرة لأكثر من 1500 شخص في الشهر الواحد، في الوقت الذي راح فيه ترومان متقمصا دور بطل الصهيونية يفتح تهجير 100.000 شخص على الفور، وفي الفترة نفسها كما يروى بن غوريون في كتابه (اسرائيل سنوات من الكفاح) صفحة 28 “كانت اسرائيل تحصل من الولايات المتحدة الأميركية على كل ما يلزمها لانتاج الأسلحة في فلسطين”. وفي عام 1947 وأثناء المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرين سيطر على المؤتمر فريقان، فريق صهاينة فلسطين وفريق صهاينة أمريكا، وقد تم في ذلك المؤتمر اقالة وايزمان، وهو رمز التمسك ببريطانيا، وتكليف بن غوريون بانشاء وزارة الدفاع أي بتعزيز الجيش الصهيوني الذي لابد منه لفرض القرار سواء على العرب أو بريطانيا.

وأخيرا في عام 1947 استسلمت بريطانيا للضغوط الاميركية وأحالت القضية إلى منظمة الأمم المتحدة. وفي شهر نوفمبر من العام نفسه اجتمعت الجمعية العامة للأمم المتحدة واتخذت قرارا بقيام الدولة العميلة مخالفة بذلك رأي جميع دول آسيا وافريقيا فيما عدا دولتين منهما في جنوب افريقيا.

ولقد كان تأييد الاتحاد السوفياتي لهذا العمل القرصاني على حساب شعب فلسطين خطأ كبيرا يجب أن يعترف به. كانت الأمم المتحدة تلك الغرفة التسجيلية لقرارات الامبريالية الأميركية قد عملت كما أرادها أسيادها أن تعمل.. وهكذ استطاع وايزمن في 13 مايو 1948 أن يقول في رسالة بعث بها إلى الرئيس ترومان : >إن دور القيادة الذي قامت به الحكومة الأميريكية بوحي منكم جعل من الممكن إقامة دولة يهودية< وفي أليوم التالي أعلن في فلسطين مولد دولة اطلق عليها اسم اسرائيل. وكان أول أعمال هذه الدولة التي خلقتها الامبريالية عملية حربية ترمي إلى التوسع أكثر فأكثر فيما وراء الحدود التي رسمتها لها الأمم المتحدة، وطوال السنوات التي مضت على قيامها، لم تخن هذه السياسية التوسعية مرة واحدة.

يوما ما ستنمحي اسرائيل

كسبت اسرائيل عدة معارك لحساب أسيادها الامبرياليين في الحرب ضد الشعوب العربية، لقد كسبت معارك ولكنها لم تكسب الحرب، وسيأتي يوم تستأنف فيه الحرب الثورية للشعوب العربية ضد اسرائيل، ولا مفرّ من ذلك فليس ثمة على وجه الأرض ما يستطيع وقف التيار الذي يدفع بالشعب العربي نحو استقلاله ووحدته. لن يتمكن أحد من الحيلولة دون قيام الأمة العربية الموحدة التي تمتد من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي ودون قضائها على رأس الجسر الامبريالي الذي فرض عليها ليقسّمها. بدأت تخوض الشعوب كفاحا ثوريا، وبالنسبة لجميع هذه الشعوب ستظل فلسطين عربية وسوف تنبعث من جديد.. وإذا ظن مليونان من الاسرائيليين أن وسعهم -حتى بمساندة الاستعمار- مواجهة الأمة العربية فإن هذا الظن جزء من تلك الاسطورة التي عرفناها جيدا في فرنسا أيام شعارات (الجزائر فرنسية).

يوما ما سوف يغمر المحيط العربي الجيش الاسرائيلي الأجنبي الدخيل أداة الامبريالية الامريكية. ومثلما عرفت الجيوش التي قاتلت في فيتنام معنى الهزيمة سوف يعرف الجيش الاسرائيلي الهزيمة بدوره.

إن القدرة العربية وتصميم الشعب العربي يتزايدان يوما بعد يوم.وإن نهاية الاستعمار قد دنت.. وعاجلا أو آجلا، ستزول اسرائيل.

منشورات الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني سلسلة أبحاث بقلم 15 كاتباً فرنسياً

(ü) كاتب فرنسي يساري

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>