خطب منبرية : إن تمادى العِدَا فالحل مؤتمر!


الحمد لله الذي يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون، الحمد لله يمد من أطاعه بالنصر المبين، ويجازي من جاهد في سبيله بالفوز العظيم.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بيده ملكوت السماوات والأرض وإليه المصير، يؤاخذ الجبارين على ظلمهم، وينتقم للمستضعفين منهم.

وأشهد أن سيدنا وقائدنا محمداً عبده رسوله وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الذين ذادوا عن حمى الحق، وحاربوا أهل البغي والعدوان من اليهود والمشركين، فأبدلهم الله من ضعفهم قوة ومن قلتهم كثرة، ومن ذلتهم عزة. قال تعالى : {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}.

معشر المؤمنين

إن انتفاضة المسجد الأقصى والقدس الشريف لهي أعظم وأطهر وأشرف وأزكى وأقدس انتفاضة تعرفها البشرية في تاريخها المعاصر، خرج  الفلسطينيون عن بكرة أبيهم دفاعاً عن القبلة الأولى مسرى نبينا محمد . أعلنوا للعالم بلسان الحال قبل لسان المقال : إننا أمة المساجد الثلاثة : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد المصطفى.

إننا أمة القُدس والطهر والشرف والعزة والكرامة.

يتقدمهم ويقودهم..من؟ قادة العرب.. لا.. ساسة العرب.. لا.. وزراء دفاع العرب.. لا.. جنرالات العرب.. لا..

القادة هم : الأطفال الرجال، الأبطال العظام، الذين سيسجل التاريخ بمداد من ذهب جهادهم وكفاحهم ونضالهم.

اللهم بارك فيهم وسدد رميتهم، وارحم شهداءهم، وارحمنا بهم يارب العالمين.

واجهوا جيشاً متوحشاً هو أكثر عدداً وعدة ببسالة وشجاعة لا نظير لها. واجهوا العدو الغاصب المعتدي الجبان بطائراته ودباباته وصواريخه بصدورهم ورؤوسهم المكشوفة.

تصدوا له وأرواحهم في أكفهم، فالحمد لله على هذه النعمة، نعمة الانتفاضة المباركة المقدسة.

الله أكبر ولا أكبر سواه، هو القاهر فوق عباده وهو العزيز الحكيم.

الله أكبر إذ توحدت كلمة المسلمين ومشاعرهم في مشارق الأرض ومغاربها.

الله أكبر إذ امتلأت القلوب إيماناً والشوارع تكبيراً وتحميداً وتسبيحاً وتهليلاً.

الله أكبر إذ تلألأت الوجوه المؤمنة ببشارات النصر القريب.

الله أكبر إذ وقف الخطباء  يوجهون ويذكرون.

الله أكبر إذ اندحر الخونة المتصهينون المتهودون.

الله أكبر إذ ارتفعت أعلام الحق وخفقت على الدور والقصور.

الله أكبر إذ انتكست أقلام الباطل والخيانة واستولى عليها الضعف والفتور.

لا إله إلا هو، ولا ناصر إلا هو، ولا معتصم بحبله إلا هو، ولا مدافع عن الؤمنين إلا هو.

معشر المؤمنين

ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وقوتنا في الإيمان الصادق والعمل الصالح، في الاعتصام بحبل الله، في الاتحاد : نقاوم معاً ونقاتل معاً ونجاهد معاً. قال تعالى :{إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص}.

أما اللقاءات والمؤتمرات والقمم فما هي إلا تهريج وتخدير وكلام مخجل ومبك ومضحك ولله در القائل :

مباحثات وتصريح ومؤتمر

كذا عناق عليه الوعد والقسم

وقال أيضاً :

وإن تمادى العدا فالحل مؤتمر

ضخم لنشجب ما عاثوا وما أثموا

قالوا : مقابل أرض سلمنا لهم

وحالنا الآن لا أرض ولا سلم

فالسلم سلمهم والأرض أرضهم

والقدس قدسهم والحاكمون هم

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

واعلموا عباد الله أن عليكم فرائض وواجبات نحو إخوانكم المضطهدين المجاهدين في فلسطين، أجملها فيما يلي :

أولاً : المناصرة : نناصرهم ونؤازرهم ونساندهم، نضحي بالغالي والنفيس وبكل ما نملك في صد العدوان عنهم، فمناصرة المسلم لأخيه المسلم من آكد الفرائض التي ضيعها المسلمون اليوم. قال تعالى :{وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر} وقال : {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} ويقول الرسول  : >المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه..< ويقول : >مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى<.

ثانيا- إعلان البراءة من أعداء الله وأعوانهم وأذنابهم الخونة المتصهينين (بني علمان وبني يسار) ومن كل محاولة تهدف إلى إجهاض هذه الانتفاضة المقدسة. قال تعالى : {لقد كان لكم إسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله، كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تومنوا بالله وحده}.

يجب أن نعلن للعالم ونقولها بصوت واحد : لا لسلام الشجعان الجبناء. لا للتهويد. لا للتطبيع، لا للعلمانية الخائنة.

نعم للإسلام، نعم للعروبة، نعم للجهاد، نعم للكفاح، نعم للمقاومة.

ثالثا- الاستعداد للدفاع عن ديننا ودنيانا، واجب على كل مسلم أن يأخذ حذره ويستعد للمواجهة، فأعداؤنا يتربصون بنا ويتآمرون علينا، ونحن في غفلة ساهون، قال الله تعالى : {ود الذين كفروا لوتغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة}، وقال : {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} وقال : {وأنفروا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.

معشر المؤمنين

هذا التلاحم وهذا الإجماع الجماهيري العربي المسلم يؤكد للعالم أن أمتنا لا تزال بخير، ويدل دلالة واضحة على أن ما نعانيه من ذل وهوان مفروض على شعوبنا، يتحمل وزره بالدرجة الأولى أولو الأمر فينا. قال عليه السلام : >إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم<.

واعلموا عباد الله أن نصر الله قريب. فاستبشروا واستعدوا له بالتوبة والإنابة وإعداد القوة حسب القدرة المستطاعة، والله معكم ينصركم ويدافع عنكم. قال عليه الصلاة والسلام في وصف معركة القدس والشرف هذه : >لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله لا يضرهم من خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة<(حديث صحيح رواه أبو يعلى في مسنده).

اللهم إنا نستنزل نقمتك وعذابك على الصهاينة الغاصبين المعتدين، ونرجو منك المعونة لإخواننا الفلسطينيين المجاهدين المستضعفين.

اللهم عليك بأعدائك أعداء الإسلام اليهود والصليبيين والوثنيين والمنافقين.

اللهم اجعل الرعب في قلوبهم، وزلزل الأرض من تحت أقدامهم واشدد وطأتك عليهم.

اللهم أنج إخواننا المجاهدين وأيدهم وسدد رميتهم واجعل النصر حليفهم. اللهم إنا نبرأ إليك من كل كافر جبار ومن كل خائن جبان. اللهم ارحم شهداءنا الأبرار. آمين وصل الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً والحمد لله رب العالمين.

ألقى هذه الخطبة د. محمد التسماني خطيب مسجد التقوى باسم خطباء وأئمة طنجة في مسيرة القدس الكرامة يوم 10 رجب .1421

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>