بعد إعادة الحياة لجامع القرويين بفاس وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يؤكد على : < استمرار رعاية هذه المعلمة العلمية وخريجيها. < اصدار القوانين المنظمة للتعليم العتيق والتي صادقت عليها كل من اللجنة الحكومية المختصة واللجنة الوطنية المكلفة بإصلاح التعليم.


أقيم احتفال تكريمي لأول فوج تخرج من جامع القرويين بعد طول موات، شارك في تقطيع أوصاله، والإجهاز عليه عدة أطراف كانت -وما زالت- لها مصلحة غير شريفة في تغريب هذا الوطن الإسلامي عن دينه وتاريخه وأصالته وتراثه وأدبه وحضارته.

أقيم هذا الاحتفال بعد عصر يوم الخميس 2000/10/12، وحضره جمع من العلماء والطلبة ومختلف الفئات المثقفة، وجموع لا بأس بها من الطبقات الشعبية، بالإضافة طبعا -إلى المسؤولين على الصعيدين الوزاري والمحلي.

وتميز الحفل بـ :

< إلقاء أحد المتخرجين دَرْساً قرآنيا تناول فيه بالشرح  الآيات الخمس الأولىمن سورة العلق، حيث ذكَّر الحاضرين -وخصوصا كبار السن من العلماء والمثقفين- بنفحات فطاحل العلماء الأول الذين كان لهم القدح المعلى في مثل هذه الدروس، رحمهم الله تعالى، ووفق خلفهم للسير على منهجهم في الإخلاص والتعمق العلمي الرصين.

< إلقاء عدة كلمات سواء من العلماء أو ممثلي الطلبة المتخرجين.

< توزيع الشهادات العلمية على الفوج المتخرج الذي وصل عدده هذه السنة إلى تسعة وعشرين عالما.

< الكلمة التي افتتح بها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية هذا الحفل التكريمي المبارك، نقتطف منها ما يلي :

… لقد اهتم المسلمون بالعلوم وتحدث العلماء وألفوا في بيان العلم وفضله وشرحوا مبادئ العلوم وأقسامها وأحكامها ورتبوها ووضعوا لها قانونها وأقنومها. وبينوا شروطها وآدابها وربطوها بالدين فكانوا يتحرون عمن يأخذونها، وهذه مزية لا نعرفها لأمة سوى أمة الإسلام وبها بنت حضارتها وشيدت أمجادها يقول الله عز وجل : {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ويقول سبحانه : {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط}.

وهذا الجامع المبارك جامع القرويين شاهد صدق ولسان حق يحدث عن جحافل أعلامه العلماء وفيالق رجالاته الفضلاء النبلاء فقهاء وأدباء وشعراء ورياضيين وفيزيائيين وفلكيين وأطباء ودعاة ومجاهدين ومصلحين وصلحاء، عكفوا على خدمة العلم ونشره وطلبه وألَّفُوا فيه التآليف العجيبة وأضافوا الإضافات الغريبة وقاموا بأدوار في إصلاح المجتمع واستقرار الدولة والذب عن حوزة الوطن واستنهاض همم الملوك والرعية للجهاد في سبيل الله.

جامع القرويين هذا آية من آيات الله الكبرى تجلت فيه عظمة الخالق حين باركه في نشأته -وهو حينئذ بيت صغير- على قدر همة واستطاعة تلك المرأة الطاهرة فاطمة الفهرية التي أرادته مسجدا للحي، فأراده الله جامعا للدنيا ومنارة علم وهدي للعالم.

ولقد خلفَ منا خلْفٌ أضاعوا الأمانة، وخذلوا القرويين، فرحل عنها العلماء، وغادرها الطلاب، وأفقرت جنباتها، وأظلمت أرجاؤها إلا من ذلك البصيص من النور المنبعث من محراب الصلاة.

فتنتهم الجامعة العصرية بمدرجاتها وبناياتها الحديثة فذهبوا إليها وتركوا القرويين وكأنما عميت بصائرهم عن الجمع بين الحسنيين والتكامل بين المؤسستين.

ويأبى الله إلا أن يتم نوره.

وبدأت قصة الاحياء يوم الوقوف بعرفة من عام 1408 للهجرة، في ذلك اليوم المبارك دعوت إلى مكتبي مجموعة قليلة من علماء القرويين، وعرضت عليهم فكرة إحياء الدراسة بها على نظامها القديم فتهللت وجوههم فرحا، ورأيت الدمع على خذ البعض منهم أملا واستبشارا، وقرأنا الفاتحة وقامت بربها الأشياء.

واليوم نحتفل بتوفيق من الله بتخريج الفوج الأول من حاملي شهادة العالِمية، وستتخرج أفواج وأفواج بإذن الله تعالى من هذا المسجد المبارك كما تخرجت من قبل.

وسيصدر قريبا نص القانون ونصوص المراسيم التي تنظم الدراسة في التعليم العتيق ابتداء من التعليم الأولي وإلى النهائي.

وستشمل هذه النصوص تنظيم الكتاتيب القرآنية والمدارس العتيقة والدراسة بجامع القرويين تنظيما يحافظ لها على أصالتها ويضمن استمرارها وازدهارها.

وقد صادقت على هذه النصوص اللجنة الحكومية المختصة، واللجنة الوطنية المكلفة بإصلاح التعليم، وهي الآن في الأمانة العامة للحكومة من أجل تقديمها أمام مجلس الحكومة للمصادقة عليها.

إننا الآن بصدد إحياء تعليم بكامله هو ما أطلقنا عليه اسم التعليم العتيق.

إننا نعمل من أجل بلورة تعليم متماسك الحلقات ابتداء من الكتاتيب القرآنية وإلى مرحلة العالمية تحت إشراف وزارة الأوقاق والشؤون الإسلامية في تكامل تام مع التعليم العمومي الذي تشرف عليه وزارة التربية الوطنية.

إنه التعليم العتيق الذي نريده مجالا لتخريج حفظة القرآن الكريم والعلماء المتمكنين من علوم الشريعة الملتزمين بها القائمين بواجب الدعوة إلى الله على منهج رسول الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن والوسطية والاعتدال، والتسامح والمرونة والتكيف مع الزمان والحال.

إننا نريد تخريج علماء قادرين على القيام بمسؤولية تأطير المجتمع وتوجيهه في أمور دينه  بإخلاص لله ولرسوله، لا يَلْعَبُون بالدين في لعْبة السياسة، ولا يبيعون أنْفُسَهم في سُوقِ النّخَاسة.

وهذا هو التعليم العتيق الذي نرفع اليوم قواعده ونبني صرحه بهذه اللبنات المتفرقات في الكتاتيب القرآنية والمدارس العتيقة وجامع القرويين.

أما التلعيم الأصيل فإننا ندعو إلى تداركه بالتقوية والتوسيع والتطوير في إطار التعليم العمومي حتى يبقى سندا لهذا التعليم يمثل روحه وعموده الفقري بما يحمل من طاقة إيمانية ومادة علمية ودينية وفضيلة وأخلاق وتربية، ويكون جسرا رابطا بين التعليم العتيق والتعليم العام.

ولقد حرصنا على أن يكون مشروع القانون والمراسيم المنظمة للتعليم العتيق متكاملة مع قوانين ومراسيم إصلاح التعليم العمومي والخاص سواء من حيث المناهج أو البرامج أو الشهادات مع الحفاظ للتعليم العتيق على خصوصيته.

كما أننا عملنا على إتاحة الفرصة لظهور التعليم العتيق الخصوصي بواسطة إجراءات تسمح للخواص بإحداث مدارس ومعاهد خصوصية للتعليم العتيق ملتزمة بمناهجه وبرامجه وهذا من شأنه إغناء هذا النوع من التعليم وتوسيع مجاله.

أيها السادة الأفاضل، اسمحوا لي أن ألتفت إلى الفوج الأول من العلماء المتخرجين لتهنئتهم أولا ولطمأنتهم على مستقبلهم ثانيا، فلقد قمنا بتوظيفهم بمجرد تخرجهم.

كما أننا نسعى لتمكينهم من القيام بواجبهم في نشر العلم والدعوة إلى الله وذلك بإسناد مهام التدريس والخطابة وعضوية المجالس العلمية وغيرها من المسؤوليات التي ستتيح لهم الفرصة لخدمة دينهمووطنهم وملكهم.

وأدعو طلبة الأفواج القادمة إلى الإخلاص في طلب العلم مؤكدا لهم أنهم يتنظرهم مستقبل زاهر بحول الله.

وأدعو الجميع إلى الحفاظ على رسالة القرويين التي هي رسالة التوحيد والحنيفية السمحة والأمة الوسط وموسوعية العلم وكونية الفكر وشمولية المعرفة وإنسانية الحضارة وأصالة الأخلاق.

كما أتوجه إلى أصحاب الفضيلة العلماء الأجلاء الذين سهروا على تخريج هذا الفوج الأول لنترحم على أرواح من فقدناهم منهم في الطريق.

ولنسأل الله للباقين أن يمتعنا الله ببقائهم ممتعين بموفور الصحة والسلامة والعافية وأن يجازيهم الله على عملهم الجاد المخلص أحسن الجزاء.

ونرجو منهم مواصلة الجهود مع الأفواج القادمة حتى يصلوا بها إن شاء الله إلى ما نرجوه لها من تكوين متين وتربية على الفضيلة.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>