وطننا المستباح : شعار المرحلة في المغرب الفطانة والكياسة في التمييز بين “البوليتك” والسياسة


مفهوم السياسة من أخطر المفاهيم الحضارية لبناء أي أمة على مستوى الفكر والممارسة والحركة، ويختلف هذا المفهوم من مرجعية حضارية لأخرى :

فهوم السياسة في الفكر الغربي

يدور حول معاني القوة والسلطة والحكم، وهذه المعاني هي محور الظاهرة السياسية الغربية التي تضرب بجذورها لأرسطو في كتابه “السياسة”. وتكمن خطورة هذا المعنى لمفهوم السياسة في كونها نتاجاً للفكر الوضعي وإفرازاً لمطلقاته التي هي في جوهرها تحَلُّلٌ مستمر من كافة القيود الأخلاقية والمعايير الثابتة والأطر المرجعية الملزمة من خارج “الإبداع” البشري، مما يؤدي إلى الصراع الذي تفرزه وجهات النظر المتبانية حول الوصول إلى حد أدنى في تحديد المصلحة. وكلما استمر الصراع تشوه مفهوم المصحلة العامة ومعايير الظلم والعدل وحقوق الإنسان، مما يؤدي -تبعا لذلك- إلى التحلل من أي التزامات تضبط العلاقات المجتمعية والدولية، وهذا بعض ما يفسر ما يقع في مجموعة من بقاع العالم مثل الشيشان والعراق وبورما وفلسطين و…

مفهوم السياسية في المذهبية الإسلامية

مضبوط منطلقاً ومساراً وحركة ومقصداً بالمرجعية العليا وهي “الوحي”، وهو في جوهره رعاية متكاملة لكل شؤون الخلق وقياماً على الأمور بما يصلحها، وهذه الرعاية وهذا الإصلاح لا يقتصران على الدنيا بل يمتدان في الزمن ليشملا الآخرة. فالسياسة في التصور الاسلامي “وسيلة” ترسم السبل المرشدة للصلاح. واصطلح عليها بعضهم بكونها “القانون الموضوع لرعاية الآداب والمصالح وانتظام الأحوال”، وعرفها الغزالي في إحيائه : “التأليف والاجتماع والتعاون على أسباب المعيشة وضبطها” على أساس أرضية الوحي.

أين نحن -في مغرب اليوم-

من هذين المفهومين؟!

حالتنا اليوم يختزلها ما كان يصطلح عليه أجدادنا وآباؤنا بمفهوم”البوليتك” إبان فجر الاستقلال.. مفهوم “البوليتك” لا هو سياسة بالمفهوم الغربي ولا بالمفهوم الاسلامي.. إنه -باختصار- قذف مجرد للكلمات والوعود والمتمنيات يلاحظه المرء في شتى المؤسسات والمناسبات انطلاقاً من التصريحين الحكوميين السابقين مروراً بتفاصيل الحركة الحكومية اليومية وصولاً إلى التغيير الحكومي “التقني” الأخير.. إنه مجرد تصرفات وحركات لليد واللسان و… لمغالطة الشعب واستخدامه كرصيد انتخابي كلما دقت ساعة الانتخابات التي -رغم وعود الداخلية المتكرر بمحاربة المال الحرام وأباطرة الفساد والإفساد- لازالت أسيرة اللوبيات المتنفذة داخل مجتمع المال والأعمال.. “البوليتك” جريمة اختلاس متواصلة من أولئك الذين لهم أسهم في بورصة “القيم الفاسدة”، جريمة لازالت -ومنذ الاستقلال- تتكرر إلى يومنا هذا، ولازال مرتكبوها ينعمون بالحرية، بل بالتقدير والاحترام والحظوة، جريمة لن يتمكنالشعب المغربي من إزالتها والقضاء عليها إلا حينما يعي أن “الحق” ملازم “للواجب” وأنه المسؤول الأول عن صنع ميثاقه الاجتماعي والسياسي في ظل ما أصبح يصطلح عليه بـ”العهد الجديد” و”المفهوم الجديد للسلطة” و”التناوب التوافقي” و.. على الشعب أن يعلم أن الذي يمارس “البوليتك” يبحث عن حظه الذاتي لا عن رسالته، وهي -طبعا- طريقة لبروز أصحاب الطموحات غير المشروعة، يستعملون -لبلوغها- أنواعاً من الدجل والأوهام والخرافات السياسية التي تلتقي في كثير من الأحيان مع أباطرة الدجل داخل الأوساط الشعبية التي تعاني الفقر والجهل والأمية هؤلاء كلهم ظلوا ينعمون بدعم من  الحكومات المتتالية في إطار ما يسمى ظلماً وبهتاناً “أسابيع ثقافية” يحتفى خلالها بتشجيع الاحتفال بالأضرحة وتزكية مظاهر الشعوذة التي تجتاح هذه “المواسم الثقافية” التي تروج لشرب الماء الساخن وأكل الحيوانات الحية والمسامير والزجاج.. وزيادة في تعميم التضليل والضلال، تنقل تفاصيل ذلك عبر القنوات التلفزية الوطنية وحتى الدولية باعتبار ذلك تعبيرا عن الإسلام واحتفاء برموزه!!… “البوليتيك” أيضاً هي ألوان من التخبط والمخاتلات من على المنابر العاجية والصالونات الضخمة المكيفة حتى صح قول الشاعر نزار قباني حينما قال :

إياك أن تقرأ حرفاً من كتابات العربْ

فحربهم إشاعهْ..

وسيفهم خيانهْ..

ووعدهم كذبْ.

إياك أن تسمع حرفاً من خطابات العربْ

فكلها نحو.. وصرف.. وأدبْ

وكلها أضغاث أحلام، ووصلات طربْ

أما آن لهذا الشعب أن يتصدى لهذه الصورة المزيفة التي أصبحت “تزين” واقعنا موجها “رصاص” صحوته تجاه الخداع والنفاق، ويكنس المزابل التي تكومت في سوق “البوليتك”؟!

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>