خطب منبرية : الموعظة في عالم الغفلة.. تنمية إيمانية وتعبدية وسلوكية


مساهمة من الجريدة في نشر الجيد من الخطب التي تلقى في مختلف المناسبات واستجابة لمقترحات بعض القراء الكرام، تخصص الجريدة هذه الصفحة

ونبدأ هذا المشور الجديد مع الخطبة التي ألقاها فضيلة الدكتور محمد أبياط بمناسبة عبد الأضحى المبارك لسنة 1420هـ بمصلى عمالة زواغة مولاي يعقوب/ فاس.

الخطبة الأولى

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

الله أكبر المتفرد بالجلال، الله أكبر المتصف بكل كمال، الله أكبر العزيز المتعال، الله أكبر المنزه عن الشريك في ذاته وصفاته وأفعاله، الله أكبر الغالب على أمره، الله أكبر لا يخفى عليه شيء ولا يعجزه شيء، الله أكبر المهيمن على كل سلطان، الله أكبر المحيط علمه بالأكوان، الله أكبر الحسيب الرقيب، الله أكبر الحليم الذي لا يَعْجَلُ، الله أكبر الجواد الذي لا يبخل، الله أكبر ذو المعروف الواسع الدائم الذي لا ينقطع معروفه أبدا ولا يحصيه غيره، أحمده سبحانه حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو قيوم السماوات والأرض الحي الذي لايموت، الباقي الذي لا يزول ملكه، ولا تنقص عزته، وكلمته هي العليا.

وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اصطفاه من خلقه، واصطنعه على عينه، واجتباه لتربية عباده، وزكّاه بقوله {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، حثنا سبحانه على السير على نهجه والاقتداء به  فقال {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللّهَ كَثِيرًا}، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأُمة، وجاهد في الله حق الجهاد. اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه المتمسِّكين بسنته، السائرين على نهجه وعلى من أخلص في حبهم وذاد عن شريعتهم إلى يوم الدين.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

عباد الله :

إن الموعظة تنبيه للقلوب العاقلة، وتذكرة للنفوس المتواضعة، وتجلية للأرواح المتطهرة، وقد كان رسول الله  يتخول أصحابه بين الفينة والأخرى، أخرج البخاري ومسلم عن شقيق بن سلمة ] قال : كان عبد الله بن مسعود ] يذكر الناس في كل خميس، فقال  له رجل : يا أبا عبد الرحمان، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، قال : أما إنه يمنعني من ذلك أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله يتخولنا بها مخافة السآمة علينا، وقد جعل البخاري رحمه الله هذا الحديث بابا من أبواب كتاب العلم بعنوان : باب ما كان النبي  يتخولهم -أي الصحابة- بالموعظة والعلم كي لا ينفروا، والمعنى كما يقول ابن حجر رحمه الله : كان رسول الله  يراعي الأوقات في تذكيرنا ولايفعل ذلك كل يوم لِيَلاَّ نَمَلَّ.

وهذا الحديث يدل على أن الرسول  كان يتابع بحرص دائم تقلبات الصحابة في الحياة، ويعالج بحكمته  ما يكتشفه (أو يصله) من أحوال لا تليق بجيل التأسيس والبناء، جيل الإمامة والقدوة، جيل الاصلاح والتغيير.

ويدل أيضا على أن الصحابة الكرام كانوا حريصين على فعل الطاعات واجتناب المنهيات، ولذلك كان رسول الله عليه الصلاة والسلام لا يكثر عليهم من المواعظ.

ويؤخذ من هذا الحديث أن منهج الموعظة الحسنة لا يكون دائما على وتيرة واحدة، بل يختلف حسب اختلاف الانسان، فتقل الموعظة وتقصر وتلين وتلطف حينما تكون نفوس البشر متيقظة لمكائد الشيطان، وقلوبهم رطبة بذكر الرحمان، وجوارحهم مسخرة في المكرمات وقلوبهم حية بالحياء من رب السماوات. وتكثر المواعظ وتطول وتشتد رويدا رويدا، عندما تهجم الغفلة على القلوب، وتتكدر الأرواح، وتتصالح النفوس مع الشيطان، وتستعمل نعم الله ومنحه في المعاصي ووجوه البهتان، وكل ذلك واضح فيما يحكيه القرآن عمن سبقنا من الأمم في غابر الأزمان.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

عباد الله:

كان المسلمون يوعظون فيما يبدو عليهم من الصغائر كبعض الشبه في العقيدة والحلال والحرام، وفي شيء من الفتور في العبادات، ومن بعض الهفوات في المعاملات وقليل من الأخطاء في العلاقات… ففي أي شيء يجب أن تكون الموعظة اليوم؟!

لقد شوًّهت العقيدة بألوان من الشرك، وفسدت العبادات بطغيان الجهل، وحادت المعاملات عن الصواب بسبب التجاوزات، وساءت العلاقات بسلطة الأنانية وتزكية الذات ونسيان رب الكائنات، فما من منكر ولا معصية ولا خبيث كان في الامم الغابرة إلا واجتمع فينا بأبشع صوره، وأقبح آثاره، فكيف نوعظ؟ ومم نتعظ؟ أمن الخمور والفجور؟ أم من الربا والرشاوى؟ أم من اللواط والزنى؟ أم من الشعوذة والسحر؟ أم من السطو والنهب أم من السرقة والغصب؟ أم من الإسراف والتبذير؟ أم من التلفيق والتزوير؟ أم من الظلم والاستبداد؟ أم من الكذب والنفاق؟ أم من السب والشتم؟ أم من التباغض والفرقة؟ أم من فقدان الثقة وغياب المحبة؟.

وهل شبابنا أولى بالموعظة من شيوخنا؟ وهل عوامنا أحرى بالإىقاظ من علمائنا؟ وهل فقراؤنا أحق بالنصيحة من أغنيائنا؟ وهل نساؤنا أجدر بالتوجيه من رجالنا؟ وهل قادتنا ورؤساؤنا أحب إلى الله وأحظى عنده سبحانه ممن سواهم!

ولقد أحاطت بنا الغفلة، ونسج الشيطان علينا شباكه، فلم ينج منها إلا من رحم الله، خلعنا الحياء ولبسنا البذاءة والوقاحة، ملكتنا شهواتنا وقادتنا أهواؤنا، وحل بنا الهوان من كل جانب حتى أصبح بعض المسلمين يتمنون أن يكون لهم عز كعز اليهود، وقد كنا بالأمس القريب نُعيِّر بعضنا بذل اليهود وجبنهم وبخلهم وخبثهم، وصرنا اليوم نقتبس منهم ونقلدهم ونستشهد باجتهادهم ونشاطهم ونعجب من إخلاصهم لأهدافهم، وصونهم لأسرارهم، كأنهم قدوتنا وأسوتنا، وهم في الحقيقة أذل الأمم بصريح القرآن، قال تعالى :{ضُرِبَتْ عََلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ، وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ المَسْكَنَةُ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، ذَلِكَ بِمَآ عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

عباد الله :

إن القرآن الكريم حيمنا يخبرنا بحكم الله وغضبه على اليهود، يبين لنا سبب عقابه إياهم، لقد كفروا بآيات الله، وقتلوا الأنبياء بغير حق، وعصوا واعتدوا. وكل أمة ظهرت فيها هذه الأسباب الماحقة فهي ظالمة معتدية، ينزل الله بها ما يشاء من أنواع اللعنة والعذاب، مالم يتوبوا.

وقد حل بساكني الأمة الاسلامية اليوم ما حذرهم منه الرسول عليه الصلاة والسلام من تداعي الأمم الكافرة عليهم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فها هي ذي الأمم قويها وضعيفها تداعت على جسم الأمة الاسلامية تنهشه وتمزقه، وتعبث به علانية جهارا مباشرة، كما تحيط الضباع والثعالب والذئاب بالأسد المريض، فلا يكاد يزأر، وقد كان زئىره يرعبها شرقا وغربا. لقد أصاب الوهن المسلمين بسبب حرصهم على حياة الذل والخضوع، وكراهية الموت، وترك الجهاد في سبيل الله. وهذا هو حال اليهود كما أخبر عنهم سبحانه بقوله : {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} أي حياة، إلا حياة الشرف والريادة!

لقد كانت المواعظ تعمل عملها في المسلمين فيتوبون ويرعوون ويخرون للأذقان باكين ساجدين،خاشعين لله رب العالمين، فما لقلوبنا اليوم كأنها الحجارة أو أشد قسوة، لاتخفق ولا ترتجف جوانحنا، ولا تسيل مدامعنا، نطرب للأغاني، وننام عند تلاوة القرآن، ننشط عند اللهو والعبث، نضجر عند النصيحة والتوجيه، نسخو عند الرقص والاحتساء، ونبخل عند الفقراء البؤساء، نكون رحماء عندما نكون مرضى ضعفاء، ونصير جفاة عندما  نكون أصحاء أقوياء! وخيرنا من ينوي التوبة، ثم يُسَوِّفُهَا.

يامَنْ يعُدُّ غَدًا لِتَوْبَته

اَعلَى يَقِينٍ مِنْ بُلُوغِ غَدِ

المَرْءُ فِي زَلَلٍ عَلَى أمَلٍ

ومَنِيَّةُ الإنْسَان بِالرَّصَدِ

أَيَّامُ عُمْرِكَ كُلُّهَا عَدَدٌ

ولَعَلَّ يَوْمَك آخِرُ العَدَدِ

أَلَمْ يُخَاطِبْنَا الرَّحْمَانُ بالحُجَّةِ والبُرْهَانِ، ألَمْ يُحَذِّرْنَا الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاَة والسلام من الرِّدّة والعِصْيان، ألَمْ يُنَبِّهنا الخَالِقُ سُبحانه بعِبَر الزّمان والمكان، وبِما يُصيب بِه أمْثالنا في مُخْتلف البُلدان!

فَهل أنْكرنا وجود المليك الدّيان؟ أم أمِنّا مَكْره، وفررنا من قبضته وخرجنا من سلطانه؟ أم استغنينا عن آلائِه وإحْسانِه؟ أم تَجرّأنا عليه بسبَب عجْزِه ونِسْيانه؟ تعالى الله عن ذلك عُلُوّاً كبيراً.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

عباد الله :

إذا عُرض شخْص على الأطبّاء، وألْفوا به عِدّة أمراضٍ، فإنّهم لاشكَّ يهْتمُّون بأخطر أمراضه -إنْ كانُوا مُخْلصين- ونحن قد تزاحمت علينا أمراض الاستعمار وآفاتُ الاستقلال، فمُنْذُ أرْبعةِ عُقود كان توجُّه الحُكُومات المغربية مادِّياً دنْيويّاً في الغالب، كأنّ الأمّة المغربيّة لم يكنْ ينقُصها إلا إصلاحُ الجانب الدّنْيوِيّ. ولوْ كان هُنَاك رسْمٌ بيانِيٌّ، بِما أنْفِقَ على الجانب الدُّنْيويّ، وعلى الجانب الدِّينِيّ من الجُهُود المادّية والمعنوية لرَأينا ما يُؤَكِّدُ إهمال جانب التّنْميّة الإيمانية والتّعبُّدية والسلوكية إهمالاً فظيعاً، نُْعاني اليوم وغداً من نتائجه. وإنّ فلْسَفة الإصلاحِ التي تُنادي بها كُلُّ حُكُومة، يجبُ أن تُعْنَى بالإنْسان قبل كلِّ شيء، وأكثرَ مِن أيِّ شيءٍ، لأنّه المكلّف المخاطَبُ بالمحافظةِ على ما هُو صالِحٌ، وبإصْلاحِ ما يَفْسُدُ، وبإبْداع ما تَفْتقِرُ إليه الحياة المُتجدِّدَةُ!

أيّها العلماء اخْرُجوا من أكنانِكُم، وبلِّغُوا كلمة ربِّكم، وأحْيُوا سنّة نبيّكم، وارفَعُوا لِواءَ عَقِيدتِكُم. فإن وجدْتم سلطةً كيّسةً مُصْلحةً، واعِيةً مؤْمِنةً فذَلِكَ عوْنُ من الله، وتوْفِيقُ وبركُة لكُمْ جَمِيعاً. وإنْ وجَدْتُمْ غير ذلك فلا تُعَوِّلُوا على الغَوْغَاءِ والدَّهْماء الذينَ أفْسَد الإعلام المضلِّل طبَائعهُم، وشكّلت الأحزابُ الضاّلةُ آراءهُم، وشتَّتت السّياساتُ الفاسِدة العاجزَةُ المُتعثِّرة آمالهم. إنّ هؤلاءِ جميعاً لا يحْمُونَكم ولا ينصرونكم، بل فيهم من يسُرُّه أذاكُم، فقُومُوا للّه، واغْضَبوا لله، واقْطَعُوا أطماعكم من غير الله، فإنْ أتَاكُمْ تَأْييدُهُ الظَّاهِر فاشْكُروا له واحمَدُوه، وإن أبْطَأَ عنْكُم نصْرُه، فَراجعوا أنْفُسَكم ووسائِلكم، واذْكُروا ربَّكُم عِنْد كلّ فِكْرةٍ وكلمَةٍ وخُطْوةٍ، فهو القادِرُ على حِمايتكم من كلّ سوء، وتذَكَّرُوا قوْل الرّسُولِ عليه الصلاة والسلام : >واعْلم أنّ الأمّة لَوِ اجتمَعُوا على أنْ يَضُرُّوكَ بِشيْءٍ لم يَضُرُّوك إلاّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَه الله علَيك، رُفِعت الأقْلامُ وجَفَّتِ الصُّحُف<.

أخرج الأئمّة : أحمد والترمذي وابن ماجة عن أبي سعيد الخُدري ] قال : قام فِينا رَسُولُ الله  خَطِيباً فكان فيما قال : >لا يمْنَعَنَّ رجُلاً هَيْبَةُ النّاس أنْ يقُول بحقٍّ، إذا عَلِمَهُ أو شهِدَهُ أو سَمِعَهُ، فإِنَّهُ لا يُقَرِّبُ منْ أجَلٍ، ولا يُبَاعِدُ من رِزْقٍ<.

وكيْف قرّتْ لأهْل العلم أعْيُنهم

أوِ استلذُّوا لَذِيذَ النّوْمِ أو هَجَعُوا

والموْتُ يُنْذِرُهم جهْراً علانِيَّةً

لوْ كانَ للْقَوْمِ أسْماعٌ لَقَدْ سَمِعُوا

لِيَنْفَعِ العِلْمُ قَبْلَ المَوْتِ عَالِمَهُ

قَدْ سَالَ قَوْمٌ بِهَا الرُّجْعَى فَمَا رَجَعُوا

ويا أصحاب السّلطة والأمر، لا رَيْب أنّكم تذكرون أن فوق كل آمرٍ آمراً، فهل تذْكرون بحُكْم إيمانِكم الآمر الذي ليس فوْقه آمرٌ، هل تذكرون عنْدَ أيّ أمْرٍ صاحب الأمر المُطْلق، الذي لاراَدَّ لأمْرِهِ، ولا مُعَقِّبَ لِحُكْمِه. الذي بِيدِه مَلَكُوتُ كلِّ شيْءٍ يقُولُ للشّيءِ كن فيكون، هل تذكرون ربّ العرش العظيم كما تذكرون رُؤساءكم ومن هم أعلى مِنْكم قيادةً ومسؤولية، هل تذكرون عزّ الله وبطْشه؟ هل تذكرون عِلْمه المحيط بكلِّ شيءٍ وقُدْرتَه على كُلّ شيء؟ هل توقِنُون أنّ أيّ تَعْيينٍ أو تَنْصِيبٍ، وأيّ عزْلٍ أو توْقِيف، إنَّمَا هُوَ بِعِلْمِه وتحتَ عَيْنِه، وأنَّه ابتلاء وامْتحانٌ نسأل الله أن يُوَفِّقكم فيه. قال تعالى : {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُوتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وتَُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ، بِيَدِكَ الخَيْرُ إنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَدِىرٌ}. وقال سبحانه : {إن أحْسَنْتُم أحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وإنْ أَسَأْتُم فَلَها}، وقال عز وجل : {وهُوَ مَعَكُم أيْنَما كُنْتُمْ واللَّهُ بِمَا تَعْمَلُون بَصِيرٌ}.

فلماذاَ يرْغَبُ بَعْضُ حُكَّامِ المُسْلِمين فِي تحْسينِ علاقاتِهم مع الدّول العُظْمى ولا يرغبون في تَحْسينِ علاَقَاتِهم بربِّهم وربِّ الدُّول العُظْمى، فإنَّ الله يَحْمِي الحاكِمَ المُسْلِمَ الصَّادِقَ من مَكْرِ النّاسِ، ولا يَسْتَطِيعُ أيُّ مَخْلُوقٍ أنْ يَحْمِيَ الحَاكِمَ الجائرَ من مَكْر الله. قال الحسن ُ البصري : “أخَذَ اللّه على الحُكَّامِ أنْ لا يَتَّبِعُوا الهَوَى، ولا يَخْشَوا النّاسُ، ولا يَشْتَرُوا بآياتِ الله ثمَناً قَلِيلاً” ثُمَّ قَرَأ : {يَا دَاوُدُ إنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسَ بالحَقٍّ، ولاتَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّك عَنْ سَبِيل اللّه، إنّ الذِينَ يُضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابُ شَدِيدٌ بما نسُوا يَوْمَ الحِسَابِ}.

فمن راقبَ الله مِنْكُم عَصَمَهُ وهَدَاهُ، ومَنْ ذكرهُ أعانَهُ وسَدَّدَهُ، ومَن توكل عليه وحده كفاهُ وأيّده، ومَن نسيه وذكر ما دونه نسيه، ومن خاف غيره خذله وأهانه، ومن اطْمأن إلى ما سواه تخلّى عنه وأسْلمه، واحذروا غضبه ومقْته، ولا يغُرّنكم تأْجِيله وإمهاله، فإنه سبحانه يُمْهل ولا يُهْمل، وإنّ أخْذه لأخْذ عزيزٍ مُقْتدر.

يا ابن آدم لا تَغْرُرْك عافيةٌ

عليك شامِلةٌ فالعُمْرُ مَعْدُودُ

ما أنْتَ إلاَّ كَزَرْعٍ عِنْدَ خُضْرِته

بكُلِّ شيءٍ من الآفاتِ مَقْصُودُ

فإن سلِمْت من الآفات أجْمعها

فأنت عند كمال الأمر محصُود

{وأنِيبُوا إلى رَبِّكُمْ وأسْلِمُوا له من قَبْلِ أن يَأتيكُم العذاب ثمّ لا تُنصرون}.

اللهم يا مُقَلّب القلوب ثبّت قُلُوبنا على دينك..

آمين والحمد لله رب العالمين.

في العدد المقبل الخطبة الثانية

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>