تعقيب آخر على الأستاذ محمد الصنهاجي بومزود


قرأت التعقيب الذي كتبه الأستاذ محمد الصنهاجي في جريدة المحجة الزاهرة عدد 117 بتاريخ 22 رجب  1420. ووجدت جُل هذا الرد خارجا عن الموضوع الذي تطرقت إليه في نفس الجريدة عدد 112.

وللبيان والتوضيح أجمل هذا الرد في النقط الآتية :

أولا : لعلم القارئ الكريم فإن الأستاذ الصنهاجي نشر في جريدة المحجة عدد 103 المقالة الأولى، ونفس المقالة أعاد نشرها في عدد 111 من نفس الجريدة.

والسؤال الذي أطرحه على الأستاذ هو ما الفرق بين المقالة الأولى والمقالة الثانية؟ علما أن ردي المنشور في جريدة المحجة عدد 112 منصب على المقالة الأولى دون الثانية.

ولبيان >الفرق!< بين المقالتين ندرج كلامه، يقول في المقالة الأولى : >ومثل هذه الأخطاء في رسم تلك الآيات قد يوهم القارىء أن الإسم الموصول فيها متعلق بالمفرد المؤنث >التي< والحقيقة أنه متعلق باسم موصول جمع الجمع المؤنث -كذا- وانطلاقا من مبدإ النصيحة لكتاب الله تعالى يجب على كل مسلم ومسلمة غيور -كذا- على كتاب الله أن يصلح هذه الأخطاء الموجودة في المصاحف المذكورة أعلاه< انتهى كلامُه، المحجة عدد 103.

ويقول في المقالة الثانية والمنشورة في عدد 111 من جريدة المحجة >أما المصحف المطبوع بالديار المقدسة برواية عن نافع فقد سقط من رسم آياته حرف الألف المَوْجُودة في الاسم الموصول المتعلق بجمع التأنيث >اللاتي< مثال ذلك ما يوجد في سو رة النساء 15، 23، 34، 126، ومثل هذا الوجه من رسم تلك الآيات قد يوهم القارئ أن الاسم فيها متعلق بالاسم المفرد المؤنث >اللاتي< والحقيقة أنه متعلق باسم الجمع المؤنث <انتهى كلامه.

والملاحظ أن الفرق شاسع بين المقالة الأولى التي يقول فيها >ومثل هذه الأخطاء في رسم تلك الآيات…< وكان ردى أن هذه ليست بأخطاء  بل وجه من أوجه  الرسم اختلف فيه أبو عمرو الداني رحمه الله وأبو داوود، إلا أن المغاربة يرجحون الوجه الذي ذهب إليه الداني.

أما المقالة الثانية فيقول فيها بالحرف >ومثل هذا الوجه من رسم تلك الآيات قد يوهم القارئ…<.

وأقول : الفرق شاسع بين أن تقول : ومثل هذه الأخطاء… وبين أن تقول : ومثل هذا الوجه من رسم..<.

إذاً كان ردي على المقالة الأولى التي اعتبر الأستاذ فيها أن حذف الألف في >اللاتي، واللائي< خطأ يجب اصلاحه في المصحف المشار إليه.

ولو حذف الأستاذ في هذه المقالة الأولى كلمة >خطأ> وأبدلها بوجه من الوجوه في رسم الكلمة لما كلفني مشقة الرد عليه 0فالوجهان صحيحان، أي كتابة الألف أو حذفها.

إلا أن  علماء الضبط على حسب ما ورد في كتاب : >الطراز على ضبط الخراز< للامام التَّنَسِيّ اخذوا بعلامات الخليل بن أحمد وأتباعه من المشارقة بدلا من علامات الأندلسيين والمغاربة، وهذا ما أخذ به المشرفون على مصحف المدينة الذي اعتبر الاستاذ الصنهاجي أن الألف الساقطة فيه تعتبر خطأ وهذا غير صحيح، ورحم الله ابن بري إذ يقول :

سَلَكْتُ في ذَلِكَ طَريقَ الدَّانِي

إذْ كَــانَ ذَا حِفْظِ وذَا إتْقَانِ

عَلَى الذِي رَوَى أبُو سَعِيدٍ

عُثْمَـانُ ورْشٌ عـالِم والتَّجْوِيدِ

ثانيا : إنّ ما ذهب إليه الأستاذ الصنهاجي من أنه اكتشف هذه الأخطاء في المصحف المذكور قد سبقه إليه الأستاذ محمد بن عبد الوهاب أبياض أستاذ كلية الشريعة بفاس سنة 1986، يقول >تصحيح أخطاء وردت في مصحف شريف أقرته لجنة مراجعة المصاحف بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بقرار 30 مؤرخ في 1964/02/27، وقد صدره بتقديم لوحات مصورة من أول النسخة وآخرها ليسهل التعرف عليها، ثم وضع له جداول تبين الخطأ وتصحيحه، عدد الأوراق 28 صفحة من الحجم الكبير، حالته جيدة وخطه مغربي مبسوط(1).

ثم كتب الأستاذ التهامي الراجي عن هذه الأخطاء كذلك ونشرت كلها في مجلة >دعوة الحق< المغربية كما كتب عن هذه الأخطاء ذ. ادريس الجناتي في كتابه الجديد تحت عنوان : تصحيح الأخطاء في بعض المصاحف القرآنية المغربية (2) وللإشارة فلم يعتبر الأستاذ الجَنَاتي حذف الألف في >اللاتي واللائي< خطأ في هذا المصحف.

ثالثا : يقول الأستاذ الصنهاجي في سؤال طرحه علي في مقالته، >أيهما أحوط لكتاب الله؟ رأي الداني أم رأي أبي داود؟< أقول له : رأي أبي داوود ورأي الإمام الداني كلاهما صحيحان أما أنت فقد اعتبرت رأي ابن عمرو الداني في مقالتك الأولى خطأ يجب تصحيحه، ثم عدت في مقالتك الثانية وقلتَ إن هذا الوجه من رسم تلك الآيات قد يوهم القارئ…< أما الأحوط لكتاب الله تعالى فهو الالتزام بالرسم العثماني فالطالب الذي لا يقدر أن يقرأ قول تعالى : {ويُقِيمُونَ الصَّلَوة} فعليه أن يتعلم وأن يأخذ العلم من أفواه الشيوخ، ولقد كانت القاعدة المتبعة منذ عهد رسول الله صلىالله عليه وسلم أن القرآن يؤخذ بالتلقي من أفواه العلماء الضابطين لأَلفاظه حتى لا يقع الطالب في تصحيف بعض ألفاظ القرآن الكريم واللحن في كلمة من كلماته دون أن يعلم، وكانوا يقولون : >من أعظم البلية تشييخ الصحيفة<(3) أي ا تخاذها شيخا يتلقى المصحف عنه.

إن الحديث عن كتابة المصحف بغير الرسم العثماني قديم، فقد بحثه أئمة السلف قبل أكثر من ألف سنة وألَّف فيه علماء القراءة والرسم كتُباً وحكموا فيه بما ظهر لهم من الكراهة أو التحريم 0وقد جمع الجلال السيوطي نقولا عنهم في الموضوع قال : >فصل< القاعدة العربية إن اللفظ يكتب بحروف هجائية مع مراعاة الابتداء به والوقوف عليه، وقد وضع له النحاة أصولا وقواعد، وقد خالفها في بعض خط المصحف الإمام.

وقال أشهب سئل مالك : “هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال : لاَ الأعلى الكتْبة الأولى” رواه الداني في المقنع، ثم قال : ولا مخالف له من علماء الأمة، وقال الإمام أحمد :” يحرم مخالفة خط عثمان في واو أوياء أو الف أو غير ذلك، وقال البيهقي في شعب الإيمان : >من يكتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به المصاحف، ولا يخالفهم فيه ولا يغير مما كتبوا شيئا فإنهم كانوا أكثر علما وأصدق قلبا ولسانا وأعظم أمانة، فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم<.

نقلت هذه النقول ليعلم القارئ الكريم أن الرسم العثماني لا يجوز مخالفته البتة، بل الواجب أن نعلم الناس قراءة القرآن الكريم بهذا الرسم التوقيفي كما ذهب إليه جل أئمة المسلمين الأعلام حفاظا على نصه ورسمه وفهمه.

رابعا : أعضاء اللجنة التي أشرفت على تصحيح المصاحف بالأزهر التي من ضمنها الشيخ خليل الحصري والشيخ عبد الفتاح رحمهما الله لم يرد في هذه الوثيقة ما يشير إلى مصحف ورش عن نافع بل الغالب على هذه الوثيقة أنها لمصحف عن رواية حفص عن عاصم.

ومعلومأن للمشارقة طريقة ضبط تختلف عن طريقة ضبط الأندلسيين والمغاربة، والمشارقة يأخذون غالبا بعلامات الخليل بن أحمد وأتباعه من المشارقة.

خامسا : أما المصحف -3 4 الذي أتيتَ بصورة منه في الجريدة وأثبت فيها كلمة >اللاتي، واللائي، بالألف بعد اللام فعندي المصاحف الآتية لم يرد فيها ذكر الألف بعد اللام وهي :

-1 مصحف كريم بخط الزويتن الفاسي، طبع بدار الثقافة بالدار البيضاء 1419.

-2 نفس المصحف بخط السيد أحمد بن الحسن الزويتن وبمراجعة :

< الشيخ الكبير السيد محمد بن عبد الله من كبار علماء القرويين.

< الشيخ الحسن بن محمد الزروالي.

< الأستاذ الجليل أبو الشتاء الفشتالي.

وقد طبع بمصر في متم شعبان عام 1349هـ.

-3 المصحف الحسني بجميع أحجامه بخط السّيد البهاوي السوسي.

-4 المصحف الحسني المسبع بجميع أحجامه طبع 1417هـ.

سادسا : وأخيرا فإن كتاب الاستاذ الجناتي ليس ضخما كما وصفته بل كتاب متوسط الحجم ويقع في 113 صفحة وقد سبق لي أن عرّفت به في جريدة العَلم، والكتاب موجود في السوق وقد طبع بالرباط بدون ذكر تاريخ الطبع، بمطبعة أمبريال، كما أن كتاب الدكتور عبد العزيز العيادي قد طبع للمرة الثانية تحت عنوان >الأنصاص القرآنية< رواية ورش، ويقع الكتاب في مجلدين كبيرين عدد صفحاتهما 925، وهو كذلك متوفر في الأسواق.

ولا يفوتني في الأخير إلاَّ أن أشكر الأستاذ محمد الصنهاجي بومزود على اهتمامه بهذا الموضوع راجيا لنا وله من الله المثوبة والأجر والتوفيق، أسأل الله العظيم أن يجعل علمنا خالصا لوجهه الكريم وأن يجعلنا ممن تعلم القرآن وعلّمه، وممن يتلوه حق تلاوته وأن يأخذ بأيدينا لما فيه رضاه، إنه جواد كريم.

والحمد لله رب العالمين.

هوامش

-1 فهرس مخطوطات مكتبة عبد الله گنون، من اعداد ذ. عبد الصمد العشاب مدير المكتبة، رقم 10153 نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالرباط.

-2 تصحيح الأخطاء في بعض المصاحف القرآنية المغربية ط بالرباط للأستاذ ادريس الجناتي الادريسي.

-3  تذكرة السامع والمتكلم، لابن جماعة ص 87.

-4  المقنع لابن عمرو الداني.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>