إشراقات : صحة العقل في صحة النقل


إن صحة العقل وتحرره من علل الخرافات، وسلامة الفكر وبعده عن الترهات شيء مطلوب في الإسلام لتحقيق صحة الأخلاق والسلوك عند المعاملات، فمن أجل هذا شددت الشريعة في المنع من رواية الأخبار المصنوعة، والأحاديث الباطلة الموضوعة، ومن فعل ذلك فقد باء بإثم الكذب على رسول الله .

قال  : >من روى عني حديثا يُرى -بضم الياء أي يظن- أنه كاذب فهو أحد الكذابين<(رواه مسلم في مقدمة صحيحه باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين).

نعم إذا كان يرى أن الحديث مكذوب فأشاعه بين الناس فحينئذ يكون بمثابة من كذبه ابتداء.

عن الثوري قال حبيب بن ثابت : >من روى الكذب فهو الكذاب< إنه ليس الكذب فحسب بل هو أعظم الكذب وأقبحه لما يترتب عليه من صناعة عقول سخيفة، وأفكار مريضة، تعكس في المجتمع أخلاقا قبيحة. قال  : >إن أغرى الغِرَى، أن يتقول علي ما لم أقل<(رواه البخاري)، وفي رواية >إن أعظم الغرى أن يُدَّعى عن الرجل إلى غير أبيه، أو يُرِيَ عينيه في المنام مالم تر، أو يقول علي مالم أقل<.

إن الواقع التاريخي يشهد أن قوة الأمة تتمثل في قوة عقيدتها، ولا تتحقق قوة العقيدة إلا بصحة النقل، فلهذا كان السلف إذا وجدوا من يروي الغرائب والمناكير سقط من أعينهم، ولو كان مجتهداً في العبادة والصلاح، عن عيسى بن يونس قال : >ينبغي للرجل أن يدع رواية الغريب، فإنني أعرف رجلاً كان يصلي في يومه مائة ركعة ما أفسده عند الناس إلا رواية غريب الحديث، لأن الغريب من الحديث يبهر العقول، ويعجب العامة، وبالتالي فالعمل به يكون مخالفا للشريعة، ومضيعاً للجهود، والسلف رضوان الله عليهم لم يغتروا بالألفاظ البراقة التي تشتمل عليها الأحاديث الغريبة، ولكنهم كانوا يختارون جياد الأحاديث وعيونها، التي لم يدخل عليها التعليل في أسانيدها ولا متونها.

قيل لشعبة : مالك لا تروي عن عبد الملك بن سليمان، وهو حسن الحديث، فقال : من حسنها فررت<.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>