إشراقات: النبأ العظيم


لحظات الدنيا قصيرة وبعدها يجد المرأ نفسه قد انتقل من القصر إلى القبر، ومن نور الوجود إلى ظلمة اللحود،  ومن مجالسة الزوجة الودود، إلى معاناة الهوام والدود، ومن أنس العشير، إلى وحشة منكر ونكير، فسبحان الذي انفرد بالبقاء، وأذل الخلق بما كتب عليهم من الفناء.

قيل لعبد الملك بن مروان في مرضه الذي مات فيه : كيف تجدك يا أمير المومنين؟ قال : أجدني كما قال تعالى : {ولَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أوَّلَ مرَّة وتركتم ما خولناكُمْ ورَاء ظُهُورِكُمْ}(الأنعام : 94).

ويحكى عن هارون الرشيد أنه انتقى أكفانه بيده، وكان ينظر إليها ويقول : {ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانيه} (الحاقة : 28).

وفرش المأمون رماداً واضطجع عليه ، وكان يقول : يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه.

وفتح عبد الله بن المبارك عينيه عند الوفاة فضحك وقال : {مثل هذا فليعمل العاملون}(الصافات : 61).

ولما حضرت فضيلا الوفاة غشي عليه ثم فتح عينيه وقال : وابعد سفراه واقلة زاده.

وبكى أحد السلف عند الموت فقيل له : ما يبكيك؟ قال : آيةٌ في كتاب الله تعالى قوله : {إنّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِين}(المائدة : 37).

ولما احتضر أبو سليمان الدراني أتاه أصحابه فقالوا أبشر فإنك تقدم على رب غفور رحيم، فقال لهم : ألا تقولون احذر فإنك تقدم على رب يحاسبك بالصغير ويعاقبك بالكبير؟.

ودخل المُزني على الإمام الشافعي في مرضه الذي توفي فيه فقال له : كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ فقال أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مفارقاً، ولسوء عملي ملاقيا، ولكأس المنية شاربا، وعلى الله تعالى وارداً، ولا أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها أم إلى النار فأعزيها؟ ثم أنشأ يقول :

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي

جعلت رجائي نحو عفوك سلما

تعاظمني ذنبي فلما قرنته

بعفوك ربي كان عفوك أعظما

فمازلت ذا عفو عن الذنب لم تزل

تجود وتعفو منة وتكرما

ولولاك لم يغوى بإبليس عابد

فكيف وقد غوى صفيك آدما

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>