كلمات : الكلمة العاشرة   -5- مبحث الحشر


>فاَنْظُرْ إلى آثَارِ  رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي المَوْتَى وهُوَ على كلِّ شَيْءٍ قَدير< (الروم : 50)

هذه اثنتا عشرة صورة تؤكد أن هناك محكمة كبرى حقا، ودارا للثواب والإحسان، وأخرى للعقاب والسجن.

الصورة الثانية عشرة :

تعال فلنرجع الآن يا صاحبي، لنتلقى ضباط ههذه الجماعات ورؤساءها، انظر إلى معدّاتهم.. أزُوِّدُوا بها لقضاء فترة قصيرة من الزمن في ميدان التدريب هذا؟؟ أم أنها وُهِبَتْ لهم ليقضوا حياة  سعيدة مديدة في مكان  آخر؟ ولما كنا لا نستطيع لقاء كل واحد منهم، ولا نتمكن الاطلاع على جميع لوازمهم وتجهيزاتهم، لذا نحاول الاطلاع على هوية وسجل أعمال واحد منهم كنموذج ومثال. ففي الهوية نجد رتبة الضابط، ومرتبه، ومهمته، وامتيازاته، ومجال أعماله، وكل ما يتعلق بأحواله..لاحظ، إن هذه الرتبةليست لأيام معدودة بل لمدة مديدة.. ولقد كتب في هويته أنه يتسلم مرتبه من الخزينة الخاصة بتاريخ كذا… غير أن هذا التاريخ بعيد جدا، ولا يأتي إلا بعد انتهاء مهام التدريب في هذا الميدان.. أما هذه الوظيفة فلا توافق هذا الميدان المؤقت ولا تنسجم معه، بل هي للفوز بسعادة دائمة في مكان سامٍ عند الملك القدير.. أما الواجبات فهي كذلك لا يمكن أن تكون لقضاء أيام معدودة في دار الضيافة هذه، وإنما هي لحياة أخرى سعيدة أبدية.. يتضح من الهوية بجلاء، أن صاحبها مهيأ لمكان آخر، بل يسعى نحو عالم آخر.

انظر إلى هذه السجلات التي حددت فيها كيفية استعمال المعدات والمسؤوليات  المترتبة عليها، فإن لم تكن هناك منزلة رفيعة خالدة غير هذا الميدان، فلا معنى لهذه الهوية المتقنة، ولا لهذا السحل المنتظم، وليسقط الضابط المحترم والقائد المكرم والرئيس الموقر إلى درك هابط ولقي الشقاء والذلة والمهانة والنكبة والضعف والفقر.. وقس على هذا، فأينما أَمْعَنْتَ  النظر متأملا قادك النظر إلى أن هناك بقاء بعد هذا الفناء.

فيا صديقي! إن هذه المملكة المؤقتة ماهي إلا بمثابة مزرعة، وميدان تعليم، وسوق تجاري، فلابد أن تأتي بعدها محكمة كبرى وسعادة عظمى. فإذا أنكرت هذا، فسوف تضطر إلى إنكار كل الهويات والسجلات التي يمتلكها الضابط، وكل تلك العُدَدِ والأعتدة والتعليمات، بل تضطر إلى انكار جميع الأنـظمة في هذه المملكة، بل انكار وجود الدولة نفسها، وينبغي عند ذلك أن تكذب جميع الاجراءات  الحادثة. وعنده لا يمكن أن يقال لك إنك إنسان له شعور. بل تكون إذ ذاك أشد حماقة من السوفسطائيين.

وإياك إياك أن تظن أن دلائل وإشارات تبديل المملكة منحصرة في >اثنتي عشرة< صورة التي أوردناها، إذ أن هناك ما لا يعد ولا يحصى من الأمارات والأدلة على أن هذه المملكة المتغيرة الزائلة تتحول إلى أخرى مستقرة باقية، وهناك الكثير الكثير من الإشارات والعلامات تدل على أن هؤلاء الناس سينقلون من دار الضيافة المؤقتة الزائلة إلى مقر السلطنة الدائمة الخالدة.

يا صحبي! تعال لأقرر لك برهانا أكثر قوة ووضوحا من تلك البراهين الاثني عشر التي أنبأت عنها تلك الصور المتقدمة. تعال، فانظر إلى المبعوث الكريم، صاحب الأوسمة الرفيعة الذي شاهدناه في الجزيرة -من قبل- أنه يبلّغ أمرا إلى الحشود الغفيرة التي تتراءى لنا على بُعد. فهيّا نذهب ونُصْغ إليه.. انتبه! فهاهو يفسر للملإ البلاغ السلطاني الرفيع ويوضحه قائلا لهم :

>تهيأوا! سترحلون إلى مملكة أخرى خالدة، ما أعظمها من مملكة رائعة! إن مملكتنا هذه تُعَدُّ كالسجن بالنسبة لها. فإذا ما أصغيتهم إلى هذا الأمر بإمعان، ونفّذتموه بإتقان ستكونون أهلا لرحمة سلطاننا وإحسانه في مستقره الذي تتجهون إليه، وإلا فالزنزانات الرهيبة مثواكم جزاء عصيانكم  الأمر وعدم اكْتِرَاثِكُم به<..

إنه يذكر الحاضرين بهذا البلاغ، وأنت ترى على ذلك البلاغ العظيم ختم السلطان الذي لا يُقلد. والجميع يدركون يقيناً -إلا أمثالك من العميان- أن ذلك المبعوث المجلل بالأوسمة الرفيعة هو مبلّغ أمين لأوامر السلطان؛ بمجرد النظر إلى تلك الأوسمة.

فيا ترى هل يمكن الاعتراض على مسألة تبديل هذه المملكة التي يدعو إليه ذلك المبعوث الكريم بكل ما أوتي من قوة، ويتضمنه البلاغ الملكي السامي؟ كلا.. لا يمكن ذلك أبداً، إلا إذا أنكرت جميع ما تراه من أمور وحوادث.

فالآن أيها الصديق! لك أن تقول ما تشاء.

-ماذا عساي أن أقول؟ وهل بقي مزيد من قول لقائل أمام هذه الحقائق! وهل يقال للشمس وهي في كبد السماء؛ أين هي؟. إن كل ما أريد أن أقوله هو : الحمد للّه، وألف شكر وشكر، فقد نجوت من قبضة الأوهام والأهواء، وتحررت من أسار النفس والسجن الأبدي، فآمنت بأن هناك دار سعادة عند السلطان المعظم، ونحن مهيأون لها بعد هذه الدار الفانية المضطربة.

وهكذا تمت الحكاية التي كانت كناية عن الحشر والقيامة والآن ننتقل بتوفيق العلي القدير إلى الحقائق العليا، فسنبينها في “اثنتي عشرة حقيقة” وهي متساندة مترابطة مقابل الصور الاثنتي عشرة، بعد أن نمهد لها بمقدمة.

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>