مع الصادقات : صفية بنت عبد المطلب أول امرأة مسلمة قتلت مشركاً دفاعا عن دين الله


-1 نسبها :

هي صَفِيَّة بنت عبد المطّلب الهاشمية القُرشيّة عمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أبوها هو عبد المطلب بن هاشم جدّ النبي صلى الله عليه وسلم وزعيم قريش وسيّدها المطاع، وأمّها، هالةُ بنتُ وهْبٍ أختُ آمنةَ بنتِ وهْبٍ والدةِ الرسول صلى الله عليه وسلم.

وزوجها الأول، الحارِثُ بن حَرْبٍ أخو أبي سُفْيَانَ بن حربٍ زعيم بني أمية، وقد توفي عنها.

وزوجها الثاني، العوّام بنُ خُوَيْلِدٍ أخو خديجة بنتِ خويلد سيِّدَة نساءِ العرب في الجاهلية، وأولَى أمهات المومنين في الإسلام. وابنها، الزُّبَيْر بن العوّام حوارِيُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

-2 إسلامها :

لما بعث الله نبيه بدين الهدى والحق، وأرسله بشيراً ونذيراً للناس، وأمره بأن يبدأ بأقربائه جمع بني عبد المطلب وخاطبهم قائلا : يا فاطمة بنت محمد، يا صفيَّةُ بنتُ عبد المطلب، يا بني عبد المطلب إني لا أملك لكم من الله شيئا.

ثم دعاهم إلى الإيمان بالله وحضهم على التصديق برسالته، فأقْبَل على النور الإلاهي منهم من أقبل، وأعْرض عن ضيائه من أعرض، فكانت صَفِيَّةُ بنتُ عبد المطّلب في الرّعيل الأول من المومنين المصدّقين.

-3 هجرتها ومواقفها الجهادية :

بعد انضمام صفية بنت عبد المطلب إلى موكب النور، عانت ما عاناه المسلمون السابقون من بأس قريش وعنَتِها وطُغْيانها. لما أذن الله لنبيه والمومنين معه بالهجرة إلى المدينة خَلَّفَتْ السَّيِّدة الهاشميَّةُ وراءها مكة بكل مالها فيها من الذِّكْريات. وضُرُوبِ المفَاخر والمآثِرِ، ويمَّمَتْ وجهها شطر المدينة مُهَاجرة بدينها إلى الله ورسوله.

وعلى الرغم من أن السيدة العظيمة كانت يومئذٍ تخْطُو نحو الستين من عمرها المديد الحافل، فقد كان لها في ميادين الجهاد مواقِف ما يزَالُ يَذْكُرها التاريخ بلسان ندِيّ بالإعجاب وحسبُنا من هذه المواقف مشهدان اثنان :

كان أولهما يوم أُحُدٍ، وثانيهما يوم الخَنْدَق.

أما ما كان منها في أحد فهو أنها خرجت مع جند المسلمين في ثُلّةِ من النّساء جهاداً في سبيل الله. فجعلت تَنْقُلُ الماء، وترْوِي العِطَاش، وتبري السّهام، وتُصْلح القِسّيّ(جمع قوسٍ وهو آلة من آلات الحرب يُرمى بها بالسِّهام). ولا غرو فقد كان في ساحة المعركة ابن أخيها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوها حمزةُ بن عبد المطلب أسد الله، وابنُها الزبيرُ بن العوام حواريّ -ناصِر- نبي ّ الله.

ولما رأت المسلمين يتفَرَّقُون عن رسول الله إلا قليلا منهم، ووجدت المشركين يوشكون أن يَصِلُوا إلى النبي ويقْضُوا عليه، طَرَحَتْ سِقَاءها أرضاً، وهبَّتْ كاللَّبُؤَةِ التي هوجِم أشبالها، وانْتَزَعَتْ من يد أحد المنهزمين رُمْحَه، ومَضَتْ تَشُقُّ به الصُّفُوف وتضْرِبُ بسِنَانه الوجوه وتزْأرُ في المسلمين قائلة : ويحكُمْ، أنْهَزَمْتُم عن رسول الله؟!!

فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم مُقْبِلَةً خَشِيَ عليها أن ترى أخاها حَمْزَة وهو صَرِيع، وقد مَثَّلَ به المشركون أبْشَع تمثيل، فأشار إلى ابنها الزبير قائلا : المرأة يا زُبيرُ، المرأة يا زُبيرُ، فأقبل عليها الزبيرُ وقال -فيما معناه- ابتعدي يا أماه، ابتعدي يا أمّاه، فقالت : تَنحَّ لا أمَّ لَكَ.

فقال : إن رسول الله يأْمُرُكِ أن ترْجِعِي، فقالت : ولم؟! إنّه قد بَلَغَنِي أنَّهُ مُثِّلَ بأخي، وذلك في الله.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خَلِّ سبيلها يا زُبَيْرُ، فخَلَّى سبيلها. ولما وضعت المعركة أوزارها وقفت صَفِيَّةُ على أخيها حمْزة فوجدته قد شُقَّ بطنُهُ، وأخْرِجَت كبِدُه، وجُدِعَ -أي قُطع- أنفُه، وصُلِمَتْ -أي قطعت- أذُنَاه، وشُوِّه وجهه فاستَغْفرَت له، وجعَلتْ تقول : إن ذلك في الله، لقد رضيتُ بقضاء الله والله لأصْبِرَنّ، ولأَحْتَسِبَنَّ إن شاء الله.

أما موقفها يوم الخَنْدَق فله قصة مثيرة يمكن تلخيصها كالآتي :

لما كان يوم الخندق جعل النبي صلى الله عليه وسلم نساءَه وعمَّتَه وطائفة من نساء المسلمين في حِصْنٍ لحَسَّان بن ثابتٍ ورِثَهُ عن آبائه، وكان من أمْنَعِ حُصُونِ المدينة مناعةً وأبْعدِها منالاً. وبينما كان المسلمون يرابطون على أطْرَافِ الخندقِ في مواجهة قريش وأحلافها، وقد شُغِلوا عن النساء والذّرَارِي بمُنازلَة العدُوّ، أبْصَرَتْ صَفِيَّةُ بنت عبد المطلب شَبَحاً يتحرك في عَتْمَةِ الفجر، فأرْهَفَتْ له السَّمْعَ وأحدّتْ إليه البصر، فإذا هو يهوديٌّ أقبل على الحِصْنِ، وجَعَل يَطوف به مُتَحَسِّساً أخباره متجَسِّساً على من فيه، فأدركت ْ أنه عَيْنٌ لبني قومه جاء ليعلم أفي الحصن رجالٌ يدافعون عمَّنْ فيه أم إنّه لا يَضمُّ بين جُدْرانِه غير النساء والأطفال.

عند ذلك بادرت إلى خِمَارها فلَفَّتْه على رأسها، وعَمَدتْ إلى ثيابها فشدَّتْها على وسَطِها، وأخذَتْ عمُوداً على عاِتقِها، ونزلت إلى باب الحصن فشَقَّتْهُ في أناةٍ وحِذْقٍ، وجعلت ترْقُبُ من خلاله عدُوّ الله في يقظةٍ وحذرٍ، حتى إذا أيْقَنَت أنه غدا في موقِفٍ يُمَكِّنُها منه حَمَلَتْ عليه حملةً حازِمةً صارمةً، وضربته بالعمود على رأسه فطرحته أرضاً، ثم عززت الضربة الأولى بثانية وثالثة حتى أجهزت عليه وأخمدَتْ أنْفَاسه بين جَنْبَيْهِ. ثم بادرت إليه فاحْتَزَّتْ رأسه بسكين، وقذَفَتْ بالرّأسِ من أعْلَى الحصن، فطَفِقَ يتَدَحْرجُ على سُفُوحِه حتى استقرّ بين أيدي اليهود الذين كانوا يتربصون في أسفله.

فلما رأى اليهود رأس صاحبهم، قال بعضهم لبعض : قد علمنا أن محمداً لم يكن ليترك النساء والأطفال من غير حُمَاةٍ، ثم عَادُوا أدْرَاجَهُمْ.

رضي الله عن صفية بنت عبد المطلب، فقد كانت مثلا فدّاً للمرأة المسلمة، ربَّتْ وحيدها فأحكمت تربيته، وأُصِيبَت بشقيقها فأحسنت الصبر عليه، واخْتَبَرَتْها الشدائد فوجدت فيها المرأة الحازمة العاقلة الباسلة.

إعداد : عمر داود

———-

للاستزادة من أخبار صفية بنت عبد المطلب انظر : أسد الغابة، والطبقات الكبرى، وسير أعلام النبلاء والإصابة والاستيعاب.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>